سيظل التاريخ يسجل أن النصر العسكري يوم السادس من أكتوبر وبعد مرور 49 عاما، هو الأغلى والأكبر في العصر الحديث، والذي غير مفاهيم كثيرة في القتال والاستراتيجيات العسكرية بالعالم وحتى الآن، وليظل علامة فارقة في تاريخ منطقة الشرق الأوسط والعالم، نظرا لما شهده من دروس استراتيجية غيرت الكثير من المفاهيم العسكرية .
فقال اللواء دكتور سمير فرج المفكر الاستراتيجيي مدير إدارة الشئون المعنوية الأسبق من أبطال الاستنزاف وأكتوبر، إنه بعد مرور 49 عاما على احتفالات أكتوبر، سيظل هذا النصر هو الأغلى والأكبر عسكريا في العصر الحديث، وأردف “ما حدث أسطورة أعادت لنا الأرض بعد هزيمة 67، وتمت استعادة كرامتنا وأرضنا أمام عدو قوي” .
وأضاف أن “الحرب المصرية – الإسرائيلية كانت بين قوتين كبيرتين، استطاع فيها الجيش المصري بالصلابة والإرادة وبما لدية من إمكانات معروفة آنذاك، من التغلب على خط بارليف وتدمير حصون العدو، ليسجل التاريخ مرحلة نوعية جديدة في مفاهيم الاستراتيجيات العسكرية بالعالم” .
وأكد فرج أن التاريخ يسجل للمصريين إطلاقه أول صاروخ سطح – سطح يوم 21 أكتوبر 1967 على المدمرة إيلات أمام مدينة بورسعيد، لتتغير من يومها تكتيكات البحرية في العالم، بخلاف معركة القوات الجوية، المعروفة باسم “المنصورة” والتي جرت يوم 14 أكتوبر 73، حين حاولت القوات الجوية الإسرائيلية تدمير القواعد الجوية الرئيسية بدلتا النيل في طنطا والمنصورة والصالحية فتصدت لها الطائرات المصرية، ضمن أكبر المعارك الجوية من حيث عدد الطائرات، واستمرت لـ53 دقيقة نجح فيها نسور الجو في تدمير 18 طائرة إسرائيلية، والتي شهدت سباقا مع الزمن في التزود بالوقود والذخائر، ووقتا قياسيا عالميا في التجهيز والعمل ليتخذ عيدا للقوات الجوية .
فيما وصف اللواء أركان حرب علي حفظي محافظ شمال سيناء الأسبق وأحد أبطال حرب أكتوبر، انتصار 6 أكتوبر بـ “الملحمة” التي أبهرت العالم، موضحا أن الصراع مع إسرائيل استمر لمدة 22 عاما، بداية من يونيو 67 مرورا بانتصار أكتوبر وحتى 19 مارس 1989، حينما تم استرداد آخر شبر محتل من الأراضى المصرية .
وأشار إلى أن الصراع العسكري استمر لمدة 6 سنوات اعتبارا من يونيو 67 وحتى تحقق نصر أكتوبر، والذى تضمن 5 معارك رئيسية أولها إعادة بناء الجيش المصري، في ظل حرص أطراف معادية لمصر في أن تبقى جثة هامدة، وثانيها معركة حرب الاستنزاف والتي استمرت لأكثر من ألف يوم، اعتبارا من يوليو 67 وحتى أغسطس 1970، والتي نجح المقاتل المصرى فيها إلى نقل حاجز الخوف، من خلال التدرج في العمليات العسكرية وصلت إلى نحو 4 آلاف عملية عسكرية، شاركت فيها كافة أفرع القوات المسلحة، كان للقوات البرية فيها النصيب الأكبر، كبدت العدو ألف قتيل و4 آلاف جريج، ما دفع إسرائيل لان تطلب من أمريكا التدخل لإيقاف النيران .
وأضاف أن المعركة الثالثة تمثلت في إقامة مائة حائط صواريخ لقوات الدفاع الجوي، ما كان لها الدور الكبير في وقاية قواتنا في معركة رمضان، أما المعركة الرابعة تمثلت في الذكاء المصري لخداع قوات العدو، وتحقيق الخداع الاستراتيجي على كافة المستويات السياسية والإعلامية، ما أدى إلى فشل جميع أجهزة مخابرات العالم الكبرى وإسرائيل في تقييم العمل المصري، وتحققت المفاجأة الكبرى .
وقال اللواء حفظي إن المرحلة الخامسة تحققت يوم العاشر من رمضان وعلى مدى 22 يوما، وهي من أعظم البطولات حيث شاركت فيها 200 طائرة و2000 مدفع نيراني و5 فرق مشاه من الجيشين الثانى والثالث بجانب عناصر قوات الصاعقة ومجموعات الاستطلاع خلف خطوط العدو، حتى أمكن خلال الأيام الأولى للحرب تدمير 500 دبابة و50 طائرة، واستنجدت إسرائيل بأمريكا لإنقاذها، وحدث شبه اتفاق أمريكي – روسي لإيقاف النيران، ومساعدة إسرائيل بجعل موضع قدم يسمح لها بالتفاوض، فيما عرف باسم “الثغرة” .
وأكد أنه لم يتحقق للجانب الإسرائيلي أى انتصار في معركة رمضان، وقال “حاولوا أن يروجوا للداعية للحفاظ على الانهيار النفسي والمعنوي والعسكري، لأن ما حدث كان بمثابة الزلزال الذي هز أركان المجتمع الإسرائيلي” .
واستطرد اللواء حفظي “إلى أن جاءت معركة جديدة سياسية تفاوضية، عرفت باسم اتفاقية فصل القوات الأولى والثانية، ثم معركة السلام في 1979، والتي لا تقل عن الصراع العسكري، حتى تحقق رفع العلم المصري على آخر شبر من الأرض المصرية بطابا في مارس 1989″، موضحا أن تاريخ مصر شاهد على أن حدوده لم تتغير من آلاف السنين، فرجالها يتوارثون جيلا بعد جيل عدم التفريط في شبر واحد من أرضها .
فيما قال اللواء أركان حرب دكتور محمد زكي الألفي مستشار أكاديمية ناصر للدراسات العليا، إن حرب أكتوبر 73 جسدت قوة وصلابة الإنسان المصري وعزيمتة وإصراره على تحقيق الأهداف في ظل ظروف صعبة من كل جانب، وأشار في هذا الصدد إلى أن مصر كانت قبل حرب أكتوبر تتعرض لضغوط وكان أبرزها حرب 56، وسعى الإعلام الخارجي والإذاعات المغرضة، كما يحدث حاليا في التقليل من مصر وما يتحقق من إنجازات .
وأضاف “خبراتنا آنذاك أعطتنا القوة لمواجهة هذه الأعمال، فيما تسمى حاليا بـ “الحروب المعاصرة”، وأهمها “حرب المعلومات”، حتى أمكن من استمرار التخطيط والتدريب على مسارح عمليات تشابه تماما أرض المعركة الحقيقية .
واستذكر الألفي “معارك نقطة المزرعة الصينية، عند البحيرات المرة، شرق الإسماعيلية والتي جسدت معدن وقوة وصلابة أبناء مصر من الجنود والضباط والقادة الذين خاضوا معارك شرسة كبدوا فيها العدو خسائر على مدى أيام 14 و15 و16 أكتوبر 73″، كما استذكر الدور العظيم للقوات المسلحة والشرطة في أحداث يناير 2011، ومواجهة التدخلات الخارجية للوصول إلى السلطة، واعتمدت فيه القوات المسلحة على نفسها في مكافحة الإرهاب بالتعاون مع أبناء الشعب المخلصين وحتى الآن .
وأضاف “ما يدور من أعمال تنمية الآن، وما تقوم به قواتنا المسلحة من تنمية شاملة بكفاءة عالية وبأقل تكلفة، لهو نابع من روح أكتوبر، كما أن القوات المسلحة لم تقف عن نصر 1973، بل قامت بأعمال التطوير والهيكلة وإدخال أسلحة جديدة حديثة، في الوقت الذى تقف مانعا لمواجهة حرب المعلومات” .
كما قال اللواء أركان حرب أحمد إبراهيم كامل عبدالمطلب رئيس جهاز الاستطلاع سابقا إنه لولا انتصار السادس من أكتوبر وشهدائنا الأبرار، ما تم استعادة الأرض والعزة، مقدما التحية للرئيس الراحل محمد أنور السادات صاحب قرار الحرب والسلام، وأضاف “حرب أكتوبر حققت معجزة عسكرية بكل المقاييس العسكرية، لأنه طبقا للإمكانيات آنذاك، فقد حققنا المستحيل والإعجاز وقهرنا المستحيل” .
وأردف “روح أكتوبر أظهرت الإصرار على عبور قناة السويس واستعادة الكرامة قبل الأرض”، قائلا “الأرض ممكن تعويضها بالمفاوضات، ولكن الكرامة لن تتم إلا بالعمل العسكري والقتال بتحقيق نصر 1973 على العدو الإسرائيلي”، مضيفا “روح أكتوبر، هي بمثابة جينات موجودة في الشعب والمقاتل المصري منذ أيام الفراعنة والهكسوس والحيثيين، كما أنها موجودة حتى الآن في محاربة الإرهاب، ليدافعوا عن تراب مصر الغالى وضد أى تهديد للأمن القومي المصري في أى من اتجاهاته الاستراتيجية الأربعة من خلال مصنع الرجال، كونهم عمود الخيمة للشعب المصري” .
المصدر : أ ش أ