ليس الأطفال بمنأى عن الإصابة بالصداع النصفي، فهذا المرض المزمن الذي لا يزال تشخيصه يفتقر إلى الدقة يصيب طفلاً واحداً من كل عشرة ويؤثر سلباً على أدائه المدرسي، لكنّ الإصابة بالصداع النصفي لا تلازم بالضرورة الطفل عندما يصبح بالغاً.
وتشير الدراسات العالمية إلى أنّ الصداع النصفي يطال 5 إلى 15% من الأطفال. وأُضيف هذا الموضوع إلى برنامج “القمة الفرنكوفونية للصداع النصفي” التي تُعقد في 17 سبتمبر عبر الانترنت.
وبدأت مايوين كولِّيو (18 سنة) تعاني صداعاً نصفياً عندما كان عمرها يتراوح بين 14 و15 سنة مع أنّها شعرت بأول اوجاع في الرأس عندما كانت طفلة.
وقالت كولّيو في مؤتمر صحافي نظمته جمعية “لا فوا دي ميغرينو” الفرنسية، إنّ الصداع النصفي “أحدث تغييرات في حياتي اليومية بشكل سريع، إذ كنت أمتنع عن الخروج من المنزل عندما أُصاب بنوبة، وهو ما زعزع حياتي الاجتماعية، فلم أعد قادرة على الذهاب إلى المدرسة”.
وتضيف “نشعر رغماً عنّا أننا مختلفين عن بقية الأطفال الذين لا يفهمون معاناتنا ويعتبرون أنّ الصداع النصفي مجرّد وجع في الرأس”.
إلا أنّ الصداع النصفي يشكل مرضاً فعلياً يتمثل بأوجاع كبيرة في الرأس تنتاب المصاب بصورة منتظمة ومتكررة، وتكون أحياناً مصحوبة بالتقيؤ.
وتوضح آن دونّيه، وهي طبيبة أعصاب ومسؤولة في مركز تقييم الآلام ومعالجتها التابع لمستشفى تيمون في مرسيليا (جنوب شرق فرنسا)، أنّ الصداع النصفي لدى الأطفال هو موضوع “لا يعرف الناس الكثير عنه ولا يُدرَّس بشكل كافٍ في المجال الطبي، ويطال قبل سن البلوغ الذكور أكثر من الإناث”.
وتزداد نسبة إصابة الفتيات به بعد دورات الحيض الأولى.
ويتسم تشخيص هذا المرض وعلاجه بتعقيد أكبر لدى الأطفال مما هو عليه لدى البالغين لأنّ أعراضه غالباً ما يجري الخلط بينها وبين تلك الخاصة بأمراض الجهاز الهضمي.
وتقول كارين كولِّيو، والدة مايوين، “تمكّنت من تشخيص حالة ابنتي لأنني أعاني صداعاً نصفياً”، مضيفةً أنّ “الصداع النصفي لدى الأطفال غالباً ما تمتثل أعراضه بشحوب في البشرة وآلام في البطن”.
ويتسبب الصداع النصفي في تعطيل حياة الأطفال أكثر من البالغين، إذ تنتاب 50% منهم أكثر من نوبة واحدة شهرياً، فيما يعاني 78% نوبة حدّتها متوسطة إلى شديدة. كذلك، يعاني 40% من الأطفال المصابين بالصداع النصفي غثياناً أو تقيؤاً بينما يواجه 33% منهم آلاماً في بطونهم.
وتقول جوستين أفيه- كوتورييه، وهي طبيبة أطفال متخصصة في الأعصاب تعمل في المستشفى التابع لجامعة ليل ، إنّ “غالبية المرضى الذين نقابلهم يكونون في سن العاشرة تقريباً لكنّهم غالباً ما يعانون أوجاعاً في الرأس قبل هذه السن”.
وتؤثر النوبات في كثير من الأحيان على دراستهم، فمن هنا تأتي الحاجة الضرورية لتشخيص الحالة. وتقول كوتورييه “لا يمكننا القضاء على الصداع النصفي ولكن باستطاعتنا الحدّ من نوباته وحدّتها”.
وتشير إلى أنّ اتباع أسلوب حياة صحي (لناحية النظام الغذائي والنوم والنشاط البدني) “يشكل خطوة بالغة الأهمية تحديداً لدى الأطفال والمراهقين المصابين بالصداع النصفي”.
أما لناحية العلاج، فيصف الأطباء للمرضى الباراسيتامول أو مضادات الالتهاب أو يعطونهم علاجات محددة للنوبات (مثل الأدوية المشتقة من التريبتامين).
وتنصح أفيه- كوتورييه المرضى بـ”كتابة توقيت النوبات على دفتر صغير لتحديد الأسباب التي تؤدي إلى حصولها، وهو ما يساعد في بعض الحالات على التعامل معها بشكل أفضل”.
وفيما تتعدد العوامل التي تسبب صداعاً نصفياً، غالباً ما يشير المرضى إلى دور التعب والتوتر.
ولم توفّر مايوين كولِّيو التي أصبح جسمها يقاوم الأدوية أي وسيلة لإراحتها من نوبات الصداع النصفي، فلجأت إلى التنويم المغناطيسي الذاتي، وعلاجات أخرى بالتنويم المغناطيسي، والعلاج بمساعدة الخيول، وإزالة حساسية حركة العين وإعادة المعالجة، وغير ذلك من الوسائل المعالِجة. وتقول إنّ “هذه الوسائل كانت تريحني في فترة حدوث النوبة لكنّها غير فعّالة على المدى البعيد”.
لكنّ الإصابة بالصداع النصفي لا تلازم بالضرورة الطفل عندما يصبح بالغاً، إذ أن 40% فقط لاحظوا استمرار معاناتهم هذا المرض في مرحلة البلوغ. وأكدت دونّيه أنّ “بعض الأطفال ينتقلون من إصابتهم بصداع نصفي إلى معاناتهم أوجاعاً في الرأس أقل حدّة”.
المصدر : أ ف ب