ناقشت صحيفة “الفاينانشيال تايمز” العملية الروسية في أوكرانيا في مقال لها بعنوان “قدرة بوتين على تحمل الحرب بمثابة اختبار لصمود الغرب”.
تبدأ الصحيفة الحديث عن المزاج السائد في معسكر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في كييف والذي يوصف هذه الأيام بالواقعي ويصل إلى حد الاكتئاب، لاسيما بعد استقالة رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، التي أدت إلى تراجع الروح المعنوية، وهو الشخص الذي قدم مساعدات عسكرية، وكان حضوره مطمئنا في تحالف غربي يتعرض لابتزاز روسي بالطاقة فضلا عن التلويح باستخدام أسلحة نووية.
وتضيف الصحيفة أن استراتيجية الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تحولت من خطته الأصلية، غير القابلة للتنفيذ، والتي تهدف إلى خلق نظام أشبه بدمية في كييف، إلى حرب استنزاف طاحنة في الشرق والجنوب، تهدف إلى هدم قدرة أوكرانيا على التصرف كدولة ذات سيادة.
وقال عضو بارز مقرب من زيلينسكي لمسؤول غربي زائر مؤخرا: “كل الروس الأغبياء ماتوا”، مشيرا إلى أن بوتين كان يلعب لعبة انتظار، إذ كان واثقا في البداية بقدرته على استيعاب خسائر فادحة في الأرواح، وتحطيم الروح المعنوية الأوكرانية، وفي نهاية المطاف إعادة تأكيد نفوذ روسيا في الخارج القريب من حدوده.
وتقول الصحيفة إن إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، خلصت إلى حقيقة أنه من الضروري “ضرب” قناعة بوتين بأنه قادر على الصمود أكثر من دول الغرب. ويعني ذلك ضرورة تزويد الأوكرانيين بالوسائل التي من شأنها إلحاق الخسائر واستعادة الأراضي في دونباس وحول ميناء خيرسون على البحر الأسود.
وكانت القوات الأوكرانية قد أُجبرت على عمليات انسحاب تكتيكية، تحت قصف مدفعي لا هوادة فيه. وعلى الرغم من عدم الإعلان عن الأرقام الدقيقة للخسائر، إلا أن بعض التقارير تشير إلى أنهم يخسرون ما بين 600 إلى 1000 شخص يوميا. ويقع العبء الآن على أوكرانيا لوقف تقدم القوات الروسية المتزايد ومنع القوات من التقدم في الشتاء. وسيتطلب هذا جهدا غربيا أكبر بكثير لتزويد الجيش الأوكراني وتدريبه.
ولا تعتقد الإدارة الأمريكية أن هذا الجهد يمتد إلى طرد جميع الروس من أوكرانيا، وهو احتمال يُنظر إليه على أنه غير واقعي ويحتمل أن يكون خطيرا. كما يتفهم المسؤولون العقيدة العسكرية الروسية التي تسمح باستخدام الأسلحة النووية في حالة وجود “تهديد وجودي”.
وتقول الصحيفة إن مشكلة سيناريو “التوقف المؤقت” تكمن في أنها تبالغ في عقلانية بوتين وتقلل من تصميم أوكرانيا على القتال حتى آخر رجل وامرأة. فأولئك الذين تحدثوا إلى بوتين منذ بدء الحرب وصفوه بأنه زعيم يحمل شكاوى كثيرة ضد الغرب، لكنه واثق بنفوذه على أوروبا في أزمة الطاقة القادمة. وما قطع صادرات الغاز عن ألمانيا هذا الأسبوع – بحجة صيانة خطوط الأنابيب – إلا مجرد عينة لما سيحدث.
ويأتي ذلك في ظل تجاهل مناشدات بإعادة فتح ميناء أوديسا على البحر الأسود لأغراض إنسانية، والسماح بتصدير القمح إلى الدول التي تعاني من ضغوط شديدة مثل بنغلاديش ومصر ولبنان وباكستان.
ويقول الكاتب إن استهتار بوتين يصل إلى مستويات يصعب على المحاورين المخضرمين تحملها، إذ ينبغي للرأي العام الغربي، الذي ظل ثابتا حتى الآن في دعم أوكرانيا، أن يفهم ذلك على أنه جرس إنذار. ولهذا السبب فإنه حري بحكومات الغرب أكثر من أي وقت آخر الاستمرار في الدفاع عن قضية الدعم الاقتصادي والمالي والعسكري السخي لحكومة زيلينسكي وبذل تضحيات حتمية في الداخل.
وكان روبرت هابيك، وزير الاقتصاد الألماني وزعيم حزب الخضر، نموذجا يحتذى به في هذا الصدد عندما سعى إلى إبعاد الألمان عن النفط والغاز الروسي الرخيص، وهو نفس ما فعله ماريو دراغي، رئيس وزراء إيطاليا، الذي حذر مواطنيه من أنهم يواجهون خيارا بين السلام وتكييف الهواء هذا الصيف.
المصدر: وكالات