نشرت صحيفة “الجارديان” البريطانية مقالاً تحت عنوان ” إعفاء أوكرانيا من ديونها الخارجية حل أسهل من التصعيد العسكري”، وأن الدولة الجريحة التي تعاني من اجتياح أراضيها من جانب القوات الروسية، لن تتحمل مطالبات الجهات الدائنة لها بسداد ديونها ولكنها تحتاج إلي مساحة لالتقاط الأنفاس.
وأشار المقال الذي كتبه الصحفي المرموق أوين جونز إلي أنه حتي قبل بداية العملية العسكرية الروسية على الأراضي الأوكرانية، فقد كانت أوكرانيا من أفقر دول أوروبا إن لم تكن أفقرها على الإطلاق طبقاً لمؤشرات الناتج الإجمالي العام ، والآن وبعد اندلاع المعارك على أراضيها منذ أواخر الشهر الماضي، فقد أصبح الأمر أكثر سوءاً بعد أن دمرت الحرب اقتصادها المنهك أساساً.
وأوضح الكاتب أنه منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014 وما نتج عنه من صراع في شرق أوروبا أودي بحياة آلاف من البشر، قامت أوكرانيا باقتراض حوالي 61 مليار دولار من جهات خارجية ولم تسدد حتي الآن سوي جزء بسيط منها، أما المتبقي من قيمة الديون المستحقة عليها يمثل ما يزيد على ثلث إجمالي الاقتصاد القومي، وكان من المفترض أن تسدد أوكرانيا هذا العام فقط حوالي 7.3 مليار دولار وهو ما يزيد على مخصصات قطاع التعليم في إجمالي الموازنة العامة .
وأشارالكاتب إلي أن تسديد هذه المبالغ قد يكون متاحاً بالنسبة لدولة تتمتع بالأمن والسلام، أما في حالة أوكرانيا فالأمر يختلف تماما حيث أصبح الأوكرانيون الآن أكثر فقراً مما كانوا عليه إبان انهيار الاتحاد السوفيتي منذ ثلاثة عقود .
وأكد جونز أن أوكرانيا تكبدت حتي الآن خسائر فادحة – ناتجة عن الدمار الذي لحق بها بسبب الحرب الحالية – تصل قيمتها إلي 100 مليار دولار، وما زال الاقتصاد الوطني يعاني المزيد من الخسائر بسبب تدمير البنية التحتية والطرق والجسور والمستشفيات والمدارس، في الوقت الذي تأتي فيه المساعدات المقدمة لها في صورة قروض وهو ما يعني أنه بدلاً من أن تخصص مبالغ طائلة لإعادة إعمار البلاد ، سوف توجه هذه المبالغ لسداد الديون الخارجية لكي تمتلئ جيوب الجهات الدائنة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والجهات المانحة الأخري.
ويرى البعض أن إعفاء أوكرانيا من الديون من جانب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قد يقيد قدرة الجهتين، على تقديم مساعدات لدول أخري أكثر فقراً إلا أن هذا المنطق – كما يشير الكاتب – يمكن الرد عليه بأن هناك حلول بديلة وهي أن تقوم الدول الغنية بالمساهمة في سد هذا العجز، مثلما فعلت مجموعة العشرين مع كثير من الدول حين قامت بتعليق أو إلغاء قيمة خدمة الدين المستحقة على كثير من الدول الفقيرة بما يوازي 11 مليار دولار بسبب انتشار فيروس كورونا.
وأعرب الكاتب عن دهشته متسائلاً: إذا كان انتشار وباء يعتبر سبب كافي لتأجيل أو إلغاء ديون بعض الدول ،أليست الحرب تعتبر أيضاً سبباً يستدعي اتخاذ نفس الإجراء، وأنه في حال إذا انتهت الحرب لصالح أوكرانيا، فإن الأمر سوف يحتاج إلي وضع خطة إنقاذ عاجلة تشمل تقديم منحاً لا ترد ،وليست قروضاً لإعادة إعمار البلاد .
وأشار إلي أن الأمر يقتضي وضع آلية عاجلة لتعليق سداد الديون المستحقة على الدول التي تعاني من أزمات طاحنة، وعلي رأس هذه الدول تأتي أوكرانيا التي تعاني بالفعل من أزمة تهدد وجودها ذاته على الخريطة.
ويختتم الكاتب مقاله مؤكداً على أن دولة دمرتها الحرب مثل أوكرانيا في أشد الحاجة إلي مساحة لتلتقط أنفاسها، وهي المساحة التي يمكن للدول الغنية أن تمنحها لها من خلال العمل علي تخفيف عبء الديون الخارجية عليها.