قالت صحيفة “المساء” الجزائرية وجدت الحكومة الفرنسية، نفسها مضطرة للتخفيف من قبضتها على جزيرة كورسيكا وقبولها فكرة منح الجزيرة حكما ذاتيا، ضمن مسعى لتهدئة الوضع المتفجر منذ عدة أيام في هذه الجزيرة المتوسطية التي تعرف مطالب متزايدة للاستقلال عن فرنسا. وتعيش هذه الجزيرة الواقعة في عرض البحر الأبيض المتوسطـ منذ بداية الشهر الجاري، على وقع مواجهات وأعمال عنف متصاعدة فجرها الاعتداء الذي تعرض له إيفان كولونا، الناشط الكورسيكي المنادي بالاستقلال، والذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة سنة 1998، بعد إدانته بتهمة قتل مسؤول الإدارة المحلية كلود إرينياك. ويوجد إيفان كولونا، بين الحياة والموت منذ دخوله في غيبوبة إثر تعرضه لاعتداء أحد السجناء المحكوم عليهم بالسجن بتهمة الإرهاب. وذكرت تقارير طبية فرنسية، أن كولونا، الذي نقل على جناح السرعة إلى المستشفى يوجد بين الحياة والموت بسبب خطورة وضعه الصحي.
وأوضحت الصحيفة إن الحادثة كانت بمثابة القطرة التي أفاضت كأس الغيض في أوساط سكان “جزيرة الجمال” كما يسميها ساكنوها الذين خرجوا في مظاهرات مؤيدة له، ما لبثت أن تحولت إلى مواجهات عنيفة بين المحتجين ورجال الشرطة أسفرت حسب إحصائيات رسمية عن إصابة 67 شخاصا. وزادت حدة غضب المتظاهرين ظهر الأحد الماضي، عندما حاولوا التعبير عن تذمرهم لما تعرض له زعيمهم الاستقلالي في مدينة أجاكسيو، حيث استقبلوا بتعزيزات أمنية غير مسبوقة أدت إلى اندلاع مواجهات عنيفة بين الجانبين. وحمل المتظاهرون عدة شعارات حمّلوا من خلالها السلطات الفرنسية مسؤولية ما تعرض له الناشط كولونا، من بينها شعار “الدولة الفرنسية قاتلة” و”حرية.. حرية” مع رفعهم لرايات كورسيكا، في إشارة واضحة الى رغبتهم في الانفصال عن السيادة الفرنسية. وسارعت الحكومة الفرنسية، المنشغلة هذه الأيام بالحرب الروسية ـ الأوكرانية والتحضير للانتخابات الرئاسية الشهر القادم، ومحاولة منها لاحتواء الوضع قبل انفلاته، إلى اتخاذ إجراءات استعجالية لصالح السجناء الانفصاليين، حيث أسقطت عنهم صفة الوضع الخاص الذي كان يحرمهم من الزيارة في المعتقل.
وقالت الصحيفة إن وزير الداخلية جيرالد دارمانان قد اضطر إلى التنقل إلى الجزيرة في زيارة تدوم يومين بغرض بدء مفاوضات مع “جميع المسؤولين المنتخبين والقوى الناشطة في الجزيرة”. وأبدى دارمانان، قبل توجهه أمس، إلى أجاكسيو، استعداد باريس تخفيف قبضتها عن الجزيرة، في عملية قد تقود إلى حكم ذاتي محتمل لسكانها، وقال في تصريح لصحيفة “كورس ماتان” إن الحكومة عازمة على الدخول في “مشاورات غير مسبوقة بشأن أمور مؤسسية، وإنها “مستعدة للوصول إلى إقرار حكم ذاتي للجزيرة. ووصف جيل سيميوني، الرئيس الانفصالي للمجلس التنفيذي لكورسيكا، تصريح وزير الداخلية الفرنسي، بالمهم ويفتح آفاقا ولكنها تبقى مجرد كلمات يتعين تجسيدها على أرض الواقع.
وأردفت الصحيفة انه رغم تصريح وزير الداخلية الفرنسي، إلا أن ذلك لم يمنع جبهة التحرير الوطني لكورسيكا، إحدى أهم الفصائل المسلحة المنادية باستقلال الجزيرة والتي وضعت سلاحها سنة 2014، بالتهديد برفع السلاح مرة أخرى منددة بالتصرفات المهينة للدولة الفرنسية تجاه سكان الجزيرة، مؤكدة أن الثورة بالنسبة لهؤلاء تعني العصيان” في حال أصمّت السلطات الفرنسية آذانها في وجه مطالبهم. وتفجر الوضع في كورسيكا في أوج الحملة الانتخابية التي تشهدها فرنسا استعدادا لإجراء الانتخابات الرئاسية التي تنظم الجولة الأولى منها في 23 أفريل القادم، لانتخاب الرئيس الجديد والثاني عشر للجمهورية الفرنسية الخامسة.
المصدر: وكالات