بعد أكثر من ربع قرن لروسيا بين جدران مجلس أوروبا، أعلنت موسكو الانسحاب منه بعد تصاعد الضغوط لطردها في ظل العملية العسكرية ضد أوكرانيا، متهمة الغرب باستخدام موضوع حقوق الإنسان في تنفيذ مصالحه الجيوسياسية والهجوم عليها.
وكان مجلس أوروبا قد قرر فور اندلاع حرب أوكرانيا تعليق المشاركة الروسية في مختلف هيئاته، باستثناء المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وهيئتها القضائية.
وكان نائب رئيس مجلس الدوما الروسي، رئيس الوفد البرلماني الروسي في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، بيتر تولستوي قد أعلن أنه تم اتخاذ قرار بانسحاب روسيا من مجلس أوروبا، محملا دول الناتو المسؤولية عن تقويض الحوار.
وقال تولستوي: “تم اتخاذ قرار الانسحاب من مجلس أوروبا، وتم تسليم رسالة من وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى الأمين العام للمنظمة، وكل المسؤولية عن تقويض الحوار مع مجلس أوروبا تقع على عاتق دول الناتو، التي طوال كل هذه الفترة استخدمت موضوع حقوق الإنسان في تنفيذ مصالحها الجيوسياسية والهجوم على بلادنا. ونظرًا للضغوط السياسية والعقوبات غير المسبوقة على بلدنا فإن روسيا لا تخطط لدفع المساهمة السنوية لهذه المنظمة”.
بدورها، قالت الخارجية الروسية إن “انسحاب بلادنا من مجلس أوروبا لن يؤثر على حقوق وحريات الروس”، مشيرة إلى أن “الدستور الروسي يوفر لهم ضمانات لا تقل عن تلك التي توفرها الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان”.
وأضافت، في بيان، أن “روسيا طرف في المعاهدات الدولية الرئيسية لحقوق الإنسان المبرمة في إطار الأمم المتحدة؛ من بينها المعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية، والمعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري، واتفاقية حقوق الطفل”.
خطوة موسكو لها سابقة واحدة، فعندما كانت اليونان تحت الحكم العسكري انسحبت من المجلس في عام 1969 لتجنب طردها، ثم انضمت أثينا مرة أخرى في عام 1974 بعد سقوط المجلس العسكري، وانسحاب روسيا سيحرم مجلس أوروبا من قرابة 7 بالمئة من ميزانيته السنوية، أي نحو 500 مليون يورو.
ما هو المجلس ؟
مجلس أوروبا منظمة دولية تختلف عن الاتحاد الأوروبي، وتهدف إلى دعم حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون في أوروبا، وتأسس المجلس في عام 1949 ويضم 47 دولة ويعمل بميزانية سنوية تبلغ نحو 500 مليون يورو، وانضمت له روسيا منذ عام 1996، وأوكرانيا منذ عام 1995.
ويتألف المجلس من هيئة تضم وزراء خارجية الدول الأعضاء، والجمعية البرلمانية التي تتكون من أعضاء البرلمانات الوطنية لهذه الدول ولجنة للمنظمات الأهلية.
والتزم مجلس أوروبا منذ إنشائه بحقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون، وتعد الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية (ECHR) من الإنجازات المهمة لمجلس أوروبا. ويجب على كل دولة التوقيع على هذه الاتفاقية لكي تصبح عضوا في مجلس أوروبا، وبالتالي فإن الاتفاقية تعد بمثابة قانون سارٍ في جميع الدول الـ47 الأعضاء.
وأنشأ مجلس أوروبا آلية حماية عالمية فريدة لجميع مواطني الدول الأعضاء، حيث إنه يمكن لأي شخص يرى انتهاكا لحقوقه رفع دعوى أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وتعتبر أحكام المحكمة ملزمةً للدول الأعضاء.
كما أن عدم استخدام عقوبة الإعدام شرط مسبق لعضوية مجلس أوروبا، وهو ما أثاره الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف، رئيس مجلس الأمن القومي حاليًّا، حول إمكانية إعادة عقوبة الإعدام إذا تركت روسيا المجلس.