تستضيف فرنسا قمّة “محيط واحد” التي تطمح إلى وضع المحيطات في قلب الأولويات بمشاركة علماء ومنظمات غير حكومية وسياسيين ورواد أعمال أملاً بتسريع ملفات دولية عدة أساسية لمستقبل البحار والمحيطات.
وإن يغطي المحيط نسبة 70 في المئة من سطح الأرض، يتواتر تهميشه في الاجتماعات الدولية المكرسة لقضايا المناخ والتنوع البيولوجي.
ويتعرض المحيط اليوم لضغوط جمة، مثل آثار تغير المناخ، والتلوث، ولا سيما ذلك الناجم عن البلاستيك، والاستغلال المفرط للموارد البحرية، مع إنّه ينظم التوازنات البيئية الرئيسة، ولا سيما توازنات المناخ، ويوفر الموارد الغنية بشتى أنواعها، ويمثل الناقل الرئيس للتبادل الاقتصادي، وهمزة الوصل الأساسية بين البلدان والمجتمعات البشرية.
وستكون هذه القمّة التي ستعقد بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأولى في سلسة من اللقاءات الدولية حول المحيطات، منها اجتماع للأمم المتحدة حول البيئة في نهاية فبراير سيتناول مسألة اتفاق دولي حول البلاستيك، ومفاوضات في الأمم المتحدة حول أعالي البحار في آذار/مارس، وقمم حول التنوّع البيولوجي والمناخ، ومؤتمر للأمم المتحدة بشأن المحيطات في لشبونة في يونيو.
بمشاركة وزير أوروبا والشؤون الخارجية السيد جان إيف لودريان، ووزيرة البحار السيدة أنيك جيراردان، وسكرتيرة الدولة المكلفة بالتنوّع البيولوجي لدى وزيرة الانتقال البيئي السيدة بيرانجير آبا وكذلك العديد من الشخصيات وممثلي الشعب المنتخبين والخبراء.
وقال أوليفييه بوافر دارفور، سفير القطبين والشؤون البحرية لوكالة فرانس برس، إنّ “الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي فرصة لا ينبغي تفويتها”، موضحاً أنّه “بدلاً من تنظيم قمة أوروبية كلاسيكية، قررنا اختيار مجموعة من القادة الملتزمين”.
وتأمل فرنسا في أن تصادق دول جديدة على اتفاق كيب تاون الذي يهدف إلى تعزيز سلامة سفن الصيد ومكافحة الصيد غير القانوني، لكي يدخل حيّز التنفيذ. من جانبها، تأمل المنظمات غير الحكومية في أن تصدر عن هذه الاجتماعات بيانات قوية، معربة في الوقت نفسه عن أسفها لأنّ قضايا أساسية مثل الصيد الجائر ليست على جدول الأعمال.
وتملك فرنسا ثاني أكبر منطقة اقتصادية خالصة في العالم تغطي المياه حتى 200 ميل بحري قبالة سواحلها، وذلك بفضل أقاليمها الواقعة ما وراء البحار. ومع أنّ 23% من مياهها محمية، لكنّ 1,6% منها فقط تخضع لحماية مشددّة. ويقول جيروم بوتي من منظمة “بيو” غير الحكومية إنّ “فرنسا ليست بالضرورة نموذجاً”.
وتأمل المنظمة في أنّ تؤكّد الحكومة توسيع رقعة المحميات الطبيعية في الأراضي الفرنسية الجنوبية والقطبية الجنوبية إلى مساحة تزيد على مليون كيلومتر مربّع، بما فيها منطقة حماية مشدّدة تبلغ مساحتها 250 ألف كيلومتر مربع. وتأمل منظمة “بيو” كذلك في إنشاء مناطق مخصّصة حصراً للصيد الحرّ حول جزر بولينيزيا الفرنسية.
ويدعو تحالف من منظمات غير حكومية إلى إحراز تقدم بشأن الاتفاق الدولي لتعزيز حماية أعالي البحار، خارج الأطر القانونية الوطنية، وهي منطقة تغطي قرابة نصف الكرة الأرضية. ويقول أوليفييه بوافر دارفور إنّ “المناقشات تراجعت إلى مستوى قانوني جداً ولا يوجد دعم سياسي”، متعهداً أن تجعل قمة “وان أوشن” إعادة انخراط الدول أمراً ممكناً. ومن المقرّر أن تنتهي المفاوضات في آذار/مارس.
ويشعر تحالف المنظمات غير الحكومية لحفظ المياه العميقة بالقلق إزاء رغبة فرنسا في استكشاف قاع البحر على عمق يزيد عن 4 آلاف متر وهو مكان لا يُعرف عنه الكثير لكنّه يحوي موارد معدنية. وأوضحت غاي أنّ الاستكشاف العلمي “يوفر وسائل لفهم طريقة عمل الأنظمة البيئية”، مضيفة “استغلال؟ بالطبع لا”. واعتمد الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة تعليقاً اختيارياً لاستغلال قيعان البحار الكبيرة، وهو أمر لم تدعمه فرنسا.
وتعتزم جمعيات منها “فرانس ناتور أنفيرونمان” تقديم التماس إلى المسؤولين الفرنسيين والأوروبيين موقّع من أكثر من 460 ألف شخص ضدّ الصيد العرضي للدلافين التي عادة ما تُقتل بمعدّات الصيد قبالة الساحل الفرنسي. ومن المقرّر تنظيم تظاهرتين الجمعة بدعوة من منظمة “بلان مير” تجمّع مواطنين وصيادين حرفيين وأعضاء في “غرينبيس”. وتسعى نقابات ومجموعات أخرى للتظاهر بجانبهم.
وتأتي مشاركة الرئيس السيسي في هذا الحدث المهم، تأتي تلبيةً لدعوة الرئيس الفرنسي “ماكرون” ضمن عدد محدود من رؤساء الدول والحكومات المهتمين بالعمل الدولي لمواجهة التدهور البيئي، وذلك فى ضوء العلاقات الوثيقة والمتنامية التى تربط بين مصر وفرنسا، فضلاً عن الدور المصري الحيوي إقليمياً ودولياً في إطار الجهود والمبادرات الساعية لمواجهة ظاهرة تغير المناخ وحماية البيئة البحرية، والذي سيتوج باستضافتها للدورة الـ 27 لمؤتمر أطراف تغير المناخ في مدينة شرم الشيخ في نوفمبر من العام الجاري.
وبحسب رئاسة الجمهورية يعتزم الرئيس السيسي التركيز خلال أعمال قمة “محيط واحد” على تأثير تغير المناخ على التوازن البيئي في البحار والمحيطات والمناطق الساحلية، وتوجه مصر لإلقاء الضوء خلال قمة تغير المناخ في شرم الشيخ على الدور الذي يمكن للمحيطات أن تلعبه في خفض الانبعاثات والمساهمة في بناء اقتصاديات مُنخفضة الكربون، بالإضافة إلى أهمية تعزيز جهود خفض الانبعاثات في قطاع النقل البحري والتي تساهم في تنفيذ أهداف اتفاق باريس لتغير المناخ.
ومنذ تولى الرئيس السيسي المسئولية عام ٢٠١٤، تُولي مصر اهتماما كبيرا بقضايا البيئة والتغيرات المناخية، الأمر الذي عكسه الدور البارز للقاهرة على المستوى الإقليمي والدولي في مختلف الفعاليات الخاصة بالقضايا البيئية.
ووضعت مصر إستراتيجية وطنية للتغيرات المناخية، حددت لها عدة أهداف منها تحقيق نمو اقتصادي مستدام، مع خفض الانبعاثات في مختلف القطاعات وزيادة مصادر الطاقة المتجددة والبديلة في مزيج الطاقة وتبني اتجاهات للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري
وتعقد قمّة محيط واحد بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي تتولى بلاده مجلس الاتحاد الأوروبي وبدعم من الأمم المتحدة، حيث تمثل بداية لسلسة من اللقاءات الدولية خلال العام الجاري لاتخاذ إجراءات ملموسة نحو الحفاظ على المحيطات والحياة البحرية.
وتركز قمة محيط واحد على رفع المستوى الجماعي لطموح المجتمع الدولي بشأن المسائل البحرية وترجمة المسئوليات المشتركة تجاه المحيطات إلى التزامات ملموسة بجانب إطلاق برامج لتعميم محو الأمية وتعزيز المعرفة في علوم المحيطات وخطورة الاستمرار في الممارسات السلبية على مستقبل البشرية.
ولضمان نجاح القمة، عملت الهيئة الحكومية الدولية لعلوم المحيطات والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية ومنظمة اليونيسكو مع فرنسا لتنسيق البرنامج العلمي لمؤتمر القمة والتصدي للتحديات الرئيسية التي تعوق إطلاق حلول تنمية مستدامة للمحيطات.
ومن المقرر أن تطلق قمة محيط واحد عددا من المبادرات المهمة لصالح حماية النظم البحرية ومصائد الأسماك المستدامة، ومكافحة التلوث ولا سيما من البلاستيك، والاستجابة لآثار تغير المناخ، فضلا عن الدعوة إلى تحسين إدارة المحيطات.
المصدر:وكالات