تجددت المخاوف من المخاطر الأمنية الكبيرة التي يمكن ان يتعرض لها المدنيون في العاصمة السودانية الخرطوم بسبب وجود وحدات مسلحة تتبع لبعض الحركات الموقعة على اتفاق السلام السوداني.
وتأتي زيادة المخاوف هذه بعد إطلاق حراس يتبعون لحركة جيش تحرير السودان التي يتزعمها مني أركو مناوي؛ الرصاص الحي في الهواء لتفريق محتجين مطالبين بمدنية الدولة عند اقترابهم من مقر الحركة بوسط مدينة أم درمان، غربي الخرطوم.
وأكد الناشط الشبابي محمد هاشم، وهو من سكان المنطقة إنهم تفاجأوا بتصرف قوات حراسة مقر الحركة؛ مشيرا إلى أن المحتجين كانوا يمرون قرب المقر بشكل سلمي؛ لكن الحراس أرادوا ترهيبهم بإطلاق رصاص كثيف في الهواء.
وقال هاشم إن سكان الحي والمناطق المجاورة لا يزالون يتجمعون أمام المقر مطالبين السلطات الأمنية بإغلاقه فورا.
ونفت حركة مناوي، التي تشارك ضمن المجموعة المعتصمة أمام القصر الرئاسي في الخرطوم والمناصرة للشق العسكري؛ أن يكون لديها أي توجه لزعزعة الأوضاع الأمنية.
وقال محمد حسن هارون الأمين الإعلامي للحركة في بيان؛ إن الحركة ظلت ومنذ توقيعها على اتفاقية السلام تحترم القانون وتدعو إلى نبذ العنف والكراهية.
يأتي هذا في ظل توتر شديد يعيشه السودان وخلافات متصاعدة منذ أكثر من شهر بين الشقين العسكري والمدني في الحكومة الانتقالية الحالية التي تحكم البلاد منذ الإطاحة بنظام المخلوع عمر البشير في أبريل 2019.
وأدت الأزمة إلى انقسامات بين المدنيين وفي أوساط الحركات المسلحة أيضا؛ حيث قادت حركتي مناوي وهو حاكم إقليم دارفور وجبريل إبراهيم الذي يتولى حقيبة المالية إضافة إلى أحزاب ومجموعات موالية لنظام البشير، تحالفا يطالب مؤيدون له بمنح تفويض للشق العسكري وحل الحكومة المدنية التي يقودها عبد الله حمدوك.
وفي الجانب الآخر أعلنت حركات مسلحة أخرى موقعة على اتفاق جوبا، وعلى رأسها حركة مالك عقار وحركتي الهادي إدريس رئيس الجبهة الثورية والهادي حجر، انحيازها للشارع السوداني المدافع عن مدنية الدولة والرافض للحكم العسكري.
وجددت حالة الانقسام الحالية التي تعيشها البلاد المخاوف الكبيرة من المخاطر التي يمكن ان تنجم عن تعدد الجيوش في البلاد في ظل وجود الدعم السريع كجسم موازي للقوات المسلحة إضافة إلى أكثر من 11 جيشا تتبع لحركات بعضها موقع على اتفاق السلام مع الحكومة السودانية والبعض الآخر لا يزال خارج العملية السلمية.
وتعتبر عملية توحيد الجيش السوداني والقضاء على أي وجود لميليشيات أو قوات موازية أخرى واحدة من المطالب التي يرفعها الثوار هذه الأيام، كما اعتبرت الأمم المتحدة ودول الترويكا، الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج، دمج جميع القوات والحركات المسلحة السودانية وبناء جيش مهني واحد أمرا حتميا لاستقرار وتماسك البلاد.
وعقب توقيع اتفاق السلام السوداني في أكتوبر 2020 دخلت أعداد كبيرة من قوات تابعة لبعض الحركات المسلحة، لمقار ومواقع مدنية في أماكن استراتيجية في العاصمة السودانية الخرطوم ومدن أخرى في البلاد مما أثار مخاوف كبيرة من حدوث حالات انفلات أمني.
وفي الواقع بات وجود قوات الحركات المسلحة في المواقع المدنية في قلب الخرطوم أمرا ملحوظا ومثيرا للمخاوف؛ وتكررت خلال الأشهر الماضية عدة حوادث تؤكد خطورة تواجد تلك القوات بالقرب من المناطق السكنية.
وفي مارس الماضي اقتحمت مجموعة مزودة بأسلحة ثقيلة ومضادات طائرات، مقر اللجنة الأولمبية السودانية في قلب العاصمة، مما دفع باللجنة لإخلاء المقر لبضعة أيام قبل أن تعود مجددا بعد انسحاب القوات نتيجة للضغط الإعلامي وتهديد اللجنة الأولمبية الدولية بتجميد مجمل النشاط الرياضي بالبلاد.
وفي أغسطس؛ اشتبكت قوات الشرطة مع مجموعة من أفراد يتبعون لحركات مسلحة بعد رفضهم إخلاء مجمع سكني خصص مؤقتا لإيوائهم.
وفي حين يلقي خبراء عسكريون باللوم على الخلل الواضح في بند الترتيبات الأمنية المضمن في اتفاق السلام والذي لم يحدد نقاط التجميع بشكل دقيق؛ فإن آخرين يرون أن إدخال تلك القوات إلى العاصمة هو أمر مخطط له في إطار لعبة توازنات قد تحتاجها بعض الأطراف لترجيح كفتها في حال حدوث نزاع مع المدنيين مثلما يحدث هذه الأيام.
المصدر : وكالات