تحدى عشرات الآلاف من المتطوعين الاوضاع الأمنية المتدهورة وشكوك الآباء والأمهات وانتشروا في جميع أنحاء أفغانستان هذا الأسبوع لإعطاء ملايين الأطفال نقطتي لقاح عن طريق الفم لمكافحة شلل الأطفال.
وتعد مسألة السيطرة على مرض شلل الأطفال المعدي للغاية في أي بلد مهمة شاقة لكن في بلد يحقق فيه مقاتلو حركة طالبان الإسلامية المتشددة المزيد من المكاسب على الأرض ضد القوات الحكومية فإن هذه المسألة باتت تصنف أيضا كمهمة خطرة.
وأفغانستان هي إحدى ثلاثة بلدان لا يزال فيها شلل الأطفال متوطنا فضلا عن باكستان ونيجيريا.
وعلى الرغم من كونها في حالة حرب حققت الحملة الأفغانية لمكافحة شلل الأطفال نجاحا مميزا مع انخفاض عدد الحالات من 63 عام 1999 إلى 14 فقط عام 2013 في حين تم تسجيل 8 حالات إصابة بالمرض فقط هذا العام مقارنة بمئة وثمانية في باكستان.
وبينما يزداد القتال بين القوات الأفغانية ومقاتلي طالبان ضراوة قبل انسحاب القوات الاجنبية من البلاد هذا العام تواجه الطواقم الطبية خطر عدم تمكنهم من الوصول إلى أماكن محددة وإلى الأطفال الواجب ابقاؤهم تحت المراقبة.
وقال الطبيب محمد وسيم سجاد وهو مسؤول عن التدريب في وزارة الصحة العامة في كابول إن الطواقم الطبية اضطرت للتوجه إلى المنازل هذا الأسبوع في بعض الاماكن المضطربة في شرق وجنوب شرق البلاد لتقديم اللقاح.
وقال (لا يريد السكان مغادرة منازلهم) مضيفا أن المفاوضات جارية مع الجماعات المحلية للسماح للطواقم الطبية بممارسة عملها في بيئة آمنة.
واللقاح هو الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها مكافحة الإصابة بشلل الاطفال وهو مرض معد يهاجم الجهاز العصبي خصوصا عند الأطفال تحت سن الخامسة ويمكن أن يؤدي إلى الشلل الدائم والموت إذ لا علاج له.
وقال عبد المجيد صديقي رئيس بعثة منظمة هيلث نت تي. بي. أو وهي منظمة غير حكومية تقدم استشارات للحكومة الأفغانية بشأن مكافحة مرض شلل الأطفال (نحن لا نواجه مشكلة كبيرة في الوقت الحالي ولكن اذا استمر القتال (المكثف) على المدى الطويل حينها سيكون الوصول إلى عدد من المناطق أمرا صعبا.)
هذا من جهة أما موقف السكان المحليين من اللقاح فهو أمر آخر.
ففي حي باغ قاضي ذي الطرقات المتربة والواقع على سفح أحد التلال كانت المتطوعة فريشتا فيضي تمشي بجهد من منزل إلى آخر يوم الاثنين سائلة السكان عما اذا كان أولادهم قد تلقوا جرعة اللقاح.
وقالت فيضي (في بعض الاحيان يقولون لا فقط ويقفلون الباب في حين يقول البعض الاخر إن الجرعة لن تحدث فرقا. لقد قال لي بعض الأشخاص إن اللقاح هو عبارة عن بول أمريكي.)
وفي أغسطس قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن طالبان منعت مسؤولين في وزارة الصحة من إرسال فرق متحركة لتوزيع اللقاح في مقاطعة هلمند في جنوب البلاد.
وأثارت هذه الخطوة القلق إذ أن حركة طالبان الأفغانية تعهدت بدعم حملات التلقيح على العكس من بعض المجموعات المسلحة في باكستان التي كانت تستهدف وتقتل النشطين في حملات مكافحة شلل الأطفال.
وقال متحدث باسم طالبان إن الحركة شعرت بالقلق من أن بعض أعضاء الطواقم الطبية يروجون للسياسة الحكومية وليس المعايير الصحية.
وأضاف لرويترز في مقابلة عبر الهاتف إنه بعد إجراء محادثات مع وزارة الصحة عن الموضوع استعاد مسؤولو حركة طالبان ثقتهم بالطواقم الطبية وأضاف (لا توجد المزيد من المشاكل.)
وعلى الرغم من ما يشكله هذا الانجاز من كسب لحملة مكافحة شلل الأطفال غير أن المخاوف التي تسبب بها ألقت الضوء على هشاشة المكاسب التي حققتها أفغانستان في مجال مكافحة شلل الأطفال.
وأشار سجاد إلى إن المفاوضات للسماح لأعضاء الطواقم الطبية بالتحرك بحرية في البلاد تجري على نطاق محلي وعبر مناقشة (كل حالة على حدة).
وقالت الحكومة الأفغانية إنها قبل عشر سنوات شارفت على وقف انتقال الفيروس ضمن حدودها بعدما سجلت أربع حالات فقط عام 2004.
ولكن مع تدهور الوضع الامني لم تتمكن الطواقم الطبية من الانتقال إلى المناطق الخطرة والتأكد من حصول الأطفال على جرعة اللقاح اللازمة وبحلول عام 2012 ارتفعت حالات الإصابة بشلل الأطفال في أفغانستان إلى 37.
ومما ساهم في تعقيد الأمور تدفق حوالي 150 ألف لاجئ من شمال وزيرستان عبر الحدود إلى داخل أفغانستان هربا من العملية العسكرية التي يشنها الجيش الباكستاني على مقاتلي طالبان هناك.
وحظر شيوخ العشائر في منطقة شمال وزيرستان تلقي لقاح شلل الأطفال عام 2012.
ودقت الهيئات الصحية جرس الانذار فور تدفق اللاجئين من المنطقة التي سجلت فيها أكثر حالات الاصابة بشلل الأطفال في باكستان هذا العام.
وقالت منظمة هيلث نت إن معظم حالات الاصابة بشلل الأطفال في أفغانستان هذا العام مرتبطة وراثيا بالوضع في باكستان ولكن الحكومة تقول إنها سجلت حالة واحدة فقط تسبب بها لاجئ من منطقة شمال وزيرستان.
من جهة أخرى قالت المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال إن تدفق اللاجئين منح الطواقم الطبية العاملة في مجال مكافحة شلل الأطفال فرصة غير متوقعة إذ تم إعطاء حوالي 400 ألف جرعة من اللقاح في باكستان عند الطرق التي كان يستخدمها السكان المحليون للهرب من منازلهم.
وتعتبر هذه الخطوة انجازا جيدا للجهود العالمية لاستئصال شلل الاطفال وعلى وجه الخصوص لأفغانستان حيث ينتقل آلاف السكان عبر الحدود الباكستانية كل يوم.
وقال صديقي (اذا سيطرت باكستان على الوضع ستتمكن أفغانستان من القيام بالأمر عينه لكن إذا لم يحصل هذا الأمر في باكستان ستستمر المشاكل في أفغانستان.)
رويترز