عقب قمة بغداد التي عُقدت السبت، لم يغادر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العراق مباشرة، بل تابع زيارته إلى مناطق مختلفة من البلاد، معطيا مجموعة من الوعود والتوجهات التي تشير إلى انخراط فرنسي سياسي واقتصادي وحتى ثقافي داخل العراق، بعيد المدى.
المراقبون للمشهد العراقي، ربطوا بين هذا التمدد الفرنسي وبين الإشارات الميدانية والسياسية التي تصدر وتشير إلى انسحاب وتراجع أميركي عن الاهتمام بالعراق، ولو بشكل نسبي.
يشير المراقبون هؤلاء إلى اللحظة التأسيسية التي شكلتها قمة بغداد لمثل هذا التوجه الفرنسي نحو العراق، بالذات من حيث تصريحات الرئيس ماكرون أثناء القمة، التي قال فيها: “فرنسا ستُبقي قواتها في العراق، في إطار عمليات مكافحة الإرهاب، ما دامت الحكومة العراقية تطلب ذلك، سواء قررت الولايات المتحدة سحب قواتها، أو لا”.
الباحث العراقي في مركز فينيسيا للدراسات، سِنان الوكيل ، شرح المحاولة الفرنسية في مرحلة ما بعد هذه القمة، لاستعادة دور شبيه بما فعلته في الملف اللبناني، من خلال السعي للعب دور أكثر حيوية داخل العراق، وملء نوع من الفراغ الذي سيتركه الانسحاب الأميركي من الملف العراقي نسبيا.
وقال: “كان لافتا أن الرئيس الفرنسي هو أول المؤكدين لحضورهم في مؤتمر بغداد. كما أن برنامج زيارته امتد لزيارة إقليم كردستان ومدينة الموصل”.
وتابع: “الأجندة التي تطرحها فرنسا من خلال هذا المؤتمر هي التهدئة السياسية في الملفات التفصيلية، مقابل سعي فرنسا لرسم خريطة طريق تعمل على خلق توافقات سياسية داخلية عراقية، تستطيع أن تهدأ الأوضاع داخل العراق، مستفيدة من مساهمة إعادة الإعمار في خلق إعادة فرصة في تلك التهدئة. فهذا المؤتمر كان أساسا بدفع ودعم فرنسي، لذا ستحاول الاستفادة منه لخلق مكانتها الاستراتيجية داخل العراق”.
المعلومات التي تسربت عن أروقة المحادثات الفرنسية العراقية على هامش القمة، ذكرت أن هناك 3 روابط أساسية تحاول فرنسا نسجها مع العراق.
فالشركات الفرنسية ستحصل على عقود كبرى في ملف تأسيس “مترو بغداد”، وهو المشروع المدني الذي تفوق تكلفته حتى ميناء الفاو الاستراتيجي.
كذلك تحرص فرنسا على زيادة مبيعاتها من الأسلحة إلى العراق بمقدار 3 أضعاف خلال السنوات الخمس المقبلة، من خلال بيع طائرات رافال العسكرية الفرنسية الشهيرة.
أما الملف الثالث فيتعلق بمزيد من الانخراط الفرنسي في قطاع النفط والطاقة العراقيين.
على المنوال نفسه، أشارت مصادر سياسية عراقية رفيعة إلى مساع فرنسية مستقبلية لضبط التدخل العسكري التركي في الأراضي العراقية، لافتة إلى أنه “تم الخوض في هذا الموضوع مع الجانب التركي”.
الناشطة والباحثة في المركز الفرنسي للدراسات الشرقية، رندا نداف، شرحت في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، “الإمكانيات الحقيقية لفرنسا لتنفيذ هذه التوجهات، من حيث الثقل”.
وقالت: “ثمة فارق هائل بين أن تكون هذه مجرد محاولات فرنسية ممثلة لنفسها، أم أنها جزء من التوجه الاستراتيجي الأوروبي، فما يجري في العراق من سوء الاستقرار يمس الأمن القومي الأوروبي بكامله، وسيتضاعف ذلك التأثير فيما لو عزلت الولايات المتحدة نفسها بشكل متزايد”.
المصدر : وكالات