مع سيطرة حركة طالبان على ثلاث مدن كبيرة في أفغانستان، خصوصا مدينة قندوز الاستراتيجية في الشمال، أصبحت الحركة قادرة على التأثير في مستقبل أفغستان.
وتكتسب مدينة قندوز أهمية كبيرة، فالسيطرة عليها تعني أن حركة طالبان ستتجه إلى ثلاث طرق بشكل حتمي، ولكل منها تأثيراته الداخلية والخارجية الهائلة.
والأول أن تنوجه شرقا نحو “ممر واخان” المجاوز للصين، أو غربا لمحاولة السيطرة على مدينة “مزار شريف”، أو جنوبا نحو العاصمة كابل، وهي كلها خيارات للسيطرة على مناطق أفغانية ذات حساسية خاصة، داخليا وإقليميا، ستغير كل واحدة منها كامل المشهد والمستقبل الجيوسياسي لأفغانستان.
وشرقا، تقلق الصين كثيرا بشأن “ممر واخان”ـ حيث تقع مقاطعة بدخشان الأفغانية قبالة إقليم شينجيانغ الصيني، الذي فيه الأغلبية الأويغورية المسلمة.
ورغم أن الممر الحدودي لا يزيد عن مسافة 90 كيلومترا، إلا أن وعورته الجغرافية تُجبر الصين على الخشية من سيطرة طالبان عليه، وتأثير ذلك في زيادة وتيرة العنف وتسرب العنف والحركات المتطرفة إلى داخل أراضيها.
وتسعى بكين منذ فترة لأن تخلق من أفغانستان ممرا آمنا لمشاريعها الاستراتيجية “طريق الحرير”، إذ تشكل أفغانستان ممرا إجباريا للصين نحو الدول الإسلامية في غرب آسيا، هذا لو رغبت في تجاوز الهند، منافستها الإقليمية.
ولا يبدو أن حركة طالبان ستكون قادرة على إقناع الصين بحيادها تجاه المسائل التي تقلقها في العمق الآسيوي، لذلك فإن سيطر تها على “ممر واخان” ربما تدفع بالصين إلى تمتين تعاونها مع روسيا للسيطرة الأمنية، على شمال أفغانستان.
غربا، تبدو الطرق من قندوز إلى مدينة “مزار شريف” أسهل من بقية المناطق الأفغانية، خصوصا أن للحركة نفوذ واضح جنوب المدينة والولاية ذات الاسم نفسه، لكن الواقع الديموغرافي والحساسيات الطائفية والقومية داخلها تعقد مسألة السيطرة عليها، إذ كانت تشكل عُقدة لطالبان في أواسط التسعينيات.
فنسبة أبناء القومية البشتونية، التي منها عناصر الحركة، لا تتجاوز ربع سكان المدينة والولاية المتنوعة، علما أن الطاجيك الأفغان هُم الأغلبية فيها، ويشكلون قرابة نصف السكان، إلى جانب حضور ديموغرافي قوي للأوزبك وقومية الهزارة.
وتشكل مزار شريف مكانا يمكن أن تتعاضد فيه القوى المحلية مع بقايا الجيش الأفغاني بدعم من روسيا وطاجكستان القريبة، لتوقف تمدد الحركة كما حصل طوال الشهرين الماضيين، وهو أمر قد ينسحب ويعطي نموذجاً لما يُمكن أن تقوم به القوى الإقليمية والمحلية الأفغانية في باقي المناطق الأخرى. ولأجل ذلك لا تشكل المدينة، على أهميتها، خياراً سهلاً للحركة، قبل السيطرة على مناطق أخرى على الأقل.
أما جنوباً، حيث تبعد العاصمة كابل عن مدينة قندوز 300 كيلومتر، وبينهما أكثر مناطق أفغانستان خصوبة وكثافة بالسكان، فإن قرار الحركة بالتوجه إليها ومحاولة السيطرة عليها من عدمه، هو الأمر الوحيد الذي سيحدد مستقبل أفغانستان وموقع حركة طالبان فيه وكيفية تعامل القوى الإقليمية والدولية معه.
فسقوط العاصمة يعني انهيار شرعية الاعتراف الدولي بالجهة الرسمية السيادية التي تحدد وتدير علاقة أفغانستان بالعالم.
وفي حال حدوثه، عبر سيطرة الحركة على العاصمة، وانقطاع ذلك الاعتراف العالمي بوجود سلطة شرعية في البلاد، فإن ذلك سيعني قطع صلة قرابة 40 مليون أفغاني مع العالم.
الكاتب الأفغاني والناشط في اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان، برهامي جولبكان قال لموقع “سكاي نيوز عربية”: “يعرف سكان العاصمة أن القوات الحكومية، ولأسباب مختلفة، لن تتمكن من مواجهة الحركة (طالبان) في أية منطقة، لكنهم متأكدون أن حسابات الحركة بالنسبة للعاصمة أكثر دقة”.
وأصاف جولبكان أن ثمة على الأقل” ثلاثة أشهر كاملة ستتوجه فيها الحركة نحو السيطرة على كامل الريف الشمالي والشرقي من العاصمة، قبل حلول فصل الشتاء، حيث كانت الحركة طوال تاريخها السياسي والعسكري تدخل مرحلة السُبات، لطبيعة الشتاء الأفغاني القارس”.
وتابع: “وخلال هذه المرحلة ستتمكن الحكومة المركزية والقوى الداخلية من إعادة تنظيم علاقاتها وشكل المواجهة المتوقعة مع الحركة”.
المصدر : وكالات