تلقفت تركيا بقلق شديد ما جرى في تونس، الليلة الماضية، لما يشكله عمليا من إطاحة بحليفها البارز هناك، راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإخوانية، ولتأثير ذلك على تدخلاتها ومصالحها في المنطقة.
وقالت الخارجية التركية في بيان إن تشعر بقلق بالغ جراء تجميد عمل البرلمان في تونس الذي يرأسه الغنوشي، رغم أن قرارات الرئيس قيس سعيّد بتجميد عمله جاءت وفق المادة 80 من الدستور التونسي.
وتعني قرارات سعيّد التي شملت إقالة حكومة هشام المشيشي المتحالف مع النهضة إخراج الأخيرة أو تحجيمها على الأقل في المشهد السياسي التونسي، وهذا يشكل وفق خبراء ضربة لمحاولات تركيا التدخل في الشؤون العربية.
ومن أبرز أدوات التدخل التركي “الناعم” حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، الذي كان يعتبر نفسه “زعيماً وراعياً” للتنظيمات الإخوانية في المنطقة.
وبدأت التدخلات التركية قبل 10 سنوات، ولم توفر أية دولة عربية استطاعت فيه التنظيمات الإخوانية إيجاد موطئ قدم في الحياة السياسة والاقتصادية والأمنية.
كانت تونس واحدة من أوضح النماذج عن ذلك التدخل التركي، وذلك للعلاقة الشخصية التي كانت تجمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالغنوشي، اللذين يقدما نفسيهما على أنهما “معتدلان”، وهما في الحقيقة وشريكان في مشروع الهيمنة الناعمة على مؤسسات الدولة.
لعشرة سنوات كاملة، كانت حركة النهضة بمثابة ذراع تركيا تتدخل فيها داخل تونس سياسيا واقتصادية، فقد أغرقت تركيا الاقتصاد التونسي بمجموعة من القروض والديون عن طريق صناديق التنمية، التي تسمح لها بالسيطرة الفعلية على هذا البلد.
كما أجبرت البرلمان التونسي على إقرار اتفاقية “التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمار بين تونس وتركيا” الذي كان غطاء لامتلاك رجال الأعمال الأصول والبنية التحتية في تونس.
كانت الأرقام والمؤشرات الاقتصادية تقول إنه منذ العام 2011 صارت تونس تستورد أكثر من 90 مادة جديدة من تركيا، فضلا عن تضاعف حجم الصادرات التركية عدة مرات خلال هذه السنوات، من 200 مليون دولار خلال العام 2010، إلى أكثر من 4 مليارات دولار خلال العام 2019.
وتستورد تونس منه 94 بالمئة من هذا التبادل التجاري، بينما لا تُصدر إلا 4 بالمئة إلى تركيا.
وزاد التدخل التركي في الشؤون التونسية بوتيرة استثنائية عقب ثورة 30 يونيو في مصر، حينما أطاحت الاحتجاجات العارمة بنظام الإخوان.
وفي التجربتين الليبية والسورية، توسع التدخل التركي، ليكون عسكريا وأمنيا، وعبر نفس التنظيمات الإخوانية في البلدين.
ففي الحالة السورية رعت تركيا تنظيم الإخوان السوري، إلى جانب بقية تنظيمات الإسلام السياسي، وخلقت منهم مستويين رديفين من الأدوات: مجموعة من الأجهزة السياسية والإعلامية الإخوانية السورية، الناشطة من الأراضي التركية، والخاضعة للأجندة والخطاب والخيارات التركية تجاه المسألة السورية.
والشق الثاني كان يتمثل بمجموعة من التنظيمات المُسلحة المُتطرفة، التي مارست سياسات إقصائية وتغيراً ديموغرافياً وأعمالاً إرهابية داخل الأراضي السوري، وفي مناهضة تطلعاته.
ولم تؤد التدخلات التركية إلا إلى إطالة أمد الحرب السورية، وتحويلها إلى صراع أهلي وطائفي شديد القسوة، دُمرت خلالها الكثير من المُدن والبلدان السورية، وتهجر قرابة نصف السوريين عن منازلهم وبيئتهم.
وفي ليبيا حدث الأمر نفسه، إذ أعادت تركيا تنظيم الشخصيات والتيارات الليبية التي كان لها تاريخ مديد في المشاركة ومساندة التنظيمات الإرهابية، مثل الجماعة الليبية المقاتلة.
وهذه الشخصيات التي سيطرت بالسلاح والعنف على الكثير من المناطق الليبية، ورفضت نتائج الانتخابات الشرعية الليبية، وحتى الاعتراف بشرعية البرلمان الليبي المُنتخب.
وفي لحظة هبة الشعب الليبي على هذه التنظيمات، تدخلت تركيا عسكرياً بشكل مباشر، وخاضت حرباً إلى جانب الميليشيات الليبية، لكن توافقات سياسية إقليمية والضغوط الدولية من القوى الكُبرى، أجبرت أنقرة على التقهقر.