جذبت القطع الأثرية بقاعة العرض المركزي بالمتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، والتي استقبلت الجمهور بدءا من أمس /الأحد/ أنظار الزائرين والمصورين ووسائل الإعلام المختلفة.
وتضم قاعة العرض المركزي، على مساحة 2570 مترا مربعا، حوالي 1500 – 2000 قطعة تلقي الضوء على كل ما يخص الحضارات بدءا من فترة ما قبل التاريخ ثم الحضارة المصرية القديمة مرورا بالحضارة اليونانية الرومانية والقبطية والإسلامية، وحتى الفترة المعاصرة وصولا للتراث الشعبي، وبجانب عرض المقتنيات الأثرية يتم استخدام تكنولوجيا المعلومات من الـ”مالتى ميديا”، منها شاشات العرض ولوحات الجرافيك.
ومن أبرز القطع المعروضة التي التف حولها الزائرون والمصورون، هو “إنسان نزلة خاطر” ثانى أقدم هيكل عظمى بشري فى مصر، والذي يعود إلى أكثر من 35 ألف سنة لشخص كان يبلغ عمره وقت وفاته من 17 إلى 19 عاما.
وتم العثور على هذا الهيكل في منطقة “نازلة خاطر”، وهي قرية تحمل الاسم نفسه، تقع على بعد 12 كيلومتراً من مدينة طهطا بمحافظة سوهاج، واكتشفته البعثة البلجيكية العاملة في مصر خلال أعمال التنقيب بالقرية عام 1980، وقامت بنقل عظامه إلى بلجيكا لدراستها وترميمها وتجميعها لتصبح هيكلا كاملا.
وكشفت الدراسات، التى أُجريت عليه، الكثير من المعلومات، حيث اكتشف أنه ينتمى إلى العصر الحجرى القديم الأعلى، وكان يعمل في محجر لاستخراج الحصى والزلط الذي استخدم وقتها لصناعة الأدوات القاطعة الحجرية، مثل (السكاكين والفؤوس والمكاشط)، وعُثر على بقاياه مدفونة فى تل ملاصق للمحجر ومعه فأسه، وهي أداة قاطعة من قرون الحيوانات؛ خصوصا الظباء والغزلان.
ومن أهم القطع الأثرية ذات الأهمية العلمية المعروضة التي تؤكد عبقرية المصريين القدماء، أول طرف صناعي في التاريخ، وهو مصنوع بشكل دقيق وجميل للغاية، كما تبين من الآشعة السينية، التي أجريت عليه أنه خضع للتعديل أكثر من مرة حسب تطور العمر لصاحبته وتغير مقاس القدم، حيث كان يستخدم بشكل عملي لمساعدة مبتوري الإصبع الكبير على المشي بشكل طبيعي.
والطرف عبارة عن صندل مصنوع من الخشب والجلد به طرف صناعي عبارة عن الاصبع الكبير، وتبين أن الاصبع الكبير للمومياء كان مقطوعا، وابتكر أحد الأطباء المصريين، الطرف كجزء تعويضي للجزء المقطوع من القدم.
وكشفت الدراسات أن المومياء صاحبة الطرف الصناعي عثر عليها عام 2000 في جبانة الشيخ بالقرنة غرب الأقصر، وتبين أنها لنجلة أحد الكهنة في العصر المتأخر، تقريبا ما بين عامي 950 و710 قبل الميلاد، ومن الواضح أن صاحب الطرف الصناعي، أحد أبناء الكهنة الأغنياء.
ومن القطع الأثرية المميزة في قاعة العرض المركزي أيضا، التابوت الذهبي للكاهن “نچم عنخ” الذي استردته مصر من الولايات المتحدة الأمريكية عام 2019، ويرجع تاريخه لنهاية العصر البطلمي، وهو مصنوع من الخشب المغطى بالذهب على شكل مومياء، ويبلغ طوله مترين، ويعود تاريخه إلى نهاية الأسرة البطلمية (من 150 إلى 50 عاما قبل الميلاد)، وكان كاهنا كبيرا للإله “هيرشيف” في مدينة هيراكليوبوليس (مركز أهناسيا ببنى سويف حاليا).
وهذا التابوت كان قد تم سرقته من مصر عام 2011 بعد أحداث ثورة 25 يناير، وقام متحف متروبوليتان في نيويورك “بشراء التابوت من تاجر فنون في باريس في يوليو 2017 مقابل حوالى 4 ملايين دولار.
ونجحت جهود السياحة والآثار والخارجية المصرية في إثبات أحقية مصر في استعادة التابوت، الذى اشتراه متحف المتروبوليتان من أحد تجار الآثار الذي كان حاملا لتصريح خروج للقطعة صادر من مصر ويرجع لعام 1971، وعقب التحقيقات التي قام بها مكتب المدعي العام لمدينة منهاتن بنيويورك، والتي استمرت حوالي أكثر من 20 شهرا قدمت خلالها الإدارة العامة للآثار المستردة بالوزارة بالتنسيق مع وزارة الخارجية المصرية كافة الأدلة والإثباتات التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن التصريح المزعوم لخروج القطعة عام 1971 كان مزورا، وأنه لم يصدر من مصر تصريحا لهذه القطعة إطلاقا، حيث كان القانون قبل 1983 يسمح حينها باستصدار تصاريح بخروج بعض القطع خارج مصر.
كما يضم المتحف من القطع المميزة أيضا، آخر كسوة كعبة تم صنعها في مصر، وهي مصنوعة من الحرير ومطرزة بخيوط الذهب والفضة، كما يعرض في القاعة مقتنيات لفنانين مصريين معاصرين، منهم النحات محمود مختار، بالإضافة إلى عرض التجربة المعمارية الفريدة للمهندسين حسن فتحى ورمسيس ويصا واصف.
ويتم عرض أيضا محتويات الفترة الأولى من حضارتى “دير تاسا ونقادة الأولى والثانية”، وحضارة حلوان، والتي اكتشفها الأثرى زكى سعد فى عزبة الوالدة بحلوان فى الفترة بين عامي 1941 إلى 1944، وتمثال المرضعة ولوحة الولادة من عصر الدولة الحديثة، وتماثيل للملوك أمنمحات الثالث على هيئة أبو الهول، وتحتمس الثالث جالسا، ومجموعة الكاهن (سنجم) من عصر الدولة الحديثة، ونماذج لمجموعات تماثيل لخدم من الدولة القديمة، والذين كانوا يقومون بأعمال العجن والخبيز والأفران.
كما تعرض مجموعة من تماثيل خشبية ملونة لآلهة من عصر أمنحتب الثاني، وأواني وتمائم للملك تحتمس الرابع مصنوعة من الفيانس الأزرق، وبردية ونسخة من كتاب الموتى من العصر المتأخر، وتمثال للكاتب المصري مصنوع من الجرانيت الأحمر مع أدوات الكتابة والأحبار والفرش الخاصة به.
وتعرض قاعة العرض المركزي 50 مشكاة من العصرالإسلامي، ومشربية وبعض الشبابيك الجصية مطعمة بالزجاج الملونة، والتي تم نقلها من القلعة إلى جانب المنجل قاطع القمح، وهو من الخشب النادر، وعدد من الفئوس الخشبية، والموازين والمكاييل، والعديد من أدوات الزراعة والصيد التي يعود تاريخها إلى 5000 سنة.
وتبلغ أسعار تذاكر متحف الحضارة 60 جنيها للزائر المصري، و30 جنيها للطالب المصري، و200 جنيه للزائر الأجنبي، و100 جنيه للطالب الأجنبي.. وأعلنت وزارة السياحة والآثار منح تخفيض بنسبة 50% على سعر التذكرة للمصريين والأجانب لمدة أسبوعين ابتداء من 4 إلى 17 أبريل الجاري.
ويفتح المتحف القومي للحضارة أبوابه لاستقبال الزائرين والسائحين يوميا من السبت إلى الخميس اعتبارا من الساعة التاسعة صباحا وحتي الخامسة مساء، فيما سيفتح المتحف أبوابه يوم الجمعة في فترتين (الصباحية) تبدأ من الساعة التاسعة صباحا وحتى الخامسة مساء، و(المسائية) من الساعة السادسة مساء وحتى التاسعة مساء.
وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي قد افتتح السبت قاعة العرض المركزي بالمتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط ضمن فعاليات استقباله موكب المومياوات الملكية من المتحف المصري بالتحرير، لعرضها بمقرها الدائم داخل قاعة المومياوات بمتحف الحضارة.
ويعد متحف الحضارة من أهم المشروعات التي تمت بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) ليصبح من أكبر متاحف الحضارة في مصر والشرق الأوسط ذو رؤية جديدة للتراث المصري العريق.. وقام بتصميم المبنى الاستشارى المعمارى الدكتور الغزالى قصيبة أستاذ العمارة بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة، وتم تصميم قاعات العرض الداخلى على يد المهندس المعمارى اليابانى أراتا إيسوزاكي.. وتم تشييد المتحف بتمويل مصرى كامل يتوزع ما بين صندوق إنقاذ آثار النوبة بنسبة 45%، والمجلس الأعلى للآثار بنسبة 55%، فيما تقدم اليونسكو الدعم الفني في مجال التدريب والاستشارات حول كيفية تنفيذ المتحف بطرق علمية حديثة.