ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية في عددها الصادر اليوم الجمعة أن ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) مرة أخرى في العديد من المدن العالمية التي عانت من قسوة موجته الأولى في بدايات العام الجاري قوضت ثقة العلماء فيما يسمى بـ”مناعة القطيع” أو تحقيق شكل من أشكال الحماية.
وقالت الصحيفة (في سياق تقرير لها نشرته على موقعها الالكتروني في هذا الشأن) إن مدينة “ماناوس” البرازيلية على سبيل المثال، والواقعة في قلب غابات الأمازون المطيرة، شعرت لفترة قصيرة ببصيص أمل لدى بحثها عن مناعة قطيع ضد كوفيد -19.
فبعد موجة مدمرة في مايو الماضي تسببت في مقتل حوالي 3400 شخص وإصابة عدد أكبر بكثير، انخفض انتشار الفيروس بسرعة، مما دفع بعض العلماء إلى وضع نظرية مفادها أن المدينة التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة قد وصلت إلى شكل من أشكال المناعة الجماعية.
مع ذلك، أضافت الصحيفة:” أن هذه الفرضية أضحت الآن موضع شك لأن عودة ظهور الحالات في ماناوس طرحت العديد من التحديات الجديدة والأسئلة الصعبة أمام السلطات والعلماء وصناع السياسات في جميع أنحاء العالم الذين كانوا يتجهون نحو سياسات مناعة القطيع كبديل لعمليات الإغلاق القاسية”.
فمن جانبه، تساءل آرثر فيرجيليو، عمدة ماناوس:” كيف تفسر وقوع وفيات يومية من جراء الاصابة بالمرض بين شباب في الثلاثينيات من عمرهم؟!، وما الذي تسبب في زيادة معدلات الوفيات في ماناوس مرة أخرى؟!”.
كذلك، أبرزت الصحيفة احتدام دوائر الجدل والنقاشات في المملكة المتحدة والولايات المتحدة مرة أخرى بشأن مناعة القطيع لاسيما في هذا الأسبوع بعد نشر رسالة علمية جاءت تحت اسم “إعلان بارينجتون العظيم”؛ وحظت بتوقيع الالاف من العلماء والسياسيين للتوقف عن الهروب من الفيروس وقبوله وانهاء حالات الاغلاق والاعتراف بمناعة القطيع.
وقال علماء، حول هذا الأمر، إنه يجب السماح لفيروس كورونا بالانتشار بين الشباب والأصحاء، بينما يتوجب حماية كبار السن وذوي الأمراض المزمنة من العدوى. وأشاروا إلى أن خطر الوفاة من الفيروس أعلى بأكثر من ألف مرة لدى كبار السن والعجزة منه لدى الشباب.
وجاء في الإعلان أيضا:” أنه مع تزايد المناعة لدى السكان، ينخفض خطر الإصابة بالعدوى للجميع- بما في ذلك الضعفاء، لذلك يجب أن يكون هدفنا هو تقليل الوفيات والأضرار الاجتماعية حتى نصل إلى مناعة القطيع”.
كما أوضحت الصحيفة أنه في أوروبا الغربية، أشارت استقصاءات العدوى والأجسام المضادة إلى أن حوالي 8 في المائة فقط من السكان لديهم بعض المناعة ضد كوفيد-19، على الرغم من أن النسب تزيد إلى ما قد يصل إلى 20 في المائة في مدن مثل لندن ومدريد. وفي الولايات المتحدة، تشير الاستقصاءات إلى أن أكثر من ربع سكان مدينة نيويورك ربما يتمتعون بأحد أشكال المناعة.
وبالرغم من ذلك، سجلت باريس، التي تحملت وطأة الموجة الأولى للفيروس، معدلات إصابة أعلى من أي منطقة أخرى في فرنسا خلال الموجة الثانية.
وعادت مدريد مرة أخرى لتتصدر مدن إسبانيا في معدلات الاصابة بعدما كانت من بين المناطق الأكثر تضررا في البلاد في شهر أبريل الماضي. كما لم يسلم شمال إيطاليا، حيث انتشر الفيروس على أشده في مارس الماضي، من الموجة الثانية.
أما في جنوب إفريقيا، وجدت دراسة نُشرت الشهر الماضي وجود أجسام مضادة للفيروسات في نحو 40 في المائة من العينات المأخوذة من النساء الحوامل والأشخاص المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرية الذين ذهبوا إلى العيادات العامة في كيب تاون، حيث حدث أول تفشي للفيروس في المناطق الحضرية في البلاد.
وتباطأت الحالات اليومية الجديدة المؤكدة في جنوب إفريقيا من حوالي 12 ألف في يوليو الماضي إلى حوالي ألف حالة فقط، وهو ما نسبه مارفن هسياو، عالم الفيروسات بجامعة كيب تاون، إلى “المناعة الجماعية”.
ويقول خبراء الصحة العامة في الهند أيضًا إن بعض أكثر الأحياء الفقيرة كثافة سكانية في البلاد يبدو أنها تتجه نحو شكل من أشكال مناعة القطيع- على الرغم من أنهم قلقون من وصفها على هذا النحو.
وقال شهيد جميل، وهو رئيس تنفيذي في إحدى المؤسسة الخيرية التي تعمل في أبحاث الطب الحيوي:” إن مناعة القطيع هي مفهوم يستخدم أكثر للتطعيمات بدلاً من الأمراض، لذلك لا يمكنك التحدث حقًا عن مناعة القطيع في دولة أو بلد معين. فالأمر يتعلق أكثر بالمجموعات”.
ووجدت دراسات أن 51 في المائة من سكان مدينة بيون الهندية وحوالي 45 في المائة من سكان الأحياء الفقيرة في مومباي لديهم أجسام مضادة للفيروس تشير إلى تعرض سابق – ومناعة- للفيروس. ومع ذلك، وعلى الصعيد الوطني، انخفض هذه النسب إلى 6.6 في المائة فقط من الهنود فوق سن العاشرة.
واختتمت “فاينانشيال تايمز” تقريرها بقول ان عدم اليقين والضبابية المستمرة من جراء النقاشات في هذا الشأن تظهر إلى أي مدى تزال طريقة انتشار كوفيد-19 ومدة المناعة المطلوبة للحماية منه مجهولة لدى العلماء في جميع أنحاء العالم. فيقول جيمس ايسميث، مدير معهد روزاليند فرانكلين في المملكة المتحدة:” اننا لا نعرف حتى الآن إلى متى ستستمر هذه المناعة، لذا فإن تحقيق مناعة القطيع قد لا يكون أمرًا بسيطًا”.
المصدر : أ ش أ