بعد أن تم الإعلان عن إصابة الرئيس ترامب بفيروس كورونا، ارتجت عوالم السياسة والمال والأعمال داخل أميركا وخارجها، فهو رئيس أهم وأقوى دول العالم.
وزاد في الدراما أن الفيروس أصاب الرجل القوي، الذي يعشق التحدي ولا يود أن يكون في حالة ضعف، ثم نقل للمستشفى، فاشتعلت منصات الإعلام المضاد له، وروّجّت الشائعات وشككت في رواية فريقه الطبي، واستمرت في التشكيك، حتى بعد أن خرج على الشاشات من مركز والتر ريد الطبي، وبدا الأمر وكأنه يقول للناخبين :”أنا بخير” ، ثم يقول لهم عن الإعلام المضاد:” إنه يكذب لا تصدقوه”.
تطورت الدراما، فأصيب اثنان من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين بفيروس كورونا، ولم تنته الدراما هنا.
هذان العضوان من أعضاء اللجنة القانونية بمجلس الشيوخ، اللجنة التي ستبدأ إجراءات تعيين القاضية المحافظة التي رشحها ترامب، ايمي كوني باريت، مما يعني تأجيل بدء الإجراءات، وهذا أمر مفرح للديمقراطيين وغير جيد للجمهوريين.
ثم بدأ الجدل بشأن مستقبل ترامب والانتخابات في مثل هذه الحالة، ولأن الديمقراطية الأميركية فريدة من نوعها، سواء فيما يتعلق بالتصويت الشعبي وتصويت المندوبين، أو في حقيقة أن التصويت فيها ليس للحزب، بل لشخص محدد ينتمي للحزب، فسأحاول التفصيل في هذه الآلية والتبسيط ما أمكن، مع الأخذ في الاعتبار وجود الجدل القانوني، والخلاف بين أقطاب المختصين بالقانون الدستوري حول هذا الأمر.
ففي حال لم يستطع الرئيس القيام بمهامه الرئاسية، يمنح الصلاحيات مؤقتا لنائبه، حاليا مايك بنس، ولو افترضنا أن الرئيس أصبح غير قادر تماما كأن يدخل في غيبوبة أو يفارق الحياة، فإن نائب الرئيس يحل مكانه، ويكمل فترته الرئاسية، التي تنتهي يوم 20 يناير 2021، لكنه لن يكون المرشح البديل في الانتخابات الحالية، وفي هذا تفصيل كثير سنتطرق له، فاربطوا الأحزمة.
الانتخابات بدأت فعليا في ولايات عدة، وهي الولايات التي تسمح بالتصويت المبكر، وبطاقات الاقتراع تم تجهيزها في كل الولايات، وهي تحمل اسم ترامب كمرشح جمهوري وبايدن كمرشح ديمقراطي، وقد صوّت حتى الآن عدة ملايين، ورغم أن هناك قوانين في الحزبين الرئيسيين، الجمهوري والديمقراطي، تبين آليات اختيار مرشح بديل، في حال عدم قدرة المرشح الرئيسي على خوض الانتخابات بالوفاة أو العجز، إلا أن الوقت المتبقي قد لا يكفي لتطبيق هذه الآليات.
ففي الحزب الجمهوري هناك خياران، إما أن يجتمع قادة الحزب ويختاروا مرشحا بديلا، أو أن يتم عقد مؤتمر جديد للحزب، وكلا الخيارين يحتاجان وقتا، ثم لا ننسى أنه يتوجب إعادة طبع بطاقات الاقتراع لتحمل اسم المرشح البديل، وهذا أيضا أمر صعب.
ثم ماذا عن الملايين الذين صوتوا خلال التصويت المبكر من داخل أميركا وخارجها، وبالتالي فالاحتمال أن يبقى اسم ترامب في بطاقات الاقتراع ويتم التصويت له حتى لو كان قد “رحل”، ثم يتم التعامل مع هذه المعضلة القانونية لاحقا.
ما زلنا نتحدث عن فرضيات، لكنها تظل مهمة ، ففي حال تم التصويت الشعبي لترامب حتى ولو كان، على سبيل المثال، متوفيا أو عاجزا في 3 نوفمبر، بحكم وجود اسمه على بطاقات الاقتراع ، فإن التصويت الرسمي المعتمد هو تصويت المندوبين، الذي سيتم يوم 14 ديسمبر 2020، وهنا يتوقع أن يطلب الحزب الجمهوري من المندوبين أن يصوتوا للمرشح البديل، الذي لم يكن اسمه موجودا في بطاقات اقتراع التصويت الشعبي.
وهنا تبرز معضلة قانونية أخرى، فقوانين بعض الولايات تنص على أنه يجب أن يصوت المندوبون للمرشح الذي فاز في التصويت الشعبي، وسأتجاوز الجدل القانوني حول هذه النقطة، لأن هذا أمر قد يحسمه الكونغرس أو المحكمة العليا، فهذه إحدى أهم مهامها وتبين أهمية الانتماء الحزبي والإيديولوجي لأعضائها.
أما في حال استطاع الرئيس أن يخوض الانتخابات، ثم توفي قبل تصويت المندوبين، فينطبق عليه ما ذكرناه أعلاه، وأما إن خاض الرئيس الانتخابات وفاز بها، وتم توثيق الفوز من المندوبين والكونغرس ثم مات قبل أداء القسم، فهذا أم تم حسمه في الدستور الأميركي، اذ يخلفه نائبه ويؤدي القسم رئيسا.
وخلاصة الحديث هي أن الديمقراطية الأميركية فريدة من نوعها وإجراءاتها معقدة، لكنها في ذات الوقت ممتعة، فعندما كتب الآباء المؤسسون لأميركا دستورها قبل أكثر من قرنين، كانت لهم أسبابهم التي لا تزال قائمة حتى اليوم، وهم ساسة كبار ومنهم مفكرون، فلننتظر ما يحدث مستقبلا، فنحن إزاء انتخابات تاريخية زادتها الأحداث الدرامية تشويقا، ولنتذكر أن كل ما ذكر أعلاه يخضع حاليا للجدل القانوني، لأن هذه سابقة تاريخية لم تحدث من قبل..!