جاءت الانتخابات الإقليمية الأخيرة في إيطاليا لتعزز مكانة الائتلاف الحاكم، المكون من الحزب الديمقراطي وحركة “خمس نجوم”، داخل المشهد السياسي وتقضي على آمال اليمين المتطرف في انتزاع مناطق جديدة لصالحه وتعظيم نفوذه على الخريطة السياسية الإيطالية.
وأظهرت نتائج الانتخابات، التي جرت الاسبوع الماضي في 7 من أصل 18 إقليما، استمرار سيطرة اليسار بدرجة كبيرة على أقاليمه حيث نجح “الحزب الديمقراطي” (يسار الوسط) في الحفاظ على موقعه في ثلاثة أقاليم من أصل أربعة، وأهمهم “توسكانا”، معقل اليسار التقليدي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، والذي كان يطمع حزب الرابطة اليميني المتطرف بزعامة ماتيو سالفيني في السيطرة عليه. بينما تمكن معسكر اليمين من انتزاع مقاطعة “ماركي” من قبضة اليسار.
كما أظهرت نتيجة الاستفتاء، الذي جرى لتخفيض عدد البرلمانيين، تأييد نحو 70% من الأصوات لهذا الأمر لينخفض بذلك عدد البرلمانيين من 945 إلى 600، وهو ما تعهدت به حركة “خمس نجوم” خلال حملتها الانتخابية، على أن يدخل ذلك حيز النفاذ بدءا من الانتخابات التشريعية المقبلة.
ورغم أن هذه الانتخابات هي أول استحقاق انتخابي في البلاد منذ ظهور وباء “كورونا” إلا أنها شهدت ارتفاعا ملحوظا في نسبة المشاركة والتي وصلت إلى 54% وسجلت السلطات تدفقا طبيعيا للمقترعين، وهو ما عكس الأهمية الأولية التي حظى بها هذا الاقتراع لدى الشعب الإيطالي.
ووفقا للمراقبين، فإن النتائج التي أفرزتها الانتخابات لها العديد من الدلالات في المشهد السياسي الإيطالي، أولها أنها تعكس رضا المواطنين بدرجة كبيرة عن أداء حكومة رئيس الوزراء جوزيبي كونتي خلال أزمة “كورونا”. فإيطاليا من أكثر الدول على مستوى العالم التي عانت من جراء هذا الوباء ووصلت عدد الإصابات بها إلى نحو 309.870 حالة بينما بلغت أعداد الوفيات 35.835 حالة. لكنها حققت في الأشهر الأخيرة نجاحا ملحوظا مقارنة بنظيراتها الأوروبيين في احتواء الوباء، وهو ما انعكس بوضوح في اختيارات الناخب الإيطالي خلال الانتخابات الإقليمية الأخيرة.
من ناحية أخرى، عززت نتائج هذه الانتخابات من سيطرة الحزب الديموقراطي داخل الحكومة الائتلافية، والذي خاض هذه المعركة منفردا دون أي تحالفات مع قوى أخرى، حيث أكد زعيم الحزب “نيكولا زينغاريتي” عقب إعلان النتائج “نحن راضون جداً، فقد حققنا هذه النتيجة الإيجابية رغم الوضع الصعب والانقسامات الكبرى في التحالف الذي يدعم الحكومة”.
ويرى المراقبون أن هذا الوضع قد يمكن الحزب الديموقراطي من فرض رؤيته على الأجندة الحكومية وتسهيل تنفيذ الإصلاحات ما سيعزز مكانته على الخريطة السياسية الإيطالية، في الوقت الذي تراجعت فيه حركة “خمس نجوم” الشريكة في الحكم نتيجة عدم تحقيقها النتائج المرجوة، على الرغم من أنها الاكبر تمثيلا في البرلمان الحالي.
من ناحية ثالثة ، جاءت نتائج هذه الانتخابات لتدحض آمال اليمين المتطرف بزعامة سالفيني في استعادة نفوذه من جديد داخل المشهد السياسي، حيث أنه كان يسعى مؤخرا إلى تبني خطاب يقربه من الجماهير من خلال تجنب تناول قضايا المهاجرين والترويج لسياسات الحزب المتعلقة بتخفيض الضرائب، وتجديد البنية التحتية لاسيما في القطاع الصحي. ويبدو واضحا أن سالفيني كان يسعى لاستعادة شعبية حزبه من جديد أمام التصاعد الملحوظ للائتلاف اليساري الحاكم والذي ظهر خلال أشهر الوباء نتيجة الجهود التي بذلتها حكومة كونتي في احتواء “كورونا”.
وأخيرا لاقت هذه النتائج ترحيبا واسعا من قبل بروكسل، حيث أنها ضمنت استمرار حكومة جوزيبي كونتي في السلطة والتي ستعمل بدورها على استمرار السياسات الإصلاحية وتقديم خطتها الوطنية للإنعاش الاقتصادي إلى بروكسل للحصول على موارد صندوق التعافي الاوروبي، والتي تبلغ قيمتها 208,6 مليار يورو في شكل مساعدات وقروض لمواجهة أزمة “كورونا”.
وفي ضوء المشهد السابق يبدو جليا أن نتائج الانتخابات الإقليمية الأخيرة قد مكنت الحكومة الإيطالية بدرجة كبيرة من تجاوز اختبار صعب كان يهدد بقاءها بل أنه ساعدها على تعزيز مكانتها على الساحة السياسية في البلاد وضمان استقرارها خلال الفترة المقبلة الأمر الذي سيمكنها من استكمال مسيرتها الإصلاحية، وهو ما أكده رئيس الوزراء الإيطالي عندما أعلن عقب إعلان النتيجة أنه ليس من المنتظر إجراء انتخابات برلمانية جديدة قبل 2023.
المصدر : أ ش أ