تشهد العلاقات بين الصين وتايوان فصلا جديدا من فصول التوتر والتأزم، على خلفية تحليق طائرات صينية فوق مضيق تايوان يومي 18 و19 سبتمبر الجاري، وهو التحليق الذي تزامن مع زيارة كيث كراش وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون الاقتصادية إلى تايبيه عاصمة (تايوان) وهو أكبر مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية يزور تايوان منذ أربعة عقود.
وعلى إثر ذلك تصاعدت حدة الانتقادات المتبادلة بين الجانبين الصيني والتايواني، ففي الوقت الذي طالبت فيه رئيسة تايوان تساي إنج وين، بكين بالتراجع عن عبور طائراتها خط المنتصف لمضيق تايوان، هددت بكين بـ”محو” رئيسة تايوان من الوجود، وقالت إنها “عاقدة العزم على اللجوء إلى الوسائل الضرورية، بما في ذلك الخيارات العسكرية”، لمنع الولايات المتحدة وتايوان من تعزيز العلاقات بينهما.
وجاء هذا التصعيد الحاد من جانب الصين مرتبطاً بالتقارب الأمريكي مع تايوان بعدما تعهدت رئيسة تايوان بتوثيق العلاقات مع الولايات المتحدة، ومباحثاتها مع وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون الاقتصادية.
كما قدمت (بكين) احتجاجات رسمية للولايات المتحدة بشأن زيارة كراتش لتايوان، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانج وين بين: “تعارض الصين بحسم أي شكل من أشكال العلاقات الرسمية بين الولايات المتحدة وتايوان”.. وتدين الصين أي خطوة من شأنها أن تضفي شرعية لحكومة تايبيه التي تعتبرها الصين جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، وتدعوها للعودة إلى حضنها، مهددة باستخدام بالقوة إذا لزم الأمر.
وفي ذروة الحرب التجارية بين (واشنطن) و(بكين) عارضت الصين القرار الأمريكي ببيع أسلحة لتايوان بقيمة 2.2 مليار دولار في يوليو 2019، تشمل دبابات أبرامز وصواريخ ستينجر، واعتبرته نوع من التدخل في شئون الغير.
ويرى مراقبون أن معضلة تايوان أصبحت إحدى الأوراق الرئيسية في يد أمريكا للضغط أكثر على الصين، وهي محدد جديد في ديناميكية العلاقة الثلاثية “واشنطن – بكين – تايبيه” التي لم تكن موجودة قبل مجئ دونالد ترامب للرئاسة الأمريكية 2016 ، ورغم كل ذلك، تظل الصين متمسكة بموقفها الثابت الذي يطالب جميع دول العالم باحترام مبدأ “صين واحدة”، وعدم التدخل في قضية تايوان، باعتبارها شأنا صينيا داخليا.
وقد تطور الموقف الأمريكي من القضية التايوانية مع تطور المصالح الأمريكية على مر التاريخ، وقد جاءت زيارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في فبراير عام 1972 إلى الصين ولقائه الزعيم الصيني الراحل ماو تسى تونج، للتأكيد على موقف أمريكا الداعم والمؤيد “للصين الواحدة”.
وبعد تلك الزيارة بست سنوات وفي عام 1978، قطعت الولايات المتحدة الأمريكية علاقاتها مع تايوان وأغلقت سفارتها بها، بعد اعترافها بجمهورية الصين الشعبية، وإعلانها الالتزام بسياسة “صين واحدة”.
لكن الموقف الأمريكي تغير مع مجئ ترامب للحكم في 2016، والذي تحادث هاتفيا مع رئيسة تايوان وهو ما احتجت عليه الصين رسميا وقتها، وفي أواخر عام 2018 ومطلع 2019، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قانون “مبادرة ضمان تأمين آسيا”، والذي يهدف إلى تعزيز الاتصال الرسمي والروابط العسكرية بين الولايات المتحدة وتايوان، الأمر الذي احتجت عليه الصين رسميا.
تاريخياً.. تبدلت مقاعد الصين وتايوان في المنظمات والمؤسسات الدولية، ففي سبعينيات القرن الماضي، كانت تايوان تحتل مقعد الصين، إلى أن تم التصويت بالجمعية العامة للأمم المتحدة وحصلت بكين على المقعد الدائم بمجلس الأمن.
وفي الأول من يناير 1979 أصدرت اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني (البرلمان الصيني) وثيقة أطلقت عليها: “رسالة إلى أبناء الوطن في تايوان”، تضمنت سياسة جمهورية الصين الشعبية، تجاه تايوان لإعادة وحدة الأراضي الصينية سلميا، ودعت إلى إنهاء الانقسام وتشجيع الزيارات والنقل والخدمات البريدية والتبادل الاقتصادي عبر مضيق تايوان، وهى الوثيقة التي احتفلت الصين بالذكرى الـ40 على إصدارها.
وفي عام 1992 تم الاتفاق ضمنيا بين المسئولين الصينيين وحزب (كومينتانج) على وجود “صين واحدة”، وهو ما تطلق عليه الصين (توافق 1992) ويقوم على أساس دولة واحدة ونظامان، وهو ما تعتبره الصين النظام الأمثل للوحدة، لكنه يلقى معارضة من الحزب الحاكم في تايوان والرئيسة الحالية تساى اينج وين.
وكانت الانفراجة في العلاقات بين الجانبين قد بدأت عام 2008، ثم حدثت نقلة نوعية مهمة في العلاقات بين بكين وتايبيه، توجت بلقاء قمة تاريخي بين “شى جين بينج” و”ما يينج جيو” في سنغافورة في 6 نوفمبر 2015.
لكن مع وصول تساى إينج وين، رئيسة الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض في تايوان إلى سدة الحكم في يناير 2016، بدأت العلاقات في التوتر والتأزم، بسبب عدم اعترافها بمبدأ “صين واحدة”، مدعومة في ذلك بواقف دولية تشجعها على ذلك.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)