تشهد العلاقات الصينية الإيرانية مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي بين البلدين، تتضمن إقامة تعاون شامل في مجالي الأمن والاقتصاد، يمتد لأكثر من 25 عاماً، تعتبره إيران فرصة مهمة للنمو الاقتصادي، وللاستقرار والسلام في المنطقة، وكسر الحصار الأمريكي عليها، في حين تعتبره الصين أفاقاً واعدة نحو فتح طريق حرير جديد بين طهران وبكين ، وتخفيف الضغط عن مصالحها الأساسية.
ويرى المراقبون أن الحديث عن التحالف والتعاون الاستراتيجي المزمع بين الصين وإيران ليس وليد اللحظة الراهنة، حيث أعلن الرئيس الصيني في فبراير 2016 في زيارته إلى طهران عقب توقيع الاتفاق النووي الإيراني، عن عزم البلدين الدخول في مفاوضات بغرض إبرام اتفاقية تعاون شاملة مدتها 25 عاماً، وهذا ما اعتبره المرشد الأعلى في إيران أمراً صحيحاً وحكيماً، أي إن الإعلان الرسمي عن هذه الاتفاقية جرى منذ أربع سنوات، ولم يكن تسريباً بل إعلاناً صريحاً لشراكة إستراتيجية ستمتد إلى ربع قرن في عالمٍ سريع التغيير.
فضلاً عن أن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين إيران والصين تناولها المسؤولون الإيرانيون مراراً، وتحدث عنها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، وأكد رئيس مجلس الشورى، محمد باقر قاليباف، في معرض حديثه عن أن برنامج المجلس يتضمن تغيير الاستراتيجية وتحديث قطاع التجارة الخارجية والصادرات غير النفطية بصورة أساسية، أن بلاده يمكنها تفعيل التعاطي مع الجيران والتسويق الإقليمي، ودخول مرحلة جديدة من التعاطي مع أوروبا، وبناء علاقات قوية واستراتيجية مع الشرق.
دعم الاقتصاد والأمن أيضاً
ومن منطلق الرؤية الصينية لسبل مواجهة الولايات المتحدة، والتقائها بحاجة طهران إلى مواجهة استراتيجية الضغوط القصوى عليها من قبل واشنطن، وتأسيساً لعلاقاتٍ استراتيجية مهمة للبلدين الساعيين إلى أداء سياسي مستقل عن الإرادة الأميركية الدائمة التدخل، أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي عن خارطة طريق للتعاون الاستراتيجي بين الصين وإيران، تمّ توقيعها خلال زيارة الرئيس الصيني الأخيرة إلى طهران، وصادقت عليه الحكومة الإيرانية في يونيو الماضي.
ويتضمن الاتفاق الذي جرت صياغته بين الحكومتين الصينية والإيرانية شراكة اقتصادية وأمنية شاملة يمكن أن تمهد الطريق أمام استثمارات صينية بأكثر مِن 400 مِليار دولار في البنى التحتية الإيرانية وقطاع الطاقة، وسكك الحديد والموانئ والصناعات العسكرية، وسيكون المقابل الذي ستحصل عليه الصين إمدادات نفطية رخيصة ومنتظمة لحوالي 25 عاما.
ويشمل الاتفاق أيضاً، تعاوناً عسكرياً وأمنياً غير مسبوق بين البلدين، يتضمن مناورات عسكرية مشتركة، بالإضافة إلى تطوير مشترك للصناعات الدفاعية، ومشروعاً لتجارة الأسلحة بين البلدين، وتبادل المعلومات الاستخبارية، وذلك لمواجهة “المعركة غير المتوازنة مع الإرهاب وتهريب المخدرات والاتجار بالبشر والجرائم عبر الحدود”.
كما يتضمن التزام إيران بتوريد الطاقة إلى الصين لمدة تصل إلى 25 سنة وأن تراعي الحكومة الإيرانية رغبة الصين في الاسثتمار ضمن قطاعات استخراج وإنتاج الطاقة في البلاد، وتشجع الاتفاقية الصين على المشاركة في مشاريع السكك الحديدية، وبناء الطرق التي تحتاجها إيران، مثل: شبكة السكك الحديدية الوطنية التي تسعى إيران إلى إنجازها بغرض ربط شرق البلاد بغربها.
وتهتم الصين بتطوير الموانئ والمنطقة الساحلية في مقاطعة هرمزگان الإيرانية، والتي تشرف على مضيق هرمز الإستراتيجي، وسيضمن تطوير هذه المنطقة بناء مصافٍ نفطية ومدينة صناعية وتطوير صناعات ترتبط بالبتروكيماويات والصلب والألمنيوم، بالإضافة إلى بعض المرافق ذات الطابع السياحي.
وتنص اتفاقية الشراكة والتعاون كذلك تزويد الصين لإيران بشبكة اتصالات تغطي البلاد، مع تأمين مجموعة من المنتجات والخدمات، مثل: تطوير محركات البحث ومنصات التراسل الفوري والبريد الإلكتروني ومضادات الفيروسات وأجهزة البث وتحديد المواقع، بالإضافة إلى أجهزة الهاتف المحمول والحواسب اللوحية.
وتجمع الكثير من التحليلات الغربية على أن اتفاق الشراكة سيكون بمثابة شريان حياة يغذي الاقتصاد الإيراني من جهة، وسيسمح بتوسيع نفوذ الصين في الشرق الأوسط إلى حد كبير من جهة أخرى، الأمر الذي من شأنه زيادة توتر الولايات المتحدة في مقاربتها للمواجهة مع الدولتين.
وبدا فى الداخل الصينى شعور كبير بالإنجاز، خاصة أن هذه الاتفاقية الشاملة كان قد اقترحها الرئيس الصينى “شى جين بينج” لأول مرة خلال زيارته لإيران عام ٢٠١٦، بغرض توسيع نفوذ بكين الاقتصادى والاستراتيجى عبر أوراسيا من خلال “مبادرة الحزام والطريق”، حينها لم تكن أجواء الحرب الباردة أو الإشكاليات مع الولايات المتحدة قد تعمقت على هذا النحو الذى وصلت إليه الآن، لهذا سعت بكين لاستعادة المقترح وصياغته على هذا النحو الشامل، الكفيل بنقل إيران إلى منطقة أكثر رحابة مما تسعى واشنطن لـ”حشرها” فيه مؤخرا منذ انسحابها من اتفاقية البرنامج النووى.
رؤية أمريكا للاتفاق
اعتبر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، أن الدخول الصيني إلى إيران سوف يزعزع الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط، متهما طهران بأنها أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم.
ونقل حساب وزارة الخارجية الأمريكية بموقع تويتر، تصريحا لبومبيو قال فيه إن دخول الصين إلى إيران سيدمر الاستقرار بالشرق الأوسط، معتبرا أن امتلاك طهران الفرصة للحصول على الأسلحة والأموال من الحزب الشيوعي الصيني سوف يعرض المنطقة للخطر.
وتعمل الإدارة الأمريكية بكامل قواها السياسية والدبلوماسية لتضييق الخناق على إيران ومنعها من امتلاك أي أسلحة متطورة لا سّيما النووية والبالستية، من خلال فرض عقوبات واسعة النطاق، وقامت بفرض عقوبات على مسؤولين بارزين في إيران ومنهم المرشد الأعلى على خامنئي، وتعمل واشنطن جاهدة الآن على تمدد حظر التسلح على إيران من خلال مجلس الأمن الدولي والذي ينتهي في 18 أكتوبر المقبل.
وتناغما مع ذلك، تؤكد التقارير الغربية أن مشروع الشراكة الاقتصادية والأمنية الشاملة بين إيران والصين سيسمح بتدفق مليارات الدولارات من الاستثمارات الصينية في مجال الطاقة وقطاعات أخرى إلى إيران، الأمر الذي من شأنه تقويض جهود إدارة ترامب لعزل طهران وخنق اقتصادها.
والاتفاق الذي من شأنه توسيع الوجود الصيني في قطاع البنوك والاتصالات والموانئ والسكك الحديدية وعشرات المشروعات الأخرى، سيمكن الصين من الحصول على إمدادات منتظمة من النفط الإيراني بسعر مخفض على مدى الأعوام الخمسة وعشرين المقبلة، الأمر الذي يعني إفادة بينية متبادلة بين خصمين كبيرين للولايات المتحدة، ورئتين مفتوحتين على بعضهما البعض ومنتشرتين بنفوذهما وعلاقاتهما في مساحات واسعة من هذا العالم، مع طموح إحداهما لتزعم العالم، والأخرى لإنجاح نموذج القوة الإقليمية القادرة والقوية التي تهدد وجود إسرائيل ومصالح الأمريكيين في الشرق الأوسط.
وبحسب المراقبين، فإن هذا الاتفاق سيؤثر على الشرق الأوسط، فالصين عبر الشراكة الاستراتيجية مع إيران تكون قد دخلت مساحة الفعل الاستراتيجي في الشرق الأوسط، بينما تكون إيران وجدت ما تحتاج إليه في الشراكة مع عملاق اقتصادي يعاني من الخصم نفسه وهوأمريكا.
وستبقى إيران بحاجة إلى الصين لتظل لاعباً أساسياً في سوق الطاقة، بعد أن فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على شركات الطاقة الإيرانية، وعلى الشركات التي تتعامل مع إيران التي تحتاج اليوم إلى إنتاج 8.5 مليون برميل يومياً لتبقى في السوق..وسيترتب على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية تحول دراماتيكي في موازين القوى، والمراهنة السياسية على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل.
المصدر : أ ش أ