شرفت مصر بصناعة كسوة الكعبة وخروج المحمل الشريف إلى الأراضي المقدسة عبر العصور بدءا من عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مرورا بالعصر الفاطمي ،الأيوبى، المملوكى، و العثماني، واستمر ذلك إلى أن قامت دولة السعودية وتوقف إحضار الكسوة من مصر وذلك في ستينات القرن الماضي.
وحول تاريخ المحمل، قالت الأثرية نادية عبد الفتاح المتخصصة في الآثار الإسلامية لوكالة أنباء الشرق الأوسط، إن “المحمل” اصطلح قديما على قوافل الحج المنظمة والتي تشرف عليها الدولة المنظمة لرحلة الحج إلى بلاد الحجاز، واسم المحمل يعني “الهيكل الخشبي المخروطى الشكل الذي كان يحلى بأجمل زينة وتحمل على ظهر جمل” ، وكان يصاحب قافلة الحج من القاهرة قادمة إلى مكة والمدينة ثم يعود منها بعد تأدية فريضة الحج إلى مصر، وفي تعريف آخر هو اسم يطلق على” الجمل الذي كان يحمل الهدايا والكسوة الموسمية إلى مكة” .
وأوضحت أنه من الخطأ الاعتقاد بأن دور مصر في كسوة الكعبة بدأ فقط مع الخلافة الفاطمية التي اتخذت القاهرة عاصمة لها، بل بدأ قبل ذلك بقرون في عهد ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كان يوصي بكسوة الكعبة بالقماش المصري المعروف ب(القباطي) الذي اشتهرت الفيوم بتصنيعه، وهو نسبة إلى قبط مصر، وكان المصريون ماهرين في نسج أفضل وأفخر أنواع الثياب والأقمشة.
وأضافت أن كسوة الكعبة كانت قبل السفر إلى الأراضي الحجازية في الاحتفالية الخاصة بها تصنع في مصر في حي( الخرنفش) بالجمالية، وهو من أحياء مصر العتيقه والقديمة على أيدي صناع محترفين ومهرة وعلى درجة عالية من الدقة والإبداع لإخراجها في ثوبها المرصع بخيوط من ذهب وفضة إلى أبهى حللها احتفالا وتشريفا لكساء الكعبة بيت الله العتيق في أشرف بقعة من بقاع الأرض وأوسطها.
وتابعت قائلة “فى اليوم السابع و العشرين من شهر شوال يبدأ سفر المحمل بعد تجهيزه و اختيار موظفيه، وكان يقام لذلك احتفالا يحضره الباشا الوالي و القضاة و كبار رجال الدولة، وتدق الطبول و الموسيقى، ويكون وصول المحمل إلى المعسكر الذي يجتمع فيه الحجاج المصريون مع أقرانهم من البلدان الأخرى وذلك خارج مدينة القاهرة، هو إيذانا ببدء الرحلة المقدسة، والتي تبدأ من مدينة السويس ثم إلى قلعة النخل وسط سيناء ثم العقبة وبعد ذلك يتجه جنوبا ويسير بحذاء البحر حتى ينبع”.
وعن وصف المحمل الشريف، أوضحت أن كثير من الرحالة الذين زاروا مصر وصفوا خروج كسوة الكعبة من مصر كابن بطوطة وناصرخسرو وغيرهما، ومن أهم المشاهد التي سجلتها نصوص الرحالة و المؤرخين أيضا صورة المحمل أو قافلة الحج عبر عصورها المختلفة، إذ تعتبر تلك النصوص من أكثر المصادر التي حفظت لنا تفصيلات دقيقة عن المحمل وكسوة الكعبة، ومن أهم تلك النصوص ما ذكره الرحالة ابن بطوطة عن هذا المشهد المهيب و كيفية خروج المحمل المصري من القاهرة في حضور أرباب الدولة.
وأضافت أن ابن بطوطة في وصفه يذكر يوم المحمل، بأنه يوم دوران الجمل، وهو يوم مشهود، حيث يتجه القضاة الأربعة ووكيل بيت المال والمحتسب ومعهم أعلام الفقهاء وأمناء الرؤساء وأرباب الدولة، ويتجهون إلى باب القلعة فيخرج إليهم المحمل على جمل ويصاحبه الأمير المعين لسفر الحجاز ( يقصد به أمير الحج ) ومعه عسكره ويجتمع لذلك جميع المصريين من الرجال والنساء ثم يطوفون بالجمل في شوارع مدينة القاهرة.
وتابعت أن المؤرخ القلقشندي في كتابه ( صبح الأعشى) يصف المحمل بأنه يحمل على جمل وهو في هيئة لطيفة وعليه غشاء من حرير أطلس أصفر وبأعلاه قبة من فضة مطلية.
وقالت إن الاحتفال بموكب محمل الكسوة الشريفة اتخذ شكلا مختلفا في العصر المملوكي، ففي فترة السلطانة شجر الدر،كان المحمل نفسه عبارة عن هودج فارغ يطلق عليه اسمها (هودج شجر الدر) ، أما الكسوة فكانت توضع في صناديق مغلقة وتحملها الجمال، ثم يتجه نحو أرض الحجاز.
وتابعت أن سلاطين مصر المملوكية كانوا يلقبون ب(خدام الحرمين الشريفين)، وكان موكب المحمل، قبل مغادرته، يطوف القاهرة يصاحبه الطبل والزمر.
وفي العصر العثماني، أشارت إلى أن المؤرخ العياشي سجل مشاهدته للمحمل في تلك الفترة سنة 1073هـ/1662م ،قائلا “لما بلغ شهر شوال نحو النصف خرج المحمل الخروج الأول، وذلك اليوم يؤتى بكسوة الكعبة المشرفة من دار الصناعة وتتجهة نحو باب القلعة فيحضر كبار رجال الدولة و القاضي وكل واحد مع اتباعه ولكل واحد منهم مجلس معروف خاص به ويتوسط هذه المجالس مجلس الباشا في الوسط وعن يمينه مجلس القاضي وكلما أتاه واحد من الأفراد وأرباب الدولة جلس في مجلسه المعهود له فإذا تكاملوا كلهم و أخذوا مجالسهم صفت الخيول أمام مجلس الباشا “.
وأضافت أن العياشي وصف المحمل بأنه عبارة عن قبة من خشب رائعة الصنع ملونة بأنواع الأصباغ وعليها كسوة من رفيع الديباج المخوص والجمل الحامل للمحمل في غاية السمنة وعظم الجتة وحسن الخلقة مخضب جلده كله بالحناء، ويقوده سائقه وقد خصص لهذا الغرض، ولا يستخدم الجمل لأي أغراض أخرى مابقى على قيد الحياة، ويوجد عن يمينه وشماله جمل آخر على مثل صنعته.
وبالنسبة لاحتفالات المصريين بعيد الأضحى عبر العصور ، قالت الأثرية نادية عبد الفتاح، إن الاحتفال بعيد الأضحى في الدولة الفاطمية كان يبدأ منذ الأول من ذي الحجة حيث كانت تعقد مجالس للشعر في القصر ودار الوزارة ويقوم الشعراء بمدح الخليفة والوزير بتهنئتة بهذه المناسبة، كما كان يتم توزيع أموال الصدقة على الأيتام والأطفال من أهل الفسطاط، بالإضافة إلى توزيع الكسوات الخلع (العباءات) على كبار رجال الدولة والتي كان يطلق عليها (كسوة عيد النحر) .
وأضافت أن الخليفة كان موكبه في أول أيام العيد لأداء صلاة العيد وهو يرتدي حلة حمراء اللون وعليه مظلة حمراء أيضا، وهي عكس لون ملابس عيد الفطر والتي كانت ذات لون أبيض، وبعد الانتهاء من صلاة العيد يعود الخليفة إلى قصره للاستراحة ثم يتأهب للخروج مرة ثانية لنحر الأضاحي فيخرج موكبه من باب الفرج وهو أحد أبواب القصر فيجد الوزير وكبار رجال الدولة في انتظاره ويتجه الموكب نحو المنحر ومعه المؤذنون يجهرون بالتكبير.
وتابعت عند وصول الموكب إلى المنحر، ومكانه حاليا منطقة الدرب الأصفر المتفرع من شارع المعز لدين الله، يكون في استقباله كبار رجال الدولة ويبدأ الخليفة بنحر الأضاحي والتي يبلغ عددها في هذا العيد 1561، ويذبح الخليفة بيده منها على مدى الثلاث أيام الأولى 110 ناقات و24 بقرة و20 جاموس ويقوم الجزارون بنحر ما تبقى من هذا العدد وهو 2400، ويشير شيخ المؤرخين تقي الدين المقريزي أن ثمن هذه الأضاحي كان ما يقرب من 2000 دينار.
وأشارت إلى أن الدولة كانت تتصدق بناقة كل يوم للفقراء والمساكين، وفي اليوم الثالث من العيد يتم التصدق بناقة مذبوحة وتوزع على الفقراء بالقرافة.
أما عن الاحتفالات بعيد الأضحى في العصر المملوكي، أوضحت أن بعض المصريين كانوا يجهزون الأضحية منذ ليلة العيد، كما كان بعضهم يقضي هذه الليلة في تجهيز ثيابهم الجديدة، وربما كان يسهر عند الخياط حتى ينتهي من إعداد ثياب العيد، وجرت عادة بعض الناس على عدم ذبح الأضحية في العيد على الرغم من قدرتهم على ذلك، وكانوا يكتفون بشراء اللحوم من الجزارين ويطبخون منها عدة أصناف.
وأضافت أنه بعد الانتهاء من صلاة العيد، كان الناس يخرجون لزيارة القبور والتجمع في القرافة أيضا، وكانت النساء تتزين وتتجمل بغاية الزينة، وتسير العربات التي تجرها الدواب في شوارع المدينة وفوقها مجموعة من البنات والنساء وهن يغنين وينقرن على الدفوف.
المصدر : أ ش أ