انتعشت مع ثورة 23 يوليو عبارات (الحرية، القضاء على الإقطاع وسيطرة رأس المال، النهضة، صوت الجماهير، الإصلاح الزراعي) وتحل ذكراها الـ 69
اليوم الجمعة معززه حلم النهضة والبناء والتطور ومواجهة التحديات والتغلب على الصعوبات، وشكل طريق (ثورة 30 يوليو 2013) ممهدا لهذا الحلم الذي تتقاطع أهدافه مع أهداف ثورة (23 يوليو) التي ما زالت جذوتها مشتعلة بوهجها الناصري حتى الآن، رغم مرور كل هذه السنون.
ثورة يوليو المجيدة، مثلت وقت قيامها فصلا ناصع البياض في دستور التحرر الوطني العالمي، فكانت ولا تزال العلامة البارزة في التاريخ ونقطة تحول أساسية في مسار العمل المصري الوطني، بما قدمته من إنجازات وما أحدثته من تحولات جذرية، فقد غيرت (ثورة يوليو) وجه التاريخ المصري، وكانت عنوانا ونقطة التحول الأبرز في مسيرة الوطن، فلم تكن مجرد تحويل لنظام الحكم من ملكي إلى جمهوري بقدر ما كانت شرارة للتغييرات الاجتماعية، وارتقاء معنويا بمفهوم التحرر الوطني وتحقيق استقلال البلاد، وجعلت من مصر والأمة العربية مشروعا وسطيا بمضمونه الحضاري قبل موقعه الجغرافي.
تميزت (ثورة 23 يوليو) التي عرفت في بدايتها بالحركة المباركة بأنها “ثورة بيضاء” لم ترق فيها الدماء، وبأن من قام بها جيل من الضباط والشبان، حيث كان تشكيل الضباط الأحرار ذا طبيعة خاصة لا تنفرد باتجاه معين ولا تنتمي لحزب سياسي واحد، فقد كان التنظيم يمثل مختلف الاتجاهات السياسية، وتميز بالمرونة وعدم الجمود في سياستها الداخلية لصالح الدولة، واتجاهها نحو تنفيذ المشروعات القومية.
ومازالت الثورة حتى يومنا هذا تقف بوهجها الناصري شامخة مرفوعة الرأس، فقد رسمت ملامح الحياة علي وجه الوطن العربي لتبشر بانتهاء حكم المستعمر، واستطاعت التأثير بقوة في المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية محليا وإقليميا ودوليا، فباتت أم الثورات العربية التي خرجت من رحمها.
جذوة ثورة (23 يوليو) ما زالت وستظل مشتعلة رغم مرور كل هذه الأعوام، حيث مثلت حدثا ضخما في حياة المصريين والشعوب المحبة للحرية، وواحدة من أهم الثورات في التاريخ الحديث، ونقطة تحول جوهرية في تاريخ مصر، لما عبرت عنه من إرادة شعب وانتصار أمة، وبما أحدثته من آثار إيجابية غيرت وجه الحياة في المنطقة، وما ألهمته من انطلاق للعديد من الثورات وحركات التحرر الإقليمية، وعلى امتداد العالم الثالث في آسيا وأمريكا اللاتينية، والتي طاقت شعوبها لنسائم الحرية.
لم تطيح الثورة بالأوضاع السياسية وبالاستعمار فحسب، بل إنها غيرت المعادلة الاجتماعية والأوضاع الاقتصادية في مصر تغييرا جذريا، بانحيازها لصالح الأغلبية العددية من المصريين، الذين لا يظهرون في صداره المشهد ولا في بؤرته، لكنهم يذوبون عشقا في تراب مصر، إنهم ملايين المصريين الذين وقفوا بجانب الثورة وساندوها، فهي ثورة العصر الذهبي للطبقة العاملة المطحونة التي عانت من الظلم والحرمان من العدالة الاجتماعية.
وما أن استقرت الثورة وأخذت تحقق أهدافها إلا وتصاعد بالتوازي مع التغيير المجتمعي ثورة أخرى تمثلت في النهوض الاقتصادي والأدبي والفني والثقافي والفكري عبر قرارات الإصلاح الاجتماعي والزراعي ومجانية التعليم، وصولا إلى معاهدة الجلاء وكسر احتكار السلاح، وقرار تأميم قناة السويس والصمود أمام العدوان الثلاثي، وكان السد العالي حكاية شعب هزم المستحيل وأنشاء 1200 مصنع للصناعات الثقيلة والتحويلية مقرونا بتوسع زراعي، والتوسع في مشروعات قومية بمسيرة البناء، وانطلاق مرحلة التنوير والثقافة بإنشاء مراكز الثقافة الجماهيرية.
لم ينس التاريخ أن ثورة يوليو لم تكن حكاية الشعب المصري فحسب، بل كانت حكاية شعوب من الثائرين الذين رفضوا القهر والظلم وتمردوا على الاستعمار، فكانت بوتقة انصهرت فيها حركات التحرر الوطني في العالم العربي وأفريقيا لتبقى مصر دائما قاعدة النضال والدفاع عن الحقوق المسلوبة، وتحولت إلى حركة ملهمة للثورات الأخرى، فحلم الثورة لم يقتصر على تحقيق الوحدة العربية، لكنه كشف عن وجه مصر الأفريقي وانتمائها الأصيل للقارة، فساندت حركات التحرر في أفريقيا والعالم العربي وقادته نحو عهد جديد من العزة والكرامة، واستمرت في تقديم الدعم اللوجستي للدول المحررة على كافة الأصعدة.
إسقاط النظام الملكي وإقامة حكم جمهوري كانا هدفا الثورة المحدد منذ اللحظات الأولى، فيما جاءت مبادئ ستة لتمثل “عماد سياستها وخريطة طريقها” وهي (القضاء على الإقطاع، والقضاء على الاستعمار القضاء على سيطرة راس المال، وبناء حياة ديمقراطية سليمة، وبناء جيش وطني، وإقامة عدالة اجتماعية).
ومن أهم قرارات مجلس قيادة الثورة فور إعلان الثورة، إعلان الدستور المؤقت في 10 فبراير 1953 وإلغاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية في 18 يونيو عام 1953 وإعادة تشكيل لجنة مصادرة أموال وممتلكات أسرة محمد على في 8 نوفمبر من نفس العام، وحل جماعة الإخوان المسلمين في 14 يناير عام 1954، وظلت الثورة على مدى 66 عاما ذات جذوة مشتعلة، أمجادها لا يستحيل طمسها أو إخفاء معالمها، ساعدت اليمن الجنوبي في ثورته ضد المحتل حتى النصر وإعلان الجمهورية، وساندت الشعب الليبي في ثورته ضد الاحتلال ودعمت حركة التحرر في تونس والمغرب حتى الاستقلال، ودافعت عن حق الصومال في تقرير مصيره، وساهمت في استقلال الكويت، وقامت بدعم الثورة العراقية والسورية، وساندت الشعوب في محاربة الاستعمار بكافة أشكاله وصوره في أفريقيا وآسيا.
“أرهاصات الثورة” ودلائلها الاجتماعية والسياسية كانت لا تخفي على أحد، فقد تضمنت التقارير البريطانية على مدى الأعوام من عام 1945 إلى عام 1950 مرور مصر بحالة من الغليان، وكانت تتحدث دائما عن وجود حالة سخط وتذمر داخل صفوف الجيش، ولم تأخذ القيادة البريطانية هذه التقارير مأخذ الجد، فحفلت تلك الفترة بالإضافة إلى سنوات 3 أخرى بأحداث عنف واضطرابات اجتماعية، عززها عودة الوفد إلى الحكم، ثم حريق القاهرة في يناير عام 1952.
وفي 20 يوليو عام 1953 أرسلت السفارة البريطانية في القاهرة تقرير وصفته “بالسرى للغاية ” لوزارة الخارجية البريطانية في لندن تناولت فيه بعض الشائعات “غير المؤكدة ” حول تحرك عدد من وحدات الجيش في اتجاه الإسكندرية، وما يقال حول رفض عدد من ضباط الجيش المصريين إطاعة الأوامر، وتطرق التقرير إلى احتمال قيام تمرد عسكري، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يشار فيها إلى مثل هذا الاحتمال، وما سيؤدي إليه من فوضى لا محالة، ثم توالت التقارير بعد ذلك حتى فجر يوم 23 يوليو.
ومع انطلاق الثورة نجح تنظيم الضباط الأحرار في السيطرة على الأمور والمرافق الحيوية في البلاد، وحدد البيان الأول الذي أذاعه أنور السادات عضو التنظيم في ذلك الوقت أسباب قيامها، حيث جاء فيه “اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش، وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين، وأما فترة ما بعد الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد، وتآمر الخونة على الجيش، وتولى أمره إما جاهل أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها، وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا، وتولي أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفي خُلقهم وفي وطنيتهم، ولا بد أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب”.
ودعا البيان الملك فاروق بالتنازل عن العرش لولي عهده الأمير أحمد فؤاد، على أن تكون إدارة أمور البلاد في يد مجلس قيادة الثورة المشكل من 13 ضابطا (هم قيادة تنظيم الضباط الأحرار) وغادر الملك فاروق مصر يوم 26 يوليو 1952، وأُلغيت الملكية وأٌعلنت الجمهورية في عام 1954، واكتسبت ثورة يوليو تأييدا شعبيا جارفا من ملايين الفلاحين وطبقات الشعب العاملة الذين كانوا يعيشون حياة تتسم بالمرارة والمعاناة.
وكشفت عن توجهها الاجتماعي وحسها الشعبي مبكرا عندما أصدرت قانون الملكية يوم 9 سبتمبر 1952، فقضت على الإقطاع وأنزلت الملكيات الزراعية عن عرشها، وحررت الفلاح بإصدار قانون الإصلاح الزراعي، وأممت التجارة والصناعة التي استأثر بها الأجانب، وألغت الطبقات بين الشعب المصري، وأصبح الفقراء قضاة وأساتذة جامعة وسفراء ووزراء وأطباء ومحامين وتغيرت البنية الاجتماعية للمجتمع المصري، وقضت على معاملة العمال كسلع تباع وتشترى ويخضع ثمنها للمضاربة في سوق العمل، وقضت على السيطرة الرأسمالية في مجالات الإنتاج الزراعي والصناعي.
ومن الإنجازات السياسية المحلية لثورة 23 يوليو تأميم قناة السويس، استرداد الكرامة والاستقلال والحرية المفقودة على أيدي المستعمر المعتدي، السيطرة على الحكم في مصر، وإجبار الملك على التنازل عن العرش والرحيل عن مصر، وإلغاء النظام الملكي وقيام الجمهورية، وتوقيع اتفاقية (الجلاء) بعد أكثر من 70 عاما من الاحتلال، وبناء حركة قومية عربية للعمل على تحرير فلسطين.
فيما تضمنت الإنجازات الثقافية، أنشاء الهيئة العامة لقصور الثقافة وإنشاء وقصور الثقافة، والمراكز الثقافية لتحقيق توزيع ديموقراطي عادل للثقافة، وتعويض مناطق طال حرمانها من ثمرات الإبداع الذي احتكرته مدينة القاهرة، وإنشاء أكاديمية تضم المعاهد العليا للمسرح والسينما والنقد والباليه والأوبرا والموسيقى والفنون الشعبية، ورعاية الآثار والمتاحف ودعم المؤسسات الثقافية التي أنشأها النظام السابق وسمحت الثورة بإنتاج أفلام من قصص الأدب المصري الأصيل بعد أن كانت تعتمد على الاقتباس من القصص والأفلام الأجنبية.
وشملت الإنجازات التعليمية مجانية التعليم العام والتعليم الجامعي وضاعفت من ميزانية التعليم العالي، وإنشاء عشرات الجامعات في جميع أنحاء البلاد، إضافة إلى مراكز البحث العلمي وتطوير المستشفيات التعليمية.. ومن الإنجازات العربية لثورة يوليو توحيد الجهود العربية وحشد الطاقات العربية لصالح حركات التحرر العربية، حيث أكدت للأمة العربية من الخليج إلى المحيط أن قوة العرب في وحدتهم يجمعهم تاريخ واحد ولغة مشتركة ووجدان واحد، وكانت تجربة الوحدة العربية بين مصر وسوريا في فبراير 1958 نموذجا للكيان المنشود.
ولعبت قيادة الثورة دورا رائدا مع يوغسلافيا بقيادة الزعيم تيتو، ومع الهند بقيادة نهرو في تشكيل حركة عدم الانحياز مما جعل لها وزن ودور ملموس ومؤثر على المستوى العالمي ، و وقعت صفقة الأسلحة الشرقية في عام 1955، والتي اعتبرت نقطة تحول كسرت احتكار السلاح العالمي، ودعت إلى عقد أول مؤتمر لتضامن الشعوب الأفريقية والأسيوية في القاهرة عام 1985، إنه قدر مصر أن تكون قطب القوة في العالم العربي، الأمر الذي فرض عليها مسئولية الحماية والدفاع عن نفسها ومساندة من حولها من شقيقاتها العربيات.
المصدر: وكالات