صنع شعب مصر، بثورة (30 يونيو) فصلا في دستور الثورات محفورا في التاريخ الإنساني، حيث ولدت تلك الثورة من قوة الشعب، ونبعت من إيمانه بوحدته وتكتله، فبرهنت على أن الإيمان والوحدة قادران على التصدي لقوى الحكم التي خدعت الشعب باسم الدين، فالثورة هي إحدى وسائل الإصلاح، وأداة من أدوات التغيير، وحين تسد منافذه السلمية تضطر الشعوب إلى ركوب موجة الثورة العالية ودفع مستحقاتها المرتفعة.
لقد تابع العالم بدهشة الانفجار الانشطاري للشعب المصري، الذي جاء نتيجة حتمية ومتوقعة للظروف الموضوعية المشتركة التي عانى منها المصريون على مدى عام كامل، أذ لم يتحقق فيه التغيير الحاسم المكتمل والإصلاح الحقيقي الشامل الذي حلموا به في ثورة 25 يناير، حيث كان هدفهم الثوري الذي تجمعوا حوله هو (عيش حرية عدالة اجتماعية).
تولدت إرادة التغيير لدى الشعب من الإيمان بهدف واضح بلغ في النفوس درجة اليقين، وكان الهدف هو المطالبة بالرحيل، وجاءت قوة التغيير من اتفاق أكثر من 30 مليون مصري على هذا الهدف، وحدة الهدف ووضوحه هما ما منحا الشعب التماسك والتكتل المطلوب لنجاح ثورته.
وانطلقت الثورة لما تهيأت لها الظروف المواتية، وامتلكت شروط النجاح، شيء ما عظيم استطاع أن يلم هذه الحشود الغفيرة من المصريين من مختلف الأعمار، وحركها في إرادة واعية لطلب التغيير، تجميع الشعب في كتلة بشرية واحدة، تحولت إلى قوة ضرب حاسمة غير قابلة للتردد ولا للانشقاق أو التفتيت، فلم يكن لأحد أن يحرك الشعب ما لم تتحرك فيه دوافع تستجيب لحاجاتها وقناعاتها، وتجسد آمالها وتطلعاتها.
واستطاعت الثورة أن تركز هذه الحاجات في جملة واحدة هي (أرحل) وتجمعت غايات المواطنين المتفرقة، ومطالبهم المختلفة حولها، فقد برهنت لهم خبرتهم العميقة وتاريخ المعاناة الطويل أن “النظام” هو المسئول الحقيقي عن المعاناة التي يعيشوها، وعن الانتهاكات الصارخة للحقوق والمقدسات، وعن تهديد المواطنين في أمنهم وقوت أولادهم وعقائدهم.
وبلغت الثورة أقصى ثقلها الواقعي عندما تجسدت في شخص الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع آنذاك، الذي تبنى الثورة، وبادر إلى التضحية والبذل في سبيلها، وجسد هدفها في صور واقعية حركت حزب الكنبة، واستطاع الشباب أن يقدموا النموذج الجدير بالاحتذاء إلى شعوبهم، فكان التكتل والتمرد، وبدأت الإرهاصات من القمة وتبنته القاعدة الشعبية العريضة، فحظى مبدأ الثورة في لحظة انفجرت فيها إرادة المصريين.
التضحيات بالنفس والآلام التي شعر بها الأغلبية من المصريين كانت قوة إيجابية تعادلت مع قوة اليقين بالنصر والأمل بالمستقبل، والاعتقاد الراسخ بالقدرة على تحقيق الإنجازات، حيث تكفلت إنجازات الثورة ومكاسبها على الطريق بمدها على مدى سنواتها السبع بالوقود والطاقة اللازمين لامتداد مساحتها سنوات وسنوات وجذب أنصار جدد لها.
واليوم، ومع حلول الذكرى السابعة لثورة 30 يونيو، جدير بنا أن نرفع فيه تحية تقدير وعرفان وإعزاز للشعب الذي صنع تاريخه، وللقائد الشجاع الذي وضع حياته مخاطرا بها للتخلص من حكم الإخوان الثيوقراطي الفاسد الشرس، وتحرير شعب مصر من قبضته.. وتحية ثانية له وهو يقود مسيرة بناء الدولة وسط تحديات وأمواج الخطر داخليا وخارجيا، وتحية تقدير وعرفان لجيش مصر العظيم وشرطته اللذان لم يتخليا عن حماية أمن مصر وشعبها، وكذلك تحية تقدير وإعزاز للمستشار عدلي منصور الذي قاد البلاد في أحلك الأوقات.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)