سبع سنوات مرت على ثورة 30 يونيو ذلك الحدث التاريخي غير المسبوق الذي خرج فيه ملايين من الشعب المصري بمختلف أطيافه إلى الشوارع للإطاحة بحكم جماعة الإخوان الإرهابية، والتصدي لمؤامرات التفتيت والتقسيم التي كانت تهدد المجتمع وتستهدف “أخونة” الدولة ومؤسساتها، لترسخ هذه الثورة مفاهيم الوحدة الوطنية داخل المجتمع المصري وتدشن مرحلة جديدة في تاريخ البلاد تعلي قيم التعايش المشترك والتسامح، وتعزز التلاحم بين أبناء الوطن الواحد.
جاءت ثورة (30 يونيو) استجابة لمطالب الشارع المصري في مواجهة نظام لم يحقق آمال وتطلعات الشعب، حيث تميزت عن غيرها من الثورات باصطفاف مختلف أطياف الشعب، بمختلف فئاته الاجتماعية والسياسية والثقافية، والتي توافقت ضمنيًا فيما بينها على ضرورة الإطاحة بسلطة هذه الجماعة الإرهابية، التي وضعت المجتمع المصري أمام خطر اندلاع الصراعات الطائفية والمذهبية.
فمنذ وصول جماعة الإخوان إلى الحكم في يونيو 2012 برئاسة محمد مرسي، عملت على خلق حالة من الاحتقان والاستقطاب الحاد داخل المجتمع، وتبنت سياسات تخدم مصالحها وأجندتها الخاصة دون النظر لمصالح الدولة والشعب، حيث سعت إلى بناء دولة دينية ترسخ مفهوم “الأخونة” ويتم فيها إقصاء وتهميش الأقباط، وزرع بذور الشقاق بين أبناء الوطن الواحد.
كما شهدت مصر – خلال عام من الحكم الإخواني – أعمالًا فوضوية وهمجية غير مسبوقة استهدفت بالأساس الكنائس ودور العبادة الخاصة بالأقباط، وتزايدت التوترات الطائفية والأعمال الإجرامية بصورة ملحوظة، وكان من أبرزها الاشتباكات التي وقعت في أبريل 2013 في بلدة (الخصوص) شمالي القاهرة، وقتل خلالها 4 مسيحيين ومسلم، وتعرض الكاتدرائية المرقسية لإلقاء قنابل غاز مسيلة للدموع، كل ذلك أدى بدوره إلى تنامي مخاوف الأقباط ولجوء شريحة كبيرة منهم إلى الهجرة خارج البلاد.
وجاءت ثورة (يونيو) لتثبت أن هذه الجماعة الإرهابية لم تكن أهلا لحكم البلاد، وتعبر عن رفض الشعب المصري تفكيك وحدة الوطن والتفرقة بين نسيج الأمة الواحدة.
ولعبت مشاركة الأقباط دورا بارزا في صناعة المشهد التاريخي في 30 يونيو 2013، حيث شارك البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، في مشهد عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي في 3 يوليو 2013 وساهم مع باقي مؤسسات الدولة وممثلي المجتمع في رسم خارطة طريق الثورة وتقديم كافة أوجه الدعم لها، وهو ما أدى إلى تعرض عشرات من الكنائس إلى الحرق والتدمير عقب فض اعتصامَي “رابعة العدوية” و”نهضة مصر” لتنظيم الإخوان الإرهابي وأنصاره في 14 أغسطس 2013.
وهنا أطلق البابا تواضروس الثاني مقولته الشهيرة “وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن”، مشيرًا إلى أن حرق تلك الكنائس هو تضحية بسيطة يقدمها الأقباط عن طيب خاطر من أجل حرية الوطن.
وحرص البابا تواضروس – دائما – على إطلاق التصريحات الوطنية التي تقف ضد إثارة الاعتداءات الطائفية من خلال بث رسائل للعالم كله بأن ما يتعرض له المصريون من اعتداءات يتم عبر جماعات الإرهاب المدعومة من الخارج، والتي لا تفرق بين دماء القبطي والمسلم، وأن هذه الحوادث لا يقصد بها الكنيسة وإنما تستهدف الوطن كله.
ولم يتوقف الدور الوطني للبابا عند إطلاق التصريحات، بل تخطاها لمطالبة كل كنائس المهجر لتكون سفارات شعبية لمصر في الخارج للتأكيد على روح الوحدة الوطنية التي تسود البلاد وإفشال خطط المتآمرين وأي محاولات لتزوير الحقائق.
ومع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم عام 2014 تبنى خطابا سياسيا موجه لفئات الشعب المصري، خالي من أي تمييز أو تفرقة ليدشن بذلك مرحلة جديدة في تاريخ البلاد يعامل فيها الجميع كمواطنين وأبناء وطن واحد دون أي اعتبارات دينية أو طائفية، وهو الأمر الذي اعتبره كثير من المراقبين سببا رئيسيا في تهدئة الأوضاع وترسيخ روح الوحدة الوطنية من جديد داخل البلاد.
وفي خطوة لم يسبقه فيها أي رئيس مصري، حرص الرئيس السيسي – منذ عام 2015 – على حضور قداسات عيد الميلاد سنويا، ليعزز صورة مصر التي تحتضن كل أبناءها دون أي تمييز ديني أو طائفي.
وشهدت السنوات السبع الأخيرة تراجعًا ملحوظًا في معدلات الحوادث الطائفية في مصر، نتيجة التشديدات الأمنية التي تتبعها الدولة ومحاولتها الدائمة لإرساء الأمن وعدم السماح ليد التخريب بالعبث.
كما شهدت البلاد صدور أول قانون لتنظيم بناء وترميم الكنائس في مصر، الذي ينص – ضمن نصوصه – على بناء كنائس جديدة في المدن جديدة، فضلا عن تأسيس لجنة مواجهة الفتن الطائفية، ولجنة تقنين أوضاع الكنائس غير المرخصة.
إضافة لذلك، حقق الأقباط تمثيلًا برلمانيًا غير مسبوق في الحياة السياسية المصرية، حيث حصد النواب الأقباط، بالمنافسة الحرة لأول مرة في التاريخ، 53 مقعدا نيابيا وهو رقم كبير مقارنة بسنوات سابقة، ويعكس سعي الدولة إلى إقرار المواطنة، والمساواة بين الجميع على معيار الكفاءة.
وجاء احتضان العاصمة الإدارية الجديدة لمسجد “الفتاح العليم”، وكنيسة “ميلاد المسيح”، كأكبر مسجد وكنيسة في الشرق الأوسط، ليجسد روح الوحدة الوطنية داخل البلاد.
في ضوء ما سبق، يبدو جليا أن ثورة (يونيو) كانت بمثابة لحظة فارقة في تاريخ البلاد لا سيما من حيث دورها في ترسيخ مفهوم الوحدة الوطنية داخل المجتمع المصري، ونجاحها في تشكيل حشد وطني لمواجهة الخطر الإخواني الذي كان يهدد وحدة الدولة المصرية وسلامتها، لتتمكن مصر من مواجهة التحديات الراهنة واستكمال مسيرة التنمية وإعلاء مصلحة الوطن بعيدا عن أي اعتبارات طائفية.
المصدر : أ ش أ