تمتد محطة الطاقة الشمسية “بنبان” على مساحة 37 كيلومترا مربعا، بحجم هائل لدرجة أنه يمكن رصدها من الفضاء، متضمنة سبعة ملايين من الألواح الشمسية بتكلفة بلغت نحو أربعة مليارات دولار. ثلاثون من مطوري البنية التحتية الدوليين يقفون وراء هذا المشروع بالاستثمار في أكبر مزرعة طاقة شمسية ، والتي ستصبح الأكبر في العالم بمجرد استكمالها.
ويعد الأثر التنموي لمحطة بنبان هائلا؛ فالمشروع الموفر للطاقة النظيفة لمئات الآلاف من الأسر، سيساعد مصر على الوصول إلى هدفها في توليد 20% من الكهرباء المستخدمة من مصادر متجددة بحلول عام 2022 ، بحسب ما نقل تقرير لبنك التنمية الإفريقي.
ووضع هذا المشروع مصر على الخريطة كلاعب مهم في مجال الطاقة الشمسية في أفريقيا، مما أرسى بداية لكي تستغل دول شمال أفريقيا ما حباها الله بها من الطاقة الشمسية، مع الوفاء بالتزاماتها إزاء التغير المناخي. وأصبحت الطاقة الشمسية أكثر تنافسية مع تراجع أسعار مكونات إنشاء محطاتها، مما حول “بنبان” إلى حقيقة. كذلك فإن “بنبان” هو الأول من بين مجموعة مشروعات حيوية من المقرر أن تعمل بكامل طاقتها، وهي الآن تقدم الطاقة النظيفة للمصريين وللشركات.
ويدعم إنشاء المحطات الشمسية في مصر اتفاقات لشراء الطاقة لمدة 25 عاما من جانب الشركة المصرية لنقل الكهرباء . وتم إنشاء الطرق ومرافق ربط الاتصال البيني من قبل مطوري مشروع بنبان، وفق اتفاق لتقاسم التكلفة مع الشركة المصرية لنقل الكهرباء، ووكالة الطاقة الجديدة والمتجددة.
وأصبحت الخلايا الشمسية لـ “بنبان” جاهزة للتشغيل في عام 2019 ليصبح بإمكانها إنتاج ما يقرب من 870 جيجاوات/ساعة من الطاقة سنويا، مع تشغيلها بكامل طاقتها مقدمة الطاقة النظيفة لأكثر من 400 ألف أسرة، ليتم تلافي انبعاث ما يقارب 350 ألف طن من غاز ثاني أكسيد الكربون، الناتج عن مصادر الطاقة غير المتجددة.
وحظي التحالف المنشئ للمشروع بالريادة فيما يخص استخدام الخلايا الشمسية المزدوجة، والتي تعمل على امتصاص الأشعة الشمسية من الجانبين لزيادة توليد الطاقة. كما سيساعد مشروع “بنبان” المرتبط بالبنية التحتية للسد العالي في أسوان على المزج بين طاقة المياه والرياح والطاقة الشمسية، ليصنع بذلك نموذجا للقارة الأفريقية.
ويمثل “بنبان” نموذجا للتغير الجذري لطريقة توفير بلد إفريقي كبير مثل مصر الطاقة الكهربية لشعبه، فعلى امتداد عقود، أنشأت الحكومة المصرية وشغلت معظم محطات توليد الطاقة، وأنفقت الكثير لدعم الطاقة الكهربية. وجاء إنشاء المحطة الشمسية ليثبت أنه من خلال التنظيم الصحيح وهيكلة التكلفة، مع التعاون مع القطاع الخاص ودعم شركاء التنمية، فإن الطاقة الشمسية تصبح واعدة، وتسمح للحكومات بالتركيز على أولويات ملحة أخرى.
وفي ظل انتشار فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19″، يمكن لشركاء التنمية لعب دور في رفع درجة التمويل المتحصل عليه من القطاع الخاص، بحيث يمكن تحرير الميزانيات الحكومية من التزامات دعم الطاقة على امتداد إفريقيا، مما يساعد القارة على مزيد من حشد مواردها لمكافحة الجائحة.
كذلك فإنه من شأن ابتكارات مشروع بنبان أن تقدم رؤى لبرنامج “الصحراء مصدرا للطاقة”، الذي يقوده بنك التنمية الأفريقي. ويهدف هذا البرنامج الذي يرتبط به صندوق “أفريقيا 50” -وهو منصة استثمار في البنية التحتية أسسها بنك التنمية الإفريقي والدول الإفريقية- إلى إنتاج 10 جيجاوات من الطاقة الشمسية عبر منطقة الساحل الإفريقي بحلول 2050، بهدف إمداد 250 مليون نسمة بالطاقة الخضراء، ويستهدف المشروع مجموعة من أفقر البلدان على مستوى العالم.
ويعد صندوق “أفريقيا 50” ضمن المستثمرين في مشروع “بنبان”، وهو أحد أكثر صناديق البنية التحتية استقلالا، لكونه يركز على المشروعات عالية التأثير، وبخاصة في قطاعي الطاقة والنقل. وتشارك قاطرة الاستثمار في تنمية أفريقيا عبر التطوير والاستثمار في المشروعات القابلة للتمويل، والتي تحفز رأس مال القطاع العام، وتعمل على إدارة تمويل القطاع الخاص.
ويمثل استثمار “أفريقيا 50” في محطة الطاقة الشمسية المقدرة قوتها بـ 1,5 جيجاوات في صحراء أسوان نموذجا هاما، إذ طالما استهوى المستثمرون إقامة هذه المحطة في مصر، البلد الذي تسطع فيه الشمس على مدار العام. لكن التكلفة المرتفعة لمحطات الطاقة الشمسية دفعت الحكومة المصرية إلى تفضيل الاعتماد على الوقود الحفري المسبب للاحتباس الحراري، في توليد 90% من الطاقة.
وفي عام 2017، انضم صندوق “أفريقيا 50” إلى المستثمرين “نورفند” و”سكاتك للطاقة الشمسية” للتوصل إلى اتفاق مالي لإقامة ستة من بين 32 من محطة شمسية بالمجمع. ووفرت المحطات الست المنشأة بواسطة الصندوق فقط نحو 1000 وظيفة تشييد من بين 4500 وظيفة إجمالية بالمشروع، إضافة إلى نسبة الربع من 250 من الوظائف الدائمة لتشغيل المحطة.
وتصل مشاركة المنصة الاستثمارية “أفريقيا 50” في تمويل إنشاء المحطة إلى نسبة من 25% من الأسهم، جنبا إلى جنب مع شركتي “سكاتك سولار” لإنشاء نظم الألواح الشمسية، و”نورفند” النرويجية للأسهم، والذين ساعدوا جميعا على زيادة فعالية تمويل يقدر بحوالي 450 مليون دولار مقدم من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، وبنك التنمية الهولندي، وصندوق المناخ الأخضر والبنك الإسلامي للتنمية، والمؤسسة الإٍسلامية لتنمية القطاع الخاص.
ويقول ألاين إبوبيسيه رئيس مجلس إدارة صندوق “أفريقيا 50″ إن بنبان يعد نموذجا جيدا لاستغلال الخبرة والتمويل المستخدم في تطوير مشروع في مرحلته الأولى، ليصبح نموذجا يحتذى في وصول المشروعات للإغلاق المالي والقيمة المالية مما يشجع على جذب المزيد من التمويلات”.
المصدر : أ ش أ