في الوقت الذي تواصل فيه بعض دول أوروبا رفع إجراءات العزل للحد من انتشار وباء (كورونا) المستجد، بدأت بعض الدول الأوروبية الأخرى فتح حدودها الداخلية تدريجيا، أملا في إنعاش قطاع السياحة الذي شهد انتكاسة كبيرة جراء تفشي الوباء، والذي اجتاح دول العالم خلال الأشهر الماضية، وأودى بحياة نحو 308 آلاف شخص وإصابة نحو 4,7 مليون شخص.
وتضررت الاقتصادات الأوروبية ضررا شديدا جراء انتشار هذا الوباء الذي وجه ضربة موجعة لقطاع السياحة، وهو قطاع أساسي لاقتصاديات الاتحاد الأوروبي، إذ يمثل 10% من الناتج المحلي الإجمالي و12% من فرص العمل في القارة العجوز.
وتستأثر أوروبا بنصف حصة السوق العالمية من السياحة، وهو ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى عقد اجتماع عبر الفيديو الأربعاء الماضي، لمناقشة كيفية دعم هذا القطاع الحيوي.
في ضوء ذلك، شجّع الاتحاد الأوروبي أعضاءه الـ27 على فتح الحدود الداخلية، للاستفادة من العطل الصيفية لملايين الأوروبيين ومساعدة قطاع السياحة على التعافي من تأثيرات الوباء، مع استمرار إغلاق الحدود الخارجية إلى أجل غير محدد.
وأعلنت المفوضية الأوروبية في (بروكسل) عن مجموعة من التوصيات لمساعدة للدول الأعضاء على رفع قيود السفر تدريجيا، والسماح للشركات السياحية بإعادة فتح أبوابها مع احترام الاحتياطات الصحية اللازمة.
في السياق ذاته، أكد مفوّض السوق الداخلية، تييري بروتون، الأربعاء الماضي، أمام لجنة السياحة والنقل في البرلمان الأوروبي، أن الأولوية المطلقة في الجهود الأوروبية، لمساعدة الدول على النهوض من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن (كورونا) ستكون لقطاع السياحة الذي من المنتظر حصوله على 25% من المساعدات المقدمة، مشيرا إلى أن ملايين الشركات الصغيرة والمتوسطة والأسر التي تعمل في الفنادق والمطاعم ونقل الركاب ووكالات السفر، معرضة لخطر الإفلاس وفقدان الوظائف، وهم في أمس الحاجة إلى العودة للعمل.
ويوفر قطاع السياحة مصدرا رئيسيا للعمالة والدخل في العديد من الدول الأوروبية، وبعد أن تسببت كورونا في تراجع حركة السياحة أصبحت العديد من المؤسسات والشركات السياحية على شفا الإفلاس، بعد أن دفعت بالملايين إلى صفوف البطالة، وهو ما جعل المراقبون يتوقعون تراجع اقتصاد السياحة في دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 70% بحلول نهاية العام الجاري، وتكبد الاقتصاد الأوروبي خسائر تصل إلى 400 مليار يورو.
وفي محاولة للنهوض بالأوضاع الاقتصادية المتردية في القارة العجوز، بدأت عدد من الدول الأوروبية بخطوات حذرة فتح الحدود الداخلية بينها وبين دول أخرى لتشجيع حركة السياحة.. ففي إيطاليا، التي يشكل قطاع السياحة 13% من إجمالي الناتج القومي ويوفّر 4,2 مليون فرصة عمل، قررت الحكومة مؤخرا استئناف حركة السفر من وإلى البلاد اعتبارا من 3 يونيو المقبل، ويشمل القرار السفر بين إيطاليا والدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي ومنطقة شينغن، بما فيها سويسرا وموناكو، دون إلزام القادمين بالحجر الصحي لمدة 14 يوما، وقد تكبد قطاع السياحة في البلاد خسائر تقدر بنحو 120 مليار يورو.
وتشير المؤشرات إلى أنه في حالة استمرار كورونا لنهاية العام الجاري، فإن ذلك سيؤدي إلى تداعيات خطيرة في قطاع السياحة وقطاعات أخرى مرتبطة به مثل وقطاع الصناعات الغذائية المعدّة للتصدير وقطاع الأزياء، والتي لن تتمكن من النهوض واستعادة نشاطها قبل عامين على الأقل.
أما إسبانيا، التي يمثل قطاع السياحة فيها نحو 13% من إجمالي الناتج القومي، فإن الحكومة تقوم حالياً بوضع خطة شاملة لمساعدة هذا القطاع ومنع انهياره، حيث تُقدَّر الخسائر التي تكبدها هذا العام ما يزيد على 115 مليار يورو، وتتضمّن الخطة الحكومية في مرحلتها الأولى مجموعة من التدابير الوقائية تشمل جميع القطاعات السياحية الفرعية، بهدف الحد من المخاطر الصحّية الناجمة عن (كورونا) والترويج لإسبانيا باعتبارها وجهة سياحية آمنة.
وفي فرنسا، أعلنت الحكومة الخميس الماضي عن خطة بقيمة 18 مليار يورو لإنقاذ القطاع السياحي، الذي يعيش حاليا أكبر أزماته وفقا لما صرح به رئيس الحكومة الفرنسية إدوارد فيليب، حيث يعد هذا القطاع حيويا للبلاد ويمثل 7% من الناتج المحلي الإجمالي ويوظف نحو مليوني شخص، كما احتلت فرنسا في 2019 الوجهة العالمية الأولى بنحو 90 مليون سائح.
وشملت الخطة الحكومية استثمارات مباشرة عامة بقيمة 1,3 مليار يورو إضافة إلى قروض مدعومة من الحكومة وتوسيع المستفيدين من “صندوق تمويل تضامني”.. وكشف فيليب أيضا أنه سيسمح للفرنسيين بالخروج لقضاء عُطلاتهم الصيفية ولكن فقط داخل الأراضي الفرنسية لتشجيع السياحة الداخلية.
أما ألمانيا، فقد قررت فتح حدودها مع النمسا وسويسرا وفرنسا ولوكسمبورج اعتبارا من أمس، مؤكدة أنها ستفتح الحدود كاملة مع دول الاتحاد الأوروبي والدول المجاورة الأخرى في منتصف يونيو المقبل.
في ضوء ما سبق، بدا واضحاً أن الدول الأوروبية تولي قطاع السياحة أولوية كبيرة خلال المرحلة الراهنة؛ أملا في إعادة إنعاش الاقتصادات التي تأثرت بالأزمة، ولكنها في الوقت ذاته تحاول تحقيق التوازن الصعب بين إعادة تحريك العجلة الاقتصادية والتدابير الهادفة إلى الحد من انتشار (كورونا) لاسيما في ظل استمرار الوباء في مختلف الدول، وهو ما يضعها أمام تحد حقيقي يصعب التوقع بنتائجه.
المصدر: وكالات