بدأت تصل الأزمة الصحية والاقتصادية الضخمة التي أحدثها فيروس كورونا المُستجد في البلدان الغنية إلى العالم النامي بشكل خطير ومع ذلك، لا ينبغي لنا أن نفترض أن الاستجابات السياسية للدول الغنية لمكافحة الجائحة هي الأفضل بالنسبة للبلدان النامية، أو حتى مُجدية، بل على العكس، يجب أن نتوقع مقايضات أكثر حدة وقيوداً أشد صرامة في المناطق الأكثر فقراً.
وأن البقاء في المنازل سيساعد على الأرجح على إبطاء انتشار الفيروس في البلدان النامية، تماماً كما هو الحال في الدول الغنية، ولكن قد يكون التباعد الاجتماعي مكلفاً للغاية، وخاصة بالنسبة للفقراء الذين لديهم مدخرات قليلة ومخزون غذائي منخفض ويعتمدون بشكل كبير على العمل المؤقت (غالباً بشكل يومي). قد ينجو القليل من الناس من خلال العمل من المنزل.
وهذه ليست المقايضة المألوفة والقاسية الوحيدة بين الرفاهية الاقتصادية والصحة الشخصية التي يواجهها العديد من الفقراء. كما أنها مقايضة بين جانبين للصحة: المرض بسبب الفيروس من ناحية، والجوع وسوء التغذية الناتج عن العزلة الاقتصادية وتعطيل الأسواق والمؤسسات، بما في ذلك الحماية الاجتماعية الخاصة، من ناحية أخرى.
وفي حين هناك أسباب قوية وفوائد معقولة للتباعد الاجتماعي لمكافحة فيروس (كوفيد 19) في البلدان النامية، فإن الوضع بالنسبة لعمليات الإغلاق مختلف تماماً.
ويُشكل فرض الحجر الصحي تهديدات جديدة، بل يمكن أن يُحول الاستجابة الوبائية إلى مجاعة في بعض المناطق الفقيرة.
وتُظهر الأبحاث والخبرة العلمية كيف يمكن أن تنجم المجاعات عن نوع من الانهيار المؤسسي والسوقي المُرتبط بالإغلاق الصارم. شهدنا ذلك مؤخراً في أعقاب تفشي فيروس إيبولا عام 2014 في سيراليون، حيث سرعان ما أصبحت المجاعة تُشكل تهديداً جديداً.
ويمكن أن تَنجُم المجاعة بين الفئات الفقيرة والضعيفة عن أسباب متعددة، كما أوضح أمارتيا سين في كتابه الذي يحمل عنوان «الفقر والمجاعات». واستشهد سين بأمثلة حيث لم يكن هناك انخفاض في إجمالي كمية المواد الغذائية المُتاحة.
وكانت المشكلة الرئيسة تتمثل في توزيعها بين الناس وعلى مر الزمن. تلعب الأسواق والمؤسسات الأخرى دوراً حاسماً في هذا المجال. يمكن أن تؤدي عمليات الإغلاق إلى تعطيل إنتاج وتوزيع الغذاء، إلى جانب انهيار دخل الفقراء وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
ونحن نُدرك أن سلاسل الإمداد الغذائية اليوم غير كافية، حتى في البلدان الغنية. وحتى إذا تم تجنب المجاعة، يمكن أن يكون لفترات التغذية السيئة عواقب دائمة، بما في ذلك زيادة التعرض للإصابة بأمراض أخرى.
وهناك أسباب إضافية تدعو للقلق من أن دعم الإغلاق لمكافحة انتشار فيروس (كوفيد 19) يمكن أن يأتي بنتائج عكسية في البلدان الفقيرة.
وعلى المدى القصير، ينتج عن فرض هذه التدابير تدفقات هجرة كبيرة تهدد بانتشار الفيروس بشكل أسرع، وخاصة بين السكان الفقراء والضعفاء في المناطق الريفية.
ويُثير تطبيق تدابير الاحتواء من قبل الشرطة والجيش المزيد من المخاوف بشأن رفاه الفقراء، الذين سيكونون في الغالب في حاجة ماسة إلى مغادرة منازلهم لتوفير الطعام لأسرهم.
وقبل كل شيء، يجب على صناع السياسات إدراك أن عمليات الإغلاق الصارمة في البلدان النامية تفرض أيضاً إغلاق المؤسسات التي تساعد على حماية الفقراء في الأوقات العادية، وبالتالي تمكنهم من تجنب الوقوع في مصائد الفقر الخفية.
وقد يعاني العديد من الناس الفقر على المدى الطويل جراء عمليات الإغلاق، والذي قد يكون من الصعب الهرب منه بعد انتهاء التهديد الحالي للفيروس إلى حد كبير. قد يكون تأثير هذه التدابير في الأطفال مقلقاً بشكل خاص.
وعلى المدى القريب، هناك حاجة إلى استجابة حاسمة وجريئة. لتكون فعالة، يجب أن تجمع بين جهود الرعاية الصحية ودعم الاستهلاك.
وسيفرض الفيروس تحديات هائلة على الأنظمة الصحية في البلدان النامية، والتي حتى في الظروف العادية غالباً ما تكون غير كافية بشكل مؤسف، وخاصة بالنسبة للمواطنين الأكثر فقراً. والواقع أن النقص في الإمدادات والمعدات الطبية والعاملين الذي نشهده اليوم في الدول الغنية مألوف بالفعل لدى الأشخاص في البلدان ذات الدخل المنخفض.
ونظراً إلى أنه لا يمكن القيام بالكثير لتعزيز أنظمة الرعاية الصحية على المدى القصير، فإن البلدان النامية بحاجة إلى قناة اتصال مستقلة وموثوق بها وبشأن الصحة العامة أثناء الوباء، يجب أن تكون الرسائل الإعلامية حول أهمية التباعد الاجتماعي والنظافة واضحة ومتكررة. تُعد الرسائل النصية القصيرة وسيلة واعدة لنشر المعلومات والتعليمات، كما يجب أن تكون المصادر موثوقاً بها.
ومع ذلك، تزعم بعض الحكومات في البلدان النامية أن الوباء تحت السيطرة أو أن التهديد ضئيل. هذه أوهام خطيرة.
وتلعب المؤسسات الديمقراطية دوراً حاسماً في ضمان توفير معلومات عامة ذات مصداقية، وبالتالي المساعدة على تجنب أخطاء السياسة وتمكين الاستجابة السريعة. من هذا المنظور، لا يمكن للأزمة الحالية أن تبرر التحول نحو حكم استبدادي، ما قد يؤدي إلى تفاقم أزمة الصحة العامة.
وستكون هناك حاجة أيضاً إلى دعم الاستهلاك من خلال التحويلات – نقداً إذا كانت أسواق المواد الغذائية تعمل، وعيناً إذا لم تكن كذلك. من غير المرجح أن تحظى عمليات الإغلاق من دون دعم بتأييد واسع النطاق؛ يمكن أن يكلف فرض هذه التدابير على الفقراء ثمناً باهظاً. إن عناصر الصحة والدعم هي عناصر مكملة ويعزز بعضها البعض: يجب أن تكون توصيلات الأغذية مصحوبة بالصابون.
إن البلدان التي استثمرت في الحماية الاجتماعية ستكون في وضع أفضل من تلك التي لم تفعل ذلك.
حيث يستغرق إنشاء برامج جديدة لمكافحة الفقر بعض الوقت، ولذلك على حكومات البلدان النامية البدء بالتوسع السريع في البرامج الحالية. قد يستلزم ذلك بعض التغييرات المؤقتة مثل إزالة متطلبات العمل وشروط الالتحاق بالمدارس، والتي تتعارض مع الحاجة إلى إبطاء انتشار الفيروس.
ومن ناحية أخرى، ستؤدي القدرة المحدودة لبعض الدول النامية إلى تفاقم التحديات التي تواجهها في مكافحة الوباء. بما أن الإدارة العامة أحياناً ما تكون أضعف في البلدان الفقيرة، فإن بعض التدابير التي اتخذتها الدول الغنية ببساطة ليست مجدية. يُعد التكيف مع القدرات الإدارية المحلية أمراً ضرورياً.
وبالمثل، تواجه البلدان الفقيرة قيوداً مالية أكثر قساوة. ولذلك، أخلاقياً ينبغي للدول الغنية تقديم المساعدة نظراً للوضع الاقتصادي القاهر، ولا سيما من خلال تخفيف عبء الديون. يمكنها المساعدة الآن أو تكبد تكلفة أكبر بكثير لاحقاً.
وحذرت الأمم المتحدة من أن وباء كوفيد-19يمكن أن يؤدي بسبب انعكاساته الاقتصادية المدمرة إلى تضاعف عدد المهددين بالمجاعة ليبلغ أكثر من 250 مليونا في 55 بلدا نهاية 2020 ما يهدد بحدوث كارثة إنسانية ذات بعد عالمي.
وتهدد التحذيرات الأممية من تضاعف أعداد الجياع عالميا بسبب كورونا، بوقوع كوارث إنسانية. هل تقف دول عربية أمام مجاعة محتملة الحدوث، ولماذا يرى خبراء أن اقتراح الكويت بإنشاء شبكة أمان غذائية خليجية خطوة غير واقعية؟
وتثير التحذيرات الأممية المخاوف من تضاعف أعدد الجوعى في العالم نتيجة انتشار جائحة كورونا والتغييرات المناخية والنزاعات، وكان التقرير العالمي حول الازمات الغذائية للعام 2020 والذي أصدرته الأمم المتحدة قد حذر من أن وباء كوفيد-19 يمكن أن يؤدي بسبب انعكاساته الاقتصادية المدمرة، إلى تضاعف عدد المهددين بالمجاعة ليبلغ أكثر من 250 مليونا في 55 بلدا نهاية 2020″ ما يهدد بحدوث “كارثة إنسانية” ذات بعد عالمي، بحسب البيان الصادر.
وهناك من قال إن جائحة كورونا ساهمت بشكل كبير في تغييرات اقتصادية وسياسية سنلمس آثارها على المدى القصير والمتوسط، وهناك من قال إن انتشار عدوى فيروس كورونا، والتحديات الكبيرة التي واجهت العالم في توفير المستلزمات الصحية، وانغلاق الدول على نفسها ساهم في بدء بلورة جديدة معاكسة لمفهوم السوق الحر وحرية رأس المال وهي المرتكزات التي استندت إليها العولمة وسار عليها الاقتصاد العالمي في السابق.
وإن التغيرات الكبيرة التي حصلت أعادت الاعتبار لمفهوم وظيفة الدولة ومن بينها توفير الأمن الغذائي والصحي لمواطنيها، وهو ما قد نشاهد بعضا من تأثيراته بعد انتهاء العالم من مخاطر هذا الوباء.
وكان مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد وافق منذ أيام على مقترح قدمته الكويت، يقضي بإنشاء شبكة أمن غذائي متكاملة، تهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي للبلدان الستة.
وهناك من قال إن الدول الأعضاء كلفت الأمانة العامة للمجلس بالدراسة الفنية للمقترح، وإقرار موافقة نهائية عليه عند إنجازها.
وقيل إن اجتماع وزراء التجارة، عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، تم فيها مناقشة أثر فيروس كورونا على تدفقات السلع والتجارة، وحل أي عوائق تواجه انسيابها.
ويضم مجلس التعاون لدول الخليج العربية ـالتي تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط في تمويل إيرادات موازناتهاـ كلا من السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر وسلطنة عمان.
ويبدو أن دولا إفريقية دفعت العام الفائت مجددا ثمن “انعدام الأمن الغذائي الحاد” الذي طاول 73 ملايين شخص في القارة السمراء، هم أكثر من نصف عدد سكان القارة. وبين الدول المهددة بالجوع على المدى المنظور جنوب السودان (61 في المئة من السكان) واليمن (53 في المئة م السكان) وافغانستان (37 في المئة من مجموع عدد السكان هناك)، اضافة الى سوريا وهايتي وفنزويلا واثيوبيا وجمهورية الكونغو الديموقراطية والسودان والشطر الشمالي من نيجيريا.
وخلال مؤتمر عبر الفيديو لمجلس الأمن الدولي حول هذا الموضوع، تم رسم صورة مظلمة للغاية لما ينتظر الكوكب، وحث أعلى سلطة في الأمم المتحدة على الاسراع في اتخاذ إجراءات لمواجهة ذلك.
وقيل “نحن مقبلون على جائحة الجوع.. نحن لا نواجه جائحة صحية عالمية فحسب، بل نواجه أيضا كارثة إنسانية عالمية. فالملايين من المدنيين الذين يعيشون في دول تشهد نزاعات، بما في ذلك العديد من النساء والأطفال، معرضون لخطر المجاعة، إن شبح المجاعة احتمال حقيقي وخطير للغاية”.
وأنه “وفق أسوأ السيناريوهات، يمكن أن نشهد مجاعة في حوالي 30 دولة. وفي الواقع، في عشرة من هذه البلدان لدينا بالفعل أكثر من مليون شخص في كل منها على حافة المجاعة”،
وأن ما تقدم يعود لـ”العديد من الأسباب، مثل الحروب في سوريا واليمن، وتفاقم الأزمات في دول مثل جنوب السودان. واللافت إلى وجود “821 مليون شخص ينامون جوعًا كل ليلة في جميع أنحاء العالم، وأكثر من 135 مليون شخص آخر يواجهون مستويات أزمة الجوع أو ما هو أسوأ، وهذا يعني أن هؤلاء يسيرون نحو حافة المجاعة”.
وسبق أن حذر أحدهم من تداعيات جائحة كورونا الراهنة ولاسيما بالنسبة لبعض الدول الافريقية.
وفي تصريحات إذاعية قيل “هذه الجائحة ليست الأخيرة”، بالإشارة إلى أن الجائحة الراهنة تنطوي على مخاطر تصل إلى حد سقوط الدولة بالنسبة لبعض الدول الأفريقية، وتم المطالبة بسرعة التعرف على الأخطار الصحية الجديدة وتنسيق شراء الأدوية وحملات التطعيم على مستوى العالم ومنظمة الصحة العالمية تمتلك مؤهلات جيدة لهذا”.
وفي سياق متصل قيل إن العالم قد يشهد نقصا في الإنتاج الغذائي ما بعد الجائحة، ويستشهد بهذا الأمر بأنه من الثابت علميا وتاريخيا، حدوث مجاعات بعد الأوبئة التي شهدها العالم، بيد أن الفرق بين الماضي وما يحدث الآن أن النقص في الناتج الغذائي وتوفير الطعام، كان مرده في الغالب لنقص العنصر البشري، وعدم القدرة على العمل. حاليا وبعد أن حلت التكنولوجيا محل الأيدي العاملة في الكثير من المجالات الزراعية والصناعية وفي مجالات النقل، فإن التأثير سيكون أخف على الدول القوية والمتقدمة، بيد أن سيكون قاسيا لدى الدول الضعيفة النامية.
وستشهد السنوات المقبلة إعادة في توزيع الثروات عبر العالم بحيث ستزيد من تركيز الثروة بيد الأغنياء، وسيزداد الفقراء فقرا، أن المجاعة في اليمن وسوريا وحتى بعض المناطق في العراق ستزداد ضراوتها في حال عدم وجود مبادرات جادة لمنع ذلك، إلا أنه من التفاؤل بما يخص السودان، أن الظروف المتغيرة التي تشير إلى نقص تغذية هناك لا تدعو للقلق حتى الساعة.
المصدر : وكالات