في ظل أزمة صحية يشهدها العالم ، وتحت مظلة الإجراءات الإحترازية والقيود الدينية التي فرضها فيروس كورونا المستجد ، يبدأ المصريون غدا الجمعة صيام شهر رمضان المعظم للعام الهجري الحالي ١٤٤١ ، الذي يحل رغم تلك الظروف الاستثنائية ضيفا كريما على نفوس تهفو للقائه من العام للعام عازمة على صيام نهاره وقيام ليله ، ففيه يسعد المسلمون أكثر أي وقت آخر طوال العام ، حيث يضفي البركة و الفرحة على البيوت وبين الأفراد ، يتساوى في ذلك المسلمون كافة في مشارق الأرض ومغاربها على اختلاف أجناسهم وألوانهم.
ويترقب المصريون قدوم هذا الشهر الفضيل بفيض من الشوق والاستعداد، ويدخرون له منذ وقت مبكر وقبيل حلوله كل ما طاب ، فتقوم ربات البيوت بشراء التوابل وقمر الدين والبلح والدوم والكركدية ويقومون بإعداد مكونات الشراب والخشاف ، بالإضافة إلى الياميش وغيره ، والشوربة وغيرها من مكونات المائدة الرمضانية العامرة.
وبمجرد ثبوت هلال رمضان والإعلان عن غرته ، يبدأ المصريون من المسلمين طقوسهم الرمضانية التي تستمر على مدى شهر كامل ، ويعود اهتمام المصريون بقدوم شهر رمضان لعظم الأجر فيه ، ففيه تفتح أبواب الخير لكل راغب ، وهو شهر الخير والبركات وشهر التقوى والصلاح ، ولهذا يبدأون استعداداتها لاستقباله قبل قدومه بأيام عديدة ، وتحديدا بعد ليلة النصف من شهر شعبان .
وفي هذا العام وتحت شعار “خليك في البيت ” ستكون صلاة الفروض و التراويح وقراءة القرآن وقيام الليل والإعتكاف والتهجد ، وذلك بعيدا عن بعض ما يميز الشهر من ارتياد المساجد وإقامة موائد الرحمن وتبادل الدعـوات والعزائم بين الأهـل والأصدقاء بسبب انتشار وباء كورونا الذي جعل الباحة خالية من روادها .
أضحى رمضان ٢٠٢٠ مختلفا بلا شك عن كل رمضان ، فهو هذا العام استثنائيا ، ورغم كافة القيود إلا أنه لم يقلل من حرص المصريون على التقارب والتواصل مع الله خلال هذا الشهر ، والدعاء إليه برفع هذا الوباء عن مصر والعالم أجمع الذي يعد من أقدس الأشهر عند المسلمين ، ففيه نزل القرآن الكريم ، ، ولذا سمي “بشهر القرآن ” وفرض فيه الصيام الركن الرابع من أركان الإسلام ، وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر ، وهو أحد شهور السنة القمرية الاثنتي عشرة ويسبقه شهر شعبان ويليه شهر شوال وعيد الفطر .
ويتم الإعلان عن بدايته برؤية الهلال كما يتم الإعلان عن نهايته ودخول شهر شوال برؤية هلال العيد ، وعدد أيامه تسعة وعشرين يوما ، أو ثلاثين بحسب تكون الهلال ، وقد ذكر شهر رمضان المبارك في الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة ،ويعتبر الصيام في شهر رمضان الركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة التي لا يستقيم إسلام مسلمٍ إلا بها.
ويعني الصوم الإمساك عن المفطرات من الطعام والشراب من طلوع الفجر إلى غياب الشمس ، كما يعد صيام شهر رمضان فرض على كل مسلم ومسلمة بالغين عاقلين ، ويعاقب تاركه على العكس من صيام التطوع الذي يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه ، ويأتي شهر رمضان مرة كل عام ويصومه الناس بفرح وسعادة وتنتشر البهجة والمشاعر الروحانية في الأجواء وتكثر الاجتماعات العائلية ، وجلسات السمر ويحلو السهر ، وفيه أيضا تصفد الشياطين .
ولهذا الشهر مكانة لا تعادلها في خصائصها وفضائلها أي أيام أخرى طوال العـام ، وتأكيدا لهذه المكانة العظيمة فقد خطب الرسول الكريم في الناس قائلا ” أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، شهر جعل الله صيامه فريضة ، وقيام ليله تطوعا وهو شهر الصبر ، والصبر ثوابه الجنة ، شهر المواساة من افطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار ، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء” ، قالوا يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم ، فقال يعطي الله هذا الثواب لمن افطر صائما على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن ، وهو شـهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ، ومـن سـقى صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة .
فانوس رمضان وتميمته الثابتة ، ظل صامدا أمام فيروس كورونا عاجزة عن النيل منه ، إذ يعد من أبرز مظاهر وطقوس هذا الشهر الكريم ، ويحرص الصغار والكبار على اقتنائه وجعله جزءا من زينة المنزل ، فلا يكاد أي بيت مصري يخلو من وجود فانوس رمضان ، ولهذا تتنافس المحلات في عرض الفوانيس المبتكرة بألوانها الكرنفالية المتعددة ، فتبدو وكأنها لوحات تشكيلية صارخة الأشكال والألوان .
كما ظلت المائدة الرمضانية سيدة الموقف وتحتل رأس قائمة الاهتمامات عامرة بطعامه المميز وشرابه المنعش خاصة مع حلوله وقد ارتفعت درجات الحرارة ، وتسعى ربات البيوت إلى إعداد أشهى الأطباق لتزويد أفراد العائلة بالطاقة اللازمة للصيام .
وفي مصر اعتاد الصائمون على الإفطار بعد إنطلاق مدفع الإفطار وبدء آذان المغرب ، وعرف مدفع الإفطار في العصر المملوكي ، وكانت القاهرة أول مدينة إسلامية تستخدم هذه الوسيلة عند الغروب إيذانا بالإفطار في رمضان ، والمسحراتي طقس رمضاني تاريخي ، حيث يمر المسحراتي في الساعات الأولي بعد منتصف الليل ممسكا طبلته التى يدقها بأسلوب منتظم مناديا على الأطفال بأسمائهم لايقاظهم وتشجعيهم على الصيام.
وللصيام فوائد صحية للإنسان ، فهو ينقى جسمه من السموم والفضلات المؤذية. ويريح الجهاز الهضمي من الاضطرابات والآلام والأوجاع ، كما أن له أثر نفسى إذ يكسب الصائم السمو الأخلاقي والهدوء وسيادة المشاعر الإيجابية ، ورقة القلب وبالتالي الشعور بالمحتاجين والفقراء والمساكين لأن شعور الجوع يدفع بالإنسان الشعور بغيره ، وأيضا ردع النفس عن الإقدام على ما لا يليق من الأفعال ، لنيل رضى الله عز وجل والحصول على الحسنات ودخول الجنة.
المصدر:أ ش أ