جاء تفشي فيروس “كورونا” في القارة الأوروبية ليحدث اضطراباً واسعاً في مسار المفاوضات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، والتي تستهدف التوصل إلى اتفاق تجاري يحدد شكل العلاقات المستقبلية بينهما، بعد خروج بريطانيا من الكتلة “بريكست” في 31 يناير الماضي.
وخلال الأسابيع الأخيرة، تعالت الأصوات الأوروبية التي تطالب بريطانيا بتمديد الفترة الانتقالية لما بعد ديسمبر 2020 لإعطاء مهلة كافية لمناقشة كافة القضايا التفاوضية وذلك في ضوء تفشي وباء “كورونا” في مختلف أنحاء القارة الأوروبية، والذي أعاق انعقاد جولات التفاوض في ظل حالة الإغلاق والعزل والقيود الصارمة التي تتبناها الدول الأوروبية لكبح انتشار هذا الوباء.
إضافة لذلك فقد أُصيب بعض أعضاء الفريق التفاوضي بفيروس كورونا، وعلى رأسهم كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي، ميشيل بارنييه، كما خضع نظيره البريطاني، ديفيد فروست، للعزل الذاتي بعد ظهور بعض أعراض الفيروس، فضلا عن إصابة رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، بالفيروس وتم نقله خلال اليومين الماضيين إلى إحدى المستشفيات البريطانية لتدهور حالته الصحية.
في هذا السياق، أصدرت كتلة حزب الشعب الأوروبي، التي تمثل يمين الوسط، بياناً تدعو فيه الحكومة البريطانية لتمديد الفترة الانتقالية إلى ما بعد نهاية العام الجاري.
وقال ديفيد مكاليستر، وهو نائب ألماني من المحافظين في البرلمان الأوروبي ويرأس مجموعة بريكست في المجلس، “إن تفشي الوباء يعقد الجدول الطموح أصلا لإنهاء الفترة الانتقالية” مؤكدا أن”الاتحاد الأوروبي منفتح دائما على تمديد الفترة الانتقالية، وأن الكرة الآن وبوضوح في ملعب بريطانيا”.
ومع ذلك تتمسك الحكومة البريطانية بالجدول الزمني القائم للفترة الانتقالية حيث أكدت التزامها باستكمال الانسحاب بنهاية العام الجاري، مشيرة إلى أنه “من الأفضل أن يتم ذلك وفقا لاتفاق، ولكن إذا لم يحدث (فسيتم الانسحاب) دون اتفاق”.
ويرى المراقبون أن إصرار بريطانيا على عدم تمديد الفترة الانتقالية في ظل التطورات الراهنة لن يصب في مصلحة الجانبين، وسيضع عائقاً إضافياً أمام إمكانية التوصل إلى اتفاق ينظم العلاقات الأوروبية البريطانية مستقبلا.
فمن ناحية، فترة الـ 11 شهرا المخصصة للتفاوض حول القضايا الخلافية بين الطرفين، كانت منذ البداية فترة غير كافية لتغطية كافة هذه الجوانب المهمة، وإذا أضفنا لذلك التطور الخاص بتفشي فيروس “كورونا” فإن الأمر يبدو شبه مستحيل بالنظر إلى عدم إمكانية عقد جولات للتفاوض، وصعوبة مناقشة كافة القضايا الخلافية بشكل تفصيلي عبر الاجتماعات بالفيديو، لاسيما في ظل ارتفاع أعداد المفاوضين الرئيسيين من الجانبين، وتعقيد القضايا الخلافية.
وفي 27 مارس الماضي، خلال مؤتمر صحفى للمفوضية الأوروبية، تم الإعلان عن التخلى عن جولات المفاوضات المخطط لها نتيجة لوباء كورونا، مع استمرار حكومة جونسون فى وضع نص قانوني شامل لكلا الجانبين للعمل عليه، كما تم إخبار مبعوثي عواصم الاتحاد الأوروبى بأن عقد المفاوضات عبر مؤتمرات الفيديو قد ثبت أنه مستحيل حتى الآن، ولكن سيحاول الجانبان إيجاد طريقة للحفاظ على الحوار فى الأسابيع والأشهر المقبلة لاستكمال المحادثات.
من ناحية أخرى، فإنه في حالة إصرار بريطانيا على الخروج في الموعد المحدد بنهاية العام الجاري فإن ذلك من شأنه يمكن أن يبطئ عملية تسلم المملكة المتحدة لأية أدوية قد يتم التوصل إليها لعلاج مرض “كوفيد-19″، فضلا عن المعدات الطبية اللازمة حيث إن الخروج من العملية التنظيمية للاتحاد الأوروبي يعني حرمان بريطانيا من ميزة “التقييم المستعجل” للأدوية الجديدة، وهو ما على الأرجح سيضع المملكة المتحدة على قائمة الانتظار مع دول أخرى خارج الاتحاد الأوروبي من أجل الحصول على أي أدوية جديدة، كما أنها ستدفع أكثر مما كانت ستدفعه في حال استمرار عضويتها في الاتحاد الأوروبي.
ووفقا للمراقبين فإن بريطانيا حرصت، منذ بدء أزمة “كورونا”، على اتباع سياسة مختلفة عن غيرها من الدول الأوروبية وتبني نهجاً مستقلاً بها بعيداً عن التكتل حيث اعتمدت استراتيجية ما يسمى “المناعة الجماعية” وتأخرت في فرض القيود والإجراءات الاحترازية مقارنة بغيرها من الدول الأوروبية، ولم تقم بإلغاء التجمعات أو المباريات الرياضية مع استمرار العمل بالمدارس والمؤسسات التعليمية. ولكن مع ارتفاع الهائل في أعداد الإصابات والوفيات، قررت الحكومة البريطانية فرض إغلاق تام في المملكة المتحدة لمدة ثلاثة أسابيع؛ بهدف الحدّ من تفشّي هذا الوباء، ومنعت التجمعات وخروج المواطنين إلا في حالات الضرورة القصوى، وتم إغلاق كلّ متاجر بيع السلع غير الأساسية وأماكن العبادة.
ويتوقع المراقبون أنه في حال إصرار الحكومة البريطانية على عدم طلب تمديد الفترة الانتقالية فإن ذلك سيطرح على الواجهة سيناريو “خروج بلا اتفاق” وهو السيناريو الأخطر والأسوأ لما له من تداعيات مالية واقتصادية باهظة سواء بالنسبة للتكتل الأوروبي أو للمملكة المتحدة، حيث يتوقع المراقبون أن “الخروج بلا اتفاق” سيؤدي إلى تراجع في قيمة الاقتصاد البريطاني بنسبة 5%، وتراجع في النمو الاقتصادي لمدة عشر سنوات نتيجة خسارة السوق الأوروبية التي تشمل 450 مليون مستهلك كما سيلحق أضراراً بالعديد من القطاعات منها الزراعة والنقل نتيجة فرض رسوم جمركية على التجارة مع الاتحاد الأوروبي، فضلا عن أنه سيفقد الأوروبيين سوقا كان يستورد منهم ما قيمته 400 مليار دولار.
المصدر: أ ش أ