يحيي العالم اليوم العالمي للتوحد ، حيث يركز الاحتفال هذا العام 2020 علي موضوع “الانتقال إلى مرحلة البلوغ ” ، حيث يهدف إلي الانتباه إلى القضايا ذات الأهمية المتعلقة بالانتقال إلى مرحلة البلوغ ، مثل أهمية المشاركة في ثقافة الشباب وتقرير المصير المجتمعي وصنع القرار، والحصول على التعليم بعد الثانوي والعمل، والعيش المستقل. إن كونك شخصا بالغا يعني عادة أن تصبح مشاركا كاملا ومتساويا في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لمجتمعك. ومع ذلك ، لا يزال الانتقال إلى مرحلة البلوغ يمثل تحديا كبيراً للأشخاص المصابين بالتوحد بسبب نقص الفرص والدعم المخصص لهذه المرحلة من حياتهم.
ونتيجة لذلك ، فإن إنهاء الدراسة الثانوية ، عندما يميل التعليم والخدمات المدعومة الأخرى التي تقدمها بعض الحكومات إلى التوقف ، غالباً ما يشبه “السقوط عن الهاوية”. ويلفت احتفال هذا العام إلي الانتباه إلى الحاجة إلى برامج مبتكرة مصممة لدعم الشباب المصابين بالتوحد للانتقال إلى مرحلة البلوغ ، وليصبحوا مشاركين كاملين في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ، سواء كعوامل للتغيير أو كمستفيدين.
وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2007 بالإجماع يوم 2 أبريل بوصفه اليوم العالمي للتوعية بمرض التوحد (القرار 139/62) لتسليط الضوء على الحاجة للمساعدة على تحسين نوعية حياة الذين يعانون من التوحد حتى يتمكنوا من العيش حياة كاملة وذات مغزى كجزء لا يتجزأ من المجتمع. وجري أول احتفال في 2008.
وتشمل اضطرابات طيف التوحد طائفة من الاعتلالات التي تتصف بضعف السلوك الاجتماعي والتواصل والمهارات اللغوية إلى حد ما وضيق نطاق أوجه الاهتمام والأنشطة التي ينفرد بها الشخص المعني وتتسم بتكرارها. وتظهر اضطرابات طيف التوحد في مرحلة الطفولة ولكنها تميل إلى الاستمرار في فترة المراهقة وسن البلوغ. وفي معظم الحالات تظهر الاعتلالات في أول خمس سنوات من العمر. وتندرج هذه الاعتلالات حالياً في فئة اضطرابات النمو المتفشية ضمن فئة أعم هي الاضطرابات النفسية والسلوكية في التصنيف الإحصائي الدولي للأمراض والمشاكل المتعلقة بالصحة.
واضطراب طيف التوحد مصطلح جامع يشمل اعتلالات من قبيل التوحد الطفلي والتوحد اللانمطي ومتلازمة أسبرغر. ويكون مستوى الأداء الذهني متفاوتاً للغاية ويتراوح بين حالة الاختلال الشديد والمهارات المعرفية العليا. ويعاني الأشخاص المصابون باضطرابات طيف التوحد في الغالب من اعتلالات أخرى مصاحبة تشمل الصرع والاكتئاب والقلق واضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط.
وتشير البينات العلمية المتاحة عن منظمة الصحة العالمية، إلى وجود عدة عوامل على الأرجح تزيد احتمال إصابة طفل باضطراب طيف التوحد وتشمل العوامل البيئية والوراثية. وتدل البيانات الوبائية المتاحة بشكل حاسم على عدم وجود علاقة سببية بين اللقاح المضاد للحصبة والنكاف والحصبة الألمانية واضطرابات طيف التوحد. وليس هناك أيضاً ما يدل على وجود أي لقاح للأطفال قد يزيد خطر الإصابة باضطرابات طيف التوحد. وعلى العكس، فإن عمليات استعراض البينات لدراسة العلاقة المحتملة بين مادة الثيومرسال الحافظة والمواد المساعدة المحتوية على الألومنيوم والموجودة في اللقاحات المعطلة وخطر الاصابة باضطرابات طيف التوحد قد خلصت بوضوح إلى عدم وجود أي خطر.
ومن المهم التدخل في مرحلة الطفولة المبكرة لتعزيز نمو المصابين باضطرابات طيف التوحد وعافيتهم على أمثل وجه. ويوصى برصد نمو الطفل في إطار الرعاية الروتينية لصحة الأم والطفل. ومن المهم بعد التعرف على اضطراب طيف التوحد لدى الأطفال أن تتاح لهؤلاء الأطفال وأسرهم المعلومات الوجيهة والخدمات والفرص لإحالتهم إلى المرافق المختصة ويوفر لهم الدعم العملي حسب احتياجاتهم الفردية. ولا يتوفر علاج لاضطرابات طيف التوحد إلا أن التدخلات النفسية والاجتماعية المسندة بالبيّنات مثل معالجة السلوك يمكن أن تحد من المصاعب المصادفة في التواصل والسلوك الاجتماعي وتؤثر تأثيراً إيجابياً في عافية الأشخاص ونوعية حياتهم.
وتتسم احتياجات المصابين باضطرابات طيف التوحد في مجال الرعاية الصحية بتعقيدها وتستلزم مجموعة من الخدمات المتكاملة تشمل تعزيز الصحة والرعاية وخدمات إعادة التأهيل والتعاون مع قطاعات أخرى مثل قطاعات التعليم والعمل والرعاية الاجتماعية. ومن الضروري أن تكون التدخلات التي تستهدف المصابين باضطرابات طيف التوحد وغيرها من اضطرابات النمو مصحوبة بإجراءات أوسع نطاقاً ترمي إلى جعل البيئات أيسر منالاً وأكثر شمولاً ودعماً من الناحية المادية والاجتماعية والسلوكية.
وقد تحد اضطرابات طيف التوحد بشكل ملحوظ من قدرة فرد على الاضطلاع بالأنشطة اليومية والمشاركة في المجتمع. وغالباً ما تؤثر هذه الاضطرابات تأثيراً سلبياً في إنجازات الفرد التعليمية والاجتماعية وفي فرص العمل. ويكون بعض الأفراد المصابين باضطرابات طيف التوحد قادرين على التمتع بحياة مستقلة ومنتجة غير أن بعضهم الآخر يعانون من إعاقات وخيمة ويحتاجون إلى الرعاية والدعم طيلة العمر. وتلقي اضطرابات طيف التوحد أعباء معنوية واقتصادية ثقيلة على كاهل المصابين بهذه الاضطرابات وأسرهم. وقد تنطوي رعاية الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد الوخيم على متطلبات كثيرة، وخصوصاً عندما تكون فرص إتاحة الخدمات والدعم غير كافية.
ويتعرض المصابون باضطرابات طيف التوحد في كثير من الأحيان للوصم والتمييز، بما في ذلك للحرمان المجحف من الخدمات الصحية وخدمات التعليم وفرص المشاركة في مجتمعاتهم. ويعاني المصابون باضطرابات طيف التوحد من مشاكل صحية مماثلة للمشاكل التي يعاني منها عامة السكان. وعلاوة على ذلك، قد يحتاجون إلى رعاية صحية محددة متصلة باضطرابات طيف التوحد أو اعتلالات أخرى مصاحبة. وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بأمراض غير سارية مزمنة بسبب عوامل الخطر المرتبطة بالسلوك مثل الخمول البدني وتفضيل نظم غذائية سيئة وأكثر تعرضاً لخطر أعمال العنف والإصابات والاعتداءات.
ويتطلب المصابون باضطرابات طيف التوحد خدمات صحية ميسرة لتلبية احتياجات الرعاية الصحية العامة على غرار باقي السكان، بما في ذلك خدمات تعزيز الصحة والوقاية وعلاج الأمراض الحادة والمزمنة. وعلى الرغم من ذلك، تكون معدلات عدم تلبية احتياجات الرعاية الصحية لدى المصابين باضطرابات طيف التوحد أعلى من المعدلات المسجلة لدى عامة السكان. ويكون المصابون بهذه الاضطرابات أيضاً أشد ضعفاً في حالات الطوارئ الإنسانية. وتمثل المعارف غير الكافية بشأن اضطرابات طيف التوحد والمفاهيم الخاطئة لدى مقدمي الرعاية الصحية عائقاً شائعاً.
وتشير التقديرات العالمية إلى معاناة طفل واحد كل 160 طفلاً في العالم من اضطراب طيف التوحد ، التي تظهر في مرحلة الطفولة وتميل للاستمرار في فترة المراهقة وسن البلوغ . وتمثل هذه التقديرات رقماً متوسطاً ويتفاوت معدل الانتشار المبلغ عنه تفاوتاً واسعاً بين الدراسات. ومع ذلك، أفادت بعض الدراسات المضبوطة جيداً بمعدلات أعلى بكثير. وما زال معدل انتشار اضطرابات طيف التوحد غير معروف في عدة بلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. ووفقاً للدراسات الوبائية التي أجريت على مدى الخمسين سنة الأخيرة، يبدو أن معدل انتشار اضطرابات طيف التوحد يزداد على المستوى العالمي. ويمكن تفسير هذه الزيادة الجلية في معدل الانتشار بعدة طرق ولا سيما من خلال تعزيز الوعي وتوسيع نطاق معايير التشخيص والارتقاء بأدوات التشخيص وتحسين التبليغ.
وتشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية ، أنه في الولايات المتحدة يوجد أكثر من 3 ملايين ونصف المليون شخص مصابون بالتوحد، فيما تقدر السلطات الأميركية أن 1 من كل 68 مولودا جديدا في البلاد يولدون ولديهم هذا المرض. وفي أستراليا، يقدر عدد المصابين بمرض التوحد بنحو 164 ألف شخص (1 من كل 150 شخصا)، بحسب أرقام دائرة الصحة ، غالبية هؤلاء من عمر 25 عاماً وما دون. وبحسب أرقام الأمم المتحدة، فإن حوالي 1 % من سكان العالم مصابون بمرض التوحد، أي حوالي 70 مليون شخص، مع العلم أن رقعة المرض آخذة في الاتساع. وتكشف الأرقام أن الذكور معرضون للإصابة بالتوحد أكثر من الإناث بمعدل 4 أضعاف ، إذ يصيب التوحد 1 من كل 37 طفلا ذكرا، و1 من بين كل 151 طفلة حول العالم ، و يمكن اكتشاف التوحد مبكرا، قبل سن عام، لكن في الأغلب ما يتم تشخيصه بعد سن الثالثة. ويعاني المصابون بالتوحد من تأخر في تطور اللغة، و40 % منهم لا يتحدثون ؛ كما أن معدل الذكاء لدى 44 % من المصابين بالتوحد، أعلى من المتوسط ؛ كذلك الآباء والأمهات الذين لديهم طفل مصاب بالتوحد، ترتفع نسبة إنجابهم لطفل ثان مصاب إلى 18%. و تظهر الدراسات أن بين التوائم المتطابقة إذا كان أحد الطفلين مصابا بالتوحد، فسوف يتأثر الآخر بنسبة تتراوح بين 36 إلى 95 % ، أما في التوائم غير المتطابقة فإن نسبة الإصابة للطفل الآخر، تبلغ نحو 31%.
ولا يوجد علاج طبي للتوحد ، وأن التدخل المبكر قد يساعد في تطوير مهارات التواصل لدى المصابين. وتشير الإحصائيات إلى أن ثلث المصابين بالتوحد يتواصلون بشكل غير لفظي. ويتعرض ما يقرب من ثلثي الأطفال المصابين بالتوحد الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و 15 سنة، إلى التنمر. ويظل الغرق أحد الأسباب الرئيسية لوفاة الأطفال المصابين بالتوحد في سن 14 أو أقل، وتبلغ ما يقرب من 90 % من الوفيات المرتبطة بالهروب والشرود ؛ والأطفال الذين يعانون من التوحد أكثر عرضة من غيرهم للاضطرابات الهضمية المزمنة بنسبة ثمانية أضعاف؛ كما أن ثلث المصابين بالتوحد بين سن الثانية إلى الخامسة يعانون من زيادة الوزن، و 16 % يعانون من السمنة المفرطة ؛ وتؤثر اضطرابات القلق على ما يقدر بـ 11 إلى 40 % من الأطفال والمراهقين المصابين بالتوحد ؛ والمصابون بالتوحد يعيشون أقل مقارنة بغير المصابين.
إن التدخل المبكر يساعد على تطوير مهارات الاتصال لدى المصابين بالتوحد ، حيث أن تكلفة رعاية طفل مصاب بالتوحد نحو 60 ألف دولار سنويا، وتزيد التكاليف في حال كان الطفل معاقا ذهنيا، وبعد وصول المصاب مرحلة البلوغ.
وتشير الإحصائيات الخصة بمنظمة العمل الدولية ، إلي أن 80% من مرضى التوحد عاطلين عن العمل، لتكون هذه الخسارة بشقين، الأول خاص بالمرضى وعدم وجود المساواة، والأخر بأرباب العمل الذين يخسرون قدرات هؤلاء الأشخاص الهائلة وتسخيرها في العمل، فمرضى التوحد لديهم قدرات هائلة مثل التفكير المنطقي والاهتمام بأدق التفاصيل. ومن أجل إعادة الأمور إلى المسار السليم يجري العمل الان، على دمج مرضى التوحد بسوق العمل والاستفادة من قدراتهم.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)