بذهاب فيروس كورونا المستجد (كوفيد ١٩) للتفشي والتمدد في اتجاهات متعددة، وبسرعة مذهلة خارج الصين وداخلها، وتسجيله ارتفاعا جديدا في معدلات الإصابة به، بدأت مرحلة جديدة تتسم بالكثير من عدم اليقين العالمي على الصعيدين الصحي والاقتصادي، ففي المجال الصحي بدأ الفيروس في الإنتشار عالميا أكثر وأسرع مما كان متوقعا، مع عدم التوصل حتى الآن لعلاج ناجع له، أو لقاح يكسب الجسم مناعة ضده، فضلا عن التضارب في مسببات العدوى به.
وعلى الصعيد الإقتصادي.. بات الفيروس الذي ضرب حتى الآن حوالي ٦٠ بلدا، مهددا مظاهر العولمة الإقتصادية بالإعياء، وذلك على ضوء ترقب حذر وقلق بشأن إنتشار الفيروس، وتأثيراته وتبعاته الإقتصادية بالغة الحدة والقسوة، فبالتزامن مع ارتفاع عدد المصابين والوفيات فقدت الأسواق العالمية مئات المليارات من الدولارات، وهبطت التعاملات في العديد من البورصات، وتراجع التصنيع ومعدلات النمو في الدول التي تمثل بؤر انتشار المرض، وألغيت التجمعات في الأماكن المغلقة، والمعارض العالمية في عواصم أوروبية، وحظرت الأسواق الشعبية والمهرجانات، وانكمشت حركة السياحة والسفر، وأغلقت بعض المدارس ودور الحضانة.
الإعياء المتوقع في العولمة الاقتصادية بسبب فيروس كوفيد ١٩، يرجع لكونه يشل حركة العولمة في النظام الاقتصادي، التي تتأثر بإحداث زيادة في العروض الحجمية التي تساعد على تخفيض التكلفة الإنتاجية، وهذا الأمر يكون بشكل أكبر في الشركات الكبيرة التي تمتد خدماتها على نطاق واسع في دولة واحدة أو أكثر من دولة، فتؤثر بشكل مباشر على الحياة الاقتصادية للدول، وتؤدي إلى توسع الأنظمة الإقتصادية لتصبح أنظمة اقتصادية متكاملة وذات طابع عالمي تشاركي بين العديد من الدول حول العالم، وتتجه الشركات والجهات الإستثمارية المحلية إلى الأسواق الإقليمية، فتعزز حركة التبادل التجاري، وتتيح فرصا استثمارية جديدة لم تكن متاحة من قبل، وتنشأ أسواق استهلاكية جديدة تساعد على انتشار السلع والخدمات لتصل إلى النطاق الإقليمي أو الدولي.
أسباب ثلاثة رئيسية تشير إلى تأثر الإقتصاد الصيني والعالمي بالفيروس وهي، أولا أن الصين هي البؤرة المركزية لانتشار المرض حيث يشل الفيروس المحركات الرئيسية للإقتصاد الصيني بالمصانع المغلقة والاستهلاك شبه متوقف، وثانيا أن النشاط الصناعي في الصين انكمش في تلك الفترة لأدنى معدل له، ويمثل قطاع التصنيع المتوقف نحو ثلث الإقتصاد الصيني، وثالثا لأن اقتصاد الصين يشكل حاليا نسبة ١٩% من الاقتصاد العالمي وبالتالي فإن اقتصادها يؤثر في الاقتصاد العالمي ويلقي بتداعياته عليه٠ يمثل قطاع التصنيع المتوقف في الصين ثلث الاقتصاد الصيني تقريبا، ويكمن الخطر في أن يؤدي الفيروس إلى توقف الإنتاج وفرض قيود على التحرك خارج منطقة آسيا والمحيط الهادي.
ورغم ذلك تتجه الأوساط الإقتصادية العالمية إلى ضرورة التريث قبل تقييم أثر الفيروس على الاقتصادين الصيني والعالمي، حيث الأمل في وجود فرصة لاحتواء الفيروس، الأمر الذي قد يدفع بكين إلى تعزيز تدابير تحفيز الاقتصاد، ويعزز الأمل في تعافي الاقتصاد الصيني بسرعة مع استعداد المصانع للتعويض عن الوقت الضائع وإعادة تزويد المستودعات بالبضائع، حيث التوقع بأن يعقب الهبوط الحاد في الأنشطة الاقتصادية في الصين انتعاش سريع.
تداعيات انتشار الفيروس ألقت بظلالها فى إيطاليا حيث توقع مسئول في قطاع صناعة الملابس والأزياء أن يشهد القطاع تراجعا في الأرباح بنسبة 1.8 % في النصف الأول من العام الحالي مما سيؤثر على المبيعات، فيما حذرت إحدى شركات صناعة الحلي الدانماركية أنها أغلقت متاجرها في الصين، أكبر سوق في العالم لمنتجات الرفاهة، مما زاد المخاوف من أن القطاع قد يتكبد خسائر فادحة في المبيعات إذا لم يتم احتواء المرض سريعا.
فكرة انتعاش سريع للاقتصاد العالمي ليست واردة، وذلك لا يلغي فكرة أنه قد يتحسن، حتى ولو أدت الأزمة الصحية إلى انخفاض في النصف الأول من العام وليس فقط في ربعه الأول، كما توقع الاقتصاديون.
المصدر : أ ش أ