رغم أنه متناهي في الصغر في الطول والحجم اللذين لا يتجاوزا بضعة عشرات من النانومتر، إلا أن “فيروس كورونا المستجد” نجح بامتياز في نشر الذعر في العالم مهددا البشر والاقتصاد على حد سواء، ومسجلا أخطر حالة طواريء صحية في الصين وعدد من دول العالم.
وحتى الآن لم تفلح الجهود في السيطرة عليه، ونطاق التفشي الحالي له يشير إلى “قدرة ذاتية” للفيروس على الانتقال من إنسان إلى إنسان، وهناك مجموعة كبيرة من الأعراض التي تظهر مع الإصابة بفيروسات كورونا، مثل الحمى والسعال وضيق التنفس وصعوبته، وفي حالات الإصابة المعتدلة يمكن أن تتسبب الفيروسات في أعراض شبيهة بنزلات البرد، في حين أن الحالات الحادة قد تسبب الالتهاب الرئوي، ومتلازمة الالتهاب الرئوي الحاد (سارس)، والفشل الكلوي وتفضي إلى الوفاة.
الحيرة التى سببها الفيروس المستجد للعلماء، ترجع لكونه نوعا جديدا نتج عن التحول الجيني لفيروس قديم، ولا يوجد لقاح ضده، ولا تتوفر معلومات كافية عنه، وتتضارب الاستنتاجات بشأنه، فما يكاد الباحثون يتوصلون إلى حقيقة علمية إلا ويثبت واقعيا عكسها، وفيروسات “كورونا التاجية” عائلة من الفيروسات اشتق اسمها من شكلها كما تبدو تحت المجهر، فهي ذات أسطح كروية ومغطاة بزوائد تشبه التيجان.
المعركة بين الإنسان والفيروسات بصفة عامة هي معركة ضد مستعمر متناهي في الصغر، ويسجل التاريخ ظهور الكثير من الفيروسات التي سببت أمراضا خطيرة للإنسان، منذ اكتشافها عام ١٨٩٨، ومنها “فيروس الجدري” الذي دمر العديد من المجتمعات على مر التاريخ قبل استئصاله، وفيروس شلل الأطفال، ومنها أيضا حديثا فيروسات الإيبولا، الإيدز، إنفلونزا الطيور والسارس، وتعتمد سرعة انتقال العدوى الفيروسية على عوامل تشمل كثافة السكان، عدد الأفراد المعرضين للإصابة (أولئك الذين ليسوا في مأمن)، ونوعية الرعاية الصحية والطقس.
ومعركة ” فيروس كورونا المستجد” داخل جسم الإنسان، هي واحدة من تلك المعارك، التي تتسم جميعا بأنها “معركة من أجل البقاء”، مثله فى ذلك مثل سائر الفيروسات الكثيرة التي تصيب الإنسان، إلا أنه في علم الفيروسات والأوبئة يوجد أنواع من الفيروسات تفرض سطوتها بقوة، وتنال شهرة عالمية بقدر ما تجذبه من اهتمام واسع النطاق يتساوى مع حجم ما أحدثته من أضرار بشرية وإقتصادية.
وتوصف معركة الفيروس مع الإنسان بأنها معركة من أجل البقاء، لأن الفيروس لا يمكنه أن ينتقل من مكان لأخر دون أن يسكن جسم كائن حي، يستعمره ويعيد برمجة خلاياه لإنتاج فيروسات جديدة، حيث يجعل بروتينات خلاياه جزءا طبيعيا من تركيبه الفيروسي، ولهذا فإن الفيروسات تعتبر إحدى أهم المعضلات التي تواجه التصنيف الحيوي، فهي لا تمثل كائنات حية لكنها بالمقابل تبدي بعض خصائص الحياة مثل القدرة على التضاعف والتكاثر بالاستعانة بخلايا المضيف التي تم السيطرة عليها.
“كائنات على حافة الحياة” هو الوصف الذي توصل إليه علماء علم التصنيف للإشارة به إلى الفيروسات، وذلك بعد اختلاف الآراء حول كونها (كائنات حية) أو (بني عضوية) تتفاعل معها، نظرا لأنها تشبه الكائنات الحية بامتلاكها جينات، وتتطور عن طريق الانتقاء الطبيعي، وتتكاثر عن طريق إنشاء نسخ متعددة لنفسها بواسطة عملية تجميعية، وفي ذات الوقت لا تملك بنية الخلية، التي غالبا ما ينظر إليها على أنها الوحدة الأساسية للحياة، كما أنه ليس للفيروسات أيض خاص بها، بل تتطلب خلية خارجية تقوم نيابة عنها بعملية الأيض وإنتاج مواد جديدة.
“المناعة الطبيعية” في الجسم، ونظامها الذي يضم الخلايا وغيرها من الآليات التي تدافع عن الإنسان ضد العدوى بطريقة غير محددة، هو خط دفاع الجسم الأول ضد الفيروسات، وهذا يعني أن خلايا نظام المناعة الطبيعية تتعرف وتستجيب لمسببات الأمراض بصورة عامة، فإذا كانت ضعيفة تكون غير قادرة على منح وقاية أو مناعة طويلة الأمد.
وفيما لايكون للمضادات الحيوية أي تأثير على الفيروسات، فإنه يتم تطوير أدوية مضادة للفيروسات، كما يمثل التطعيم باللقاحات المضادة الوسيلة الرخيصة والفعالة للوقاية من عدوى الفيروسات، حيث تم استخدام اللقاحات لمنع العدوى الفيروسية قبل وقت طويل من اكتشاف الفيروسات الفعلية، وأدى استخدامها إلى انخفاض كبير في معدلات الاعتلال (المرض) والوفيات المرتبطة بالعدوى الفيروسية مثل شلل الأطفال والحصبة والنكاف والحصبة الألمانية.
ويمكن للقاحات أن تتكون من فيروسات حية موهنة، ميتة أو بروتينات فيروسية (مستضدات)، التي يتم عزلها بطرق مختلفة للكيمياء الحيوية، واللقاحات التي تحتوي على نماذج حية ضعيفة من الفيروس لا تسبب المرض لكنها تمنح جسم الكائن الحي الحصانة اللازمة لمقاومة المرض والإفلات من براثن فيروساته.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)