تتجه الولايات المتحدة إلى إيقاف أنشطة تبادل المعلومات الاستخبارية مع تركيا، التي تتم تحت مظلة حلف شمال الأطلنطي الذي تُعد تركيا عضوا فيه وتنحصر في المقام الأول على المعلومات المتعلقة بالنشاط الكردي الموجه ضد تركيا.
وكشفت دورية “انتلجنس” أونلاين الأمريكية المتخصصة في الشأن الاستخباري أن اتفاق تبادل المعلومات المخابراتية بين واشنطن وأنقره يعود تاريخه إلى عام 2007 وينصب على المنظمات الكردية الانفصالية التي تناصب أنقرة العداء.
وبحسب الدورية الأمريكية فقد كانت عادة لا تتم الإشارة إلى هذا النوع من التعاون بين واشنطن وأنقرة في الصحف ووسائل في كلا البلدين نظرا لحساسيته، لكن السياسات التركية الرعناء الراهنة في سوريا وليبيا ومياه المتوسط نبهت الإدارة الأمريكية إلى خطورة الاستمرار في هذا النوع من التعاون مع أنقرة بعكس ما كان عليه قبل تولي أردوغان السلطة في تركيا كرئيس للحكومة وبعد ذلك رئيس للدولة وانكشاف مخططاته الإقليمية.
ويعد حزب العمال الكردساني “بي كي كي” على رأس قائمة المنظمات الكردية المعادية لأنقرة، وفي عام 1997 أدرجت كل من واشنطن وأنقرة الحزب ضمن قوائم المنظمات الإرهابية لكلا البلدين ومن ثم تعاونتا في التصدي لأنشطة هذا الحزب بأوجه عديدة من أهمها تبادل المعلومات الاستخبارية حول نشاطه.
ووفق هذا الاتفاق كانت الاستخبارات الأمريكية تقوم بأنشطة استطلاع وجمع معلومات عن قيادات حزب العمال الكردستاني وأنشطته وخططه وإبلاغ أنقرة بها، كذلك كانت الطائرات الأمريكية المسيرة تنفذ عمليات استطلاع تستهدف “بي كي كي” في المناطق المتاخمة للحدود التركية العراقية و التركية السورية ، و عادة تنطلق تلك العمليات الاستطلاعية من قاعدة انجريلك جنوب تركيا والتي تتخذها القوات الأمريكية منطقة تمركز لها في إطار ترتيبات أمن حلف شمال الأطلنطي على الأراضي التركية.
وكشفت الدورية الأمريكية أنه اعتبارا من شهر أكتوبر من العام الماضي بدأت واشنطن تنفض يدها شيئا فشىء من هذا النوع من التعاون مع أنقرة بعدما قامت القوات التركية بالتصعيد في مناطق “خفض التصعيد” في المناطق الحدودية بين جنوب تركيا والأراضي السورية الشمالية التي توغلت فيها القوات التركية عسكريا وارتكبت انتهاكات ترقى إلى جرائم حرب في معاقل أبناء العرقية الكردية في شمال سوريا ومن بينها إجبارهم عن الخروج من تلك المناطق بهدف أن تبقيها أنقره حزاما امنيا خالصا لجنوبها تصول وتجول فيه إن شاءت وهوما تؤكده التقارير الإخبارية الغربية.
ونقلت الدورية الأمريكية عن مسئولين في البنتاجون تأكيدهم أن الخروقات التركية الأخيرة للأراضي السورية في منطقة إدلب وما صاحبها من انتهاكات قد كتبت نهاية التعاون في مجال التبادل المعلوماتي الاستخباري بين واشنطن وأنقره وكذلك التعاون العملياتي العسكري.
وفي السياق ذاته، علقت دورية “ميليترى تايمز” الأمريكية المتخصصة في الشأن العسكري والدفاعي بالقول إن إنهاء برنامج التعاون السرى للتجسس باستخدام الطائرات المسيرة من قاعدة “انجرليك” التركية سيكون وسيلة للحكم على القوة الذاتية لأجهزة الاستطلاع وجمع المعلومات التركية في العمل على جبهتين في سوريا وليبيا متوقعه أن تفشل تركيا في القيام بذلك.
وتوقعت الدورية الأمريكية أن يكون للتوغل التركي في سوريا تأثيره الحتمي على القدرة العملياتية لأنقرة إذا قررت الانغماس بصورة أكبر في الملف الليبي الشائك، كما اعتبرت الدورية أن الإجراء الأمريكي سيجعل فاتورة متابعة أنشطة أكراد شمال سوريا والتنظيمات الانفصالية المسلحة التابعة لها أكثر كلفة على النظام التركي، وأكثر صعوبة أيضا.
ويقول المراقبون إن إنتاج تركيا للطائرات المسيرة من طراز “بيرقدار” بدءا من العام 2000 لن يكون كافيا لتعويض الاعتماد التركي السابق على الطائرات المسيرة الأمريكية والإسرائيلية في تنفيذ أنشطة الاستطلاع على الأكراد لحساب أنقرة.
ومن الناحية الفنية لم تثبت الطائرات المسيرة من طراز “بيرقدار” كفاءة من تنفيذ مهامها وهي الطائرات التي أنتجتها تركيا بتمويلات قطرية وبخبرة أوكرانية وبلغ عددها 86 طائرة أنتجتها تركيا حتى يوليو من العام الماضي 2019.
وكانت العلاقات التركية الأمريكية قد توترت في العام الماضي بسبب إصرار أنقرة على التسلح بمنظومات “إس – 400” الروسية الصنع وهو ما ترتب عليه إخراج تركيا من برنامج إنتاج المقاتلات الأمريكية “إف – 35” برغم هزالة الإسهام التركي فيه، كما أوقفت واشنطن تدريب الطيارين الأتراك في القواعد الجوية الأمريكية وقامت بطردهم.
وتعد كتائب الدفاع الشعبي الكردية “البشمركة” أحد المنظمات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة في الحرب على “داعش” في سوريا ومناطق من العراق وهي الكتائب ذاتها التي بدأت أنقرة تقلق من تصاعد قوتها و تقاربها مع واشنطن، وصنفتها استخبارات أردوغان كمنظمة إرهابية.
وقد بدأ حزب العمال الكردستاني عمله المسلح ضد تركيا في العام 1984 سعيا لانفصال جنوب شرق البلاد ذو الأكثرية العرقية الكردية والتي تشكل نسبة 20 في المائة من الشعب التركي، ومنذ بدء النضال المسلح لحزب العمال الكردستاني سقط ما لا يقل عن أربعين ألف قتيل مصرعهم في اشتباكات بين الجانبين.
وقد كبد هذا الصراع الطويل الخزانة التركية مليارات الدولارات لتمويل عمليات الاستهداف لجبال “كيندال” الواقعة في جنوب تركيا والتي تتركز فيها معسكرات تدريب قوات حزب الشعب الكردستاني وهي العمليات الاستهدافية التي تطورت في أوقات كثيرة أن حملات عسكرية شنتها القوات التركية في مناطق شمال العراق و شمال سوريا.
وفي كل تلك العمليات كثيرا ما عاونت الطائرات المسيرة الأمريكية والإسرائيلية القوات التركية في تحقيق عمليات الاستهداف أو جمع المعلومات خلال تسعينيات القرن الماضي حيث كان التعاون الاستخباري على أشدته بين تركيا وإسرائيل.
المصدر:أ ش أ