10 أيام مضت على مغادرة بريطانيا رسميا للاتحاد الأوروبي ووقوع ما عرف بـ “بريكست”، هذا الحدث التاريخي الذي زلزل أركان القارة الأوروبية وشكل سابقة في تاريخ هذا التكتل، ودشن فصلا جديدا في العلاقات بين لندن وبروكسل بعد 47 عاما من العضوية المتعثرة.
يبدو أن بريطانيا والاتحاد الأوروبي يواجهان حاليا التحدي الأصعب في علاقتهما المستقبلية والمتعلق بالمفاوضات التجارية بينهما وضرورة التوصل إلى اتفاق قبل انتهاء الفترة الانتقالية في 31 ديسمبر المقبل، والتي ستظل بريطانيا خلالها داخل الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، دون أن تكون ممثلة في المؤسسات السياسية للاتحاد.
ويبدو المشهد الحالي ملبدا بالغيوم حيث بدا واضحا أن جولات التفاوض ستواجه صعوبات عدة في ظل تباين وجهات النظر بين الطرفين.
فمن ناحية، أظهرت بريطانيا عزمها على التخلص من قواعد الاتحاد الأوروبي بعد إتمام “بريكست”، ورفض رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إصرار الاتحاد على التزام بلاده بقواعد التكتل مقابل الحصول على مميزات تفضيلية للوصول إلى الأسواق الأوروبية.
ومن ناحية أخرى، أكد كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي ميشيل بارنييه، أن التكتل يمكن أن يقدم لبريطانيا اتفاقا تجاريا “طموحا للغاية” يتضمن إلغاء التعريفة الجمركية وتحديد حصص، بشرط قبول بريطانيا معايير الاتحاد الأوروبي.. محذرا من أن بروكسل لن تقبل “بميزات تنافسية غير منصفة”.
وأشار بارنييه إلى أن الاتحاد الأوروبي سيطالب بشروط مشددة فيما يتعلق بصيد الأسماك وبفرص متساوية للأعمال التجارية، والذي توقع أن يكون من أبرز القضايا الخلافية في المفاوضات، حيث يطالب صيادو السمك البريطانيون بمنع نظرائهم في الاتحاد الأوروبي من استخدام المياه البريطانية، لكنهم يريدون في الوقت ذاته المحافظة على الاتحاد الأوروبي كسوق رئيسي لصادراتهم من الأسماك.
والواقع أن ملف المفاوضات بين بريطانيا وأوروبا معقد للغاية للعديد من الأسباب أبرزها أنه يتناول عدة قضايا خلافية منها التجارة في السلع والخدمات، حماية البيانات، والمشاركة في البرامج النووية للاتحاد الأوروبي والمجموعة الأوروبية للطاقة الذرية “يوراتوم”، والملكية الفكرية، والمشتريات العامة، وتنقل الأشخاص، والطيران، والنقل البري، والطاقة، ومصائد الأسماك، والتعاون القضائي، والتعاون في السياسة الخارجية، والأمن الإلكتروني.
وفي الوقت الذي تعتبر فيه المفاوضات التجارية هي حجر العثرة الرئيسي بين الطرفين، يتوقع أن تثير المسائل الأمنية مشكلات لا تقل أهمية عن التجارة، حيث تحظى بروكسل في الملف الأمني بامتياز يمكنها أن تستخدمه للمساومة به أمام لندن في ملفات أخرى، خاصة في ظل الاهتمام الذي توليه الحكومة البريطانية بمنع التهديدات الأمنية المحتملة، والذي قد ينتج من تسرب عناصر متطرفة أو أسلحة للقيام باعتداءات داخل بريطانيا.
علاوة على ذلك يبدو من غير المنطقي التوصل إلى اتفاق حول كل هذه القضايا خلال الفترة الانتقالية البالغة 11 شهرا، والتي صمم جونسون على عدم تمديدها إلى ما بعد 31 ديسمبر 2020، وهو ما يشكل عنصرا ضاغطا على سير عملية التفاوض.
ويتوقع المراقبون أن تشهد المرحلة المقبلة معركة محتدمة بين لندن وبروكسل. فبريطانيا تسعى إلى التوصل لاتفاق بين “طرفين متساويين في السيادة”، لاسيما أنها حاليا في مرحلة إعادة صناعة هويتها اقتصاديا واجتماعيا بعد وقوع “بريكست”، كما أنها تريد استعادة مكانتها على الساحة الدولية بعيدا عن إملاءات بروكسل التي مثلت مركز صناعة القرار الأوروبي على مدار عقود.
وهذه الرؤية البريطانية غير قابلة للتطبيق، فمع الإقرار بأهمية بريطانيا كشريك تجاري رئيسي للاتحاد الأوروبي إلا أنه من الصعب القول إن علاقتهما بين “كيانين متساويين”. فالاتحاد الأوروبي مكون من 27 دولة وحجم اقتصاده يبلغ تقريبا ستة أضعاف اقتصاد المملكة المتحدة، وهو ما يجعل المقارنة بين الطرفين غير متكافئة.
في المقابل تسعى بروكسل إلى استخدام “بريكست” باعتباره فرصة سانحة لتعزيز التكامل الأوروبي الداخلي للحفاظ على صورة “أوروبا قوية” وعدم إعطاء فرصة لأي دول أخرى للمغادرة، لذلك لا يتوقع أن يظهر الأوروبيون مرونة أمام البريطانيين في عملية التفاوض والتي من المتوقع أن تشهد تعثرا قد يفضي في النهاية إلى “بريكست بلاتفاق” وهو السيناريو الأخطر الذي تخشى من وقوعه مختلف الأوساط في كل من بريطانيا والكتلة الأوروبية.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)