تبقى الفنانة الراحلة ماجدة الصباحي، من بين الأكثر تنوعا ونضجا في أدوارها السينمائية، بداية من أدوار المراهقة التي أجادتها، مرورا بأدوار فتاة الأحلام، وصولا إلى أدوار الزوجة والأم.
وإلى جانب كل تلك الأدوار لم تتجاهل الفنانة الراحلة الأدوار بالأفلام الحربية، إلى جانب الأعمال الدينية، ولعل الأكثر ما يلفت الانتباه إجادة الشخصيات بشكل مثير للدهشة والإعجاب معا.
الفنانة، التي رحلت عن عالمنا الخميس، من مواليد طنطا حصلت على شهادة البكالوريا الفرنسية، وجاء دخولها إلى السينما محض صدفة، لكنها تمسكت بها وأخفت التجربة عن أسرتها في البداية، فهي تنتمي لعائلة الصباحي بمحافظة المنوفية والتى تمتلك العديد من الأملاك بقرية مصطاى التابعة لمركز قويسنا.
وكان من الصعب حينها الحصول على موافقة أسرتها على الدخول إلى مجال الفن، فقد كان والدها من كبار موظفي وزارة المواصلات.
وعفاف علي كامل أحمد عبدالرحمن الصباحي، وهو اسمها الحقيقي، كانت أثناء دراستها بمدارس الراهبات، وقبل أن تكمل سن 15 عاما، في رحلة مدرسية إلى استوديو شبرا.
هناك شاهدها المخرج سيف الدين شوكت، ووجد فيها مواصفات الفتاة التي يبحث عنها لتقوم ببطولة فيلم “الناصح” عام 1949 أمام إسماعيل ياسين، وافقت الفتاة دون أن تخبر أسرتها وصورت الفيلم سرا وفي مواعيد المدرسة.
وجاءت الظروف كاملة في خدمتها حيث كانت والدتها مريضة تجري جراحة داخل إحدى المستشفيات، ووالدها فى عمله طوال الوقت، وشقيقها توفيق منشغل بأعماله التجارية وشقيقها مصطفى طالب بكلية الشرطة، بينما شقيقتها الكبرى مشغولة مع خطيبها فى التجهيز لتحضيرات الزواج.
غير أن الخبر سرعان ما وصل إلى أسرتها عند عرض الفيلم، وهنا اضطرت الفتاة لمصارحة والدتها، بعد خروجها من المستشفى، انهارت الأم، وأنقذتها الأم من الأب الذى أراد قتلها.
كما قررت الأسرة رفع دعوى قضائية على الفيلم ومنتجه يتهمونه باستغلال فتاة قاصر، وتم وقف عرض الفيلم بقرار من النيابة، حتى توسل المخرج للأب ليتنازل عن القضية ويوافق على عرض الفيلم لأنه سيخسر كل أمواله، وبعد عناء وافق الأب بشروط صارمة، وحينها حقق نجاحا كبيرا.
وهنا كانت البداية قبل أن تنطلق في سماء السينما وتصبح سريعا واحدة من أبرز النجمات وفتياة الأحلام خلال خمسينات وستينات القرن الماضي، ويتواصل مشوارها الفني على مدى 49 عاما، قدمت خلالها عشرات من أبرز أفلام السينما المصرية.
لعل من أبرز الأعمال التي قدمتها الراحلة للسينما “الرجل الذي فقد ظله، التي كتب روايتها فتحي غانم، وجسدت ماجدة في هذا الفيلم دور “مبروكة” الخادمة، وشاركها البطولة كمال الشناوي، صلاح ذو الفقار، نيللي، وأخرج الفيلم كمال الشيخ.
ولا يمكن نسيان فيلم “النداهة” الذي لعبت فيه دور ريفية تنزح للقاهرة برفقة زوجها، وتصطدم باختلاف الطباع، ويدور الفيلم حول التفاوت الطبقي والثقافي بين المصريين، وهو بطولة شكري سرحان، إيهاب نافع، ميرفت أمين، ومأخوذ عن رواية للأديب الكبير يوسف إدريس، وأخرجه حسين كمال.
كما خاضت الفنانة الراحلة تجربة الأفلام الحربية بفيلم “العمر لحظة”، الذي تدور أحداثه عقب نكسة يونيو 1967، حيث تعيش الصحفية نعمت الجانب الساخن من حياتها، مع زوجها عبد القادر رئيس تحرير إحدى الجرائد التي تعمل بها محررة.
واهتمت بالعمل التطوعي في إحدى المستشفيات، حيث تتعرف على مجموعة من المقاتلين ومنهم محمود ضابط الصاعقة الذي يعاني من متاعب مع زوجته، وآخرين وهبوا أنفسهم لخدمة الوطن، صارت نعمت تحمل رسائلهم وتحل مشاكلهم. وتسافر إلى الجبهة لرفع الروح المعنوية.
وهناك كذلك فيلم “السراب” المأخوذ عن رواية لنجيب محفوظ، ويعد هذا الفيلم من أول الأفلام العربية التي ناقشت قضية “العجز الجنسي”، وشارك في الفيلم نور الشريف، تحية كاريوكا، عقيلة راتب، رشدي أباظة، وأخرجه أنور الشناوي.
إلى جانب فيلم “أنف وثلاث عيون” والذي تدور قصته حول طبيب متعدد العلاقات النسائية، ويعرض الفيلم أنماط مختلفة من البشر، وهو من بطولة محمود ياسين، نجلاء فتحي، ميرفت أمين، وقصة الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، وأخرجه حسين كمال.
أما آخر فيلم قدمته الراحلة للسينما فهو “نسيت أني امرأة” عام 1994، وهو مأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه للأديب الكبير إحسان عبد القدوس، وشاركها البطولة سمير صبري، فؤاد المهندس، أشرف سيف، وأخرجه عاطف سالم.
لم تكتف الراحلة بالتمثيل لكنها أسست شركة إنتاج قدمت من خلالها العديد من الأفلام الخالدة، بينها “جميلة”، “هجرة الرسول”. وخاضت تجربة إخراج وحيدة في فيلم (من أحب) الذي أنتجته وأخرجته وشاركت في كتابته مع صبري العسكري ووجيه نجيب عام 1966.
وقد مثلت مصر في معظم المهرجانات العالمية وأسابيع الأفلام الدولية واختيرت كعضو لجنة السينما بالمجالس القومية المتخصصة.
وحصلت على العديد من الجوائز من مهرجانات دمشق الدولي وبرلين وفينيسيا الدولي، إلى جانب جائزة وزارة الثقافة والإرشاد.
وعن مسيرتها الفنية،يقول الناقد الفني طارق الشناوي إن مشوار الفنانة الراحلة ماجدة كان مليئا بالتحديات، ورغم ذلك كان لديها إصرارا كبيرا على النجاح، فبالرغم من تحفظ أهلها على دخولها مجال التمثيل، إلا أنها حققت طموحها وغيرت اسمها “عفاف” إلى “ماجدة”، لكي تخوض تجربة التمثيل، وحققت نجاحا جماهيريا في جميع الأعمال الفنية التي شاركت فيها.
وأشار الشناوي إلى أن الفنانة الراحلة أنتجت نحو 10 أفلام سينمائية ضمن 70 عملا سينمائيا شاركت في بطولتها، وتناولت العديد من القضايا التي تعبر عن هموم الوطن وفي مختلف الموضوعات من بينها فيلما “جميلة بو حريد” و”العمر لحظة”، إلى جانب موضوعات تتسم بالجرأة في أفلام “السراب” و”المراهقات” و”أنف و3 عيون”.
ولفت الشناوي إلى أنه على الرغم من أن الفنانة الراحلة تعرضت للعديد من الشائعات نتيجة شهرتها ومواقفها الوطنية،إلا أن تلك الشائعات لم تؤثر على علاقتها مع جمهورها لأنها كانت تتمتع بحس وطني ومصداقية في أدائها.
من جانبه، قال الناقد الفني محمد قناوي إن رحيل الفنانة ماجدة خسارة كبيرة للوسط الفني، فالنجمة الراحلة كانت تتمتع بإنسانيات كبيرة، لا تقل عن كونها فنانة كبيرة، فلم تكن الراحلة نجمة تتطلع لحصد البطولات وتتربح من الفن، لكنها كانت عاشقة كذلك للسينما وكل ما ربحته من الفن السابع، دخلت به عالم الإنتاج في مغامرة لم يقدم عليها أحد من أبناء جيلها، فقدمت فيلمي “جميلة بوحريد” و”العمر لحظة”،وتلك النوعية من الأعمال السينمائية ليست تجارية.
وأضاف قناوي”أثرت الفنانة الراحلة ماجدة صناعة السينما بما قدمته من أعمال ناجحة،وبرعت في تقديم الفتاة البسيطة ونموذج المرأة العربية بشكل غير تقليدي،وحرصت على التنوع في أدوارها رغم أن صناع السينما كانوا يحصرونها في أدوار الفتاة الرومانسية الحالمة”.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)