رغم كل الجهود المبذولة خلال العام الحالي (٢٠١٩)، الذي يستعد للرحيل، إلإ أن التغيرات المناخية مازالت مستمرة بوتيرتها المتسارعة، تنتقل من محطة لأخرى من محطات التلوث المناخي المسبب لتقلبات مناخية غريبة وسريعة تشهدها مختلف مناطق العالم بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، وزيادة نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي المحيط بكوكب الأرض، والذي حولها إلى ما يشبه الصوبة الزراعية.
ويسمى ثاني أكسيد الكربون بغاز الاحتباس الحراري، وهو الأكثر انتشارا بين جميع الغازات الدفيئة التي تنتجها الأنشطة البشرية، والتي تعزي إلى حرق الوقود الأحفوري، ويحذر العلماء من أن ارتفاع مستويات هذا الغاز في الجو سيؤدي إلى عشرات آلاف الوفيات سنويا، وله تأثيرات ضارة على الصحة العقلية للإنسان، إلى جانب ارتفاع منسوب البحار والمحيطات، ويتسبب في ارتفاع درجات الحرارة.
سيول وفيضانات وأعاصير، زلازل وأمواج وتسونامي، حرائق غابات، مشاكل بيئية وزيادة التصحر، كلها كوارث طبيعية زجت بالتغيرات المناخية في قفص الاتهام، مضافا إليها جريمة جديدة تمثلت في شكل جديد لحرب خفية يستخدم فيها المناخ كسلاح قادر على إضعاف أي دولة، حيث كشف علماء وخبراء غربيون عن إن الحرب القادمة ستكون حرب المناخ، حيث سيتم تصدير الكوارث الطبيعية والتحكم فيها، لتكون أساس الحروب المستقبلية تهدد العالم وسكانه.
إصرار الإنسان على العبث بالبيئة أدى إلى تغير توزيع الظواهر المناخية، فكان أثره ملحوظا على جميع دول العالم دون استثناء، حيث لا تعترف التغيرات المناخية بالحدود الجغرافية، وبات تهديدها مباشرا للبشر وللاقتصاد العالمي، ولمواردهم الغذائية مما يتطلب اتخاذ إجراء فوري.
سيؤدي تغير المناخ، من خلال ارتفاع درجات الحرارة وتحول أنماط هطول الأمطار، إلى إخضاع بعض المناطق لعدم كفاية الأمطار وعدم انتظامها، ما
يترتب عليه نقص في المياه لتلبية الاحتياجات البشرية، وسيؤدي إلى توترات دولية أكثر حدة، والطرق التي تواجه بها الدول لآثار تغير المناخ قد تكون في بعض الأحيان أكثر أهمية من الآثار نفسها.
تغيرات مناخية مؤدية لكوارث طبيعية، باتت تشكل خطرا مستداما على البشرية وعلى كوكب الأرض، فباتت صحة الإنسان مهددة بسبب التلوث البيئي على الأرض، وتضاعف عدد البشر المهددين بفقدان منازلهم في المناطق الساحلية في أنحاء العالم إلى ثلاثة أضعاف ما كان يعتقد العلماء سابقا، وأصبحت حياة ٣٠٠ مليون شخص مهددة نتيجة ارتفاع مستوى البحر بحسب نتائج الدراسات العلمية، التي استنتجت تعرض مناطق كبيرة من الأرض للفيضانات مرة واحدة على الأقل بحلول عام ٢٠٥٠، إذا ما لم يتم خفض انبعاثات الكربون وتعزيز الدفاعات الساحلية.
ومع ارتفاع درجات الحرارة، سيتغير توزيع الظواهر المناخية، فالفيضانات التي كانت تحدث مرة واحدة كل 100 عام ستحدث كل 50 أو كل 20 عاما فقط، وسيؤدي ارتفاع مستوى البحار والعواصف العاتية والفيضانات الجارفة والمتكررة إلي جعل بعض الدول غير صالحة للسكن، تهديدات عالمية تتطلب تعاونا دوليا قويا.
مواجهة قضية التغيرات المناخية التي يشهدها الكون، والتقليل من تناميها وخطورتها المستقبلية في ظل الازدياد المضطرد في درجات الحرارة، لم تفلح مؤتمرات المناخ العالمية التي تعقد بين الحين والحين في كبح جماحها، إلا إذا واجهت الإنسانية هذه المشكلة بنجاح، والتف قادة العالم حول هذا الهدف المشترك، الأمر الذي يحتم علي الصين والولايات المتحدة العمل بشكل وثيق في الاتجاه باعتبارهما أكثر دول العالم تسببا للتلوث المناخي، وسيكون على جميع الأطراف الفاعلة الأخرى، مثل الشركات الخاصة، والمنظمات غير الحكومية، القيام بدورها.
سجلت درجات الحرارة خلال العام الحالي أرتفاعا كتب فصلا جديدا في تاريخ السخونة، وأشار العلماء إلى أن هناك احتمالا بنسبة ٧٥ % لحدوث ظاهرة إلنينيو التي تتسبب في ارتفاع درجة الحرارة، ونتيجة لظاهرة الاحتباس الحراري.. قال مكتب الأرصاد الجوية بالمملكة المتحدة إن السنوات الأربع الماضية كانت أشد حرارة، لكن يبدو أن عام ٢٠١٩ الحالي سيحطم الأرقام القياسية من حيث ارتفاعها.
الدول الغنية، كان لها دور بارز في حدوث التغيرات المناخية التي يشهدها العالم بما لها من صناعات تضاعف من انبعاث غازات الاحتباس الحراري، فيما تتحمل الدول الفقيرة معظم آثاره وتداعياته، وذلك وفق المعدلات والمؤشرات العالمية التي كشفت عن أن الدول الاستوائية التي تميل إلى أن تكون أكثر فقرا، وأقل استعدادا لمواجهة تأثير الغازات الدفيئة، مقارنة بدول نصف الكرة الشمالي الأكثر ثراء، ستعاني من تقلبات كبيرة في درجات الحرارة.
وما يدعو للقلق هو المصاعب والتحديات الجسيمة التي تواجهها الدول الفقيرة والنامية في أفريقيا وآسيا جراء التغير المناخي، حيث تسدد تلك الدول فاتورة تقدم الدول الكبرى التي تنتهك التوازن البيئي لتحقيق الرفاهية لشعوبها على حساب دول عاجزة عن وقف زحف التغير المناخي متسببا في حدوث كوارث تضاعفت وتيرتها في السنوات الأخيرة بسبب الاحتباس الحراري وارتفاع درجة الأرض، مما يهدد مئات الآلاف من الأشخاص في الدول الفقيرة بالنزوح عن مناطقهم بسبب العواصف والفيضانات والجفاف.
العديد من الدول الكبرى تتحمل مسئولية انبعاث أكثر من 40 % من الانبعاثات العالمية من الغازات الدفيئة بما في ذلك الصين والولايات المتحدة، وقد بدأت تأثيرات تغير المناخ في الظهور بوضوح، حيث شهد القرن الحالي صيفا ساخنا وشتاء قارسا، وسجلت 17 عاما من الـ 18 عاما الأولى منه ارتفاعا شديدا في درجات الحرارة، فكانت الأكثر حرارة منذ اختراع مقياس الحرارة، وفي فصل الشتاء الماضي، قفزت درجات الحرارة في أجزاء من القطب الشمالي إلى 25 درجة مئوية فوق المعدل الطبيعي.
وتؤكد توقعات العلماء، أنه لا يزال هناك ما يقرب من 20 عاما قبل أن تصبح السيطرة علي الأحوال المناخية أمرا مستحيلا، وأن الإنسان يمكنه تجاوز مخاطر التغيرات المناخية إذا تم تحجيم الانبعاثات العالمية من غازات الاحتباس الحراري، ثاني أكسيد الكربون، الغاز المتهم الأول في ظاهرة الاحتباس الحراري، حيث تجاوز تركيزه 410 أجزاء في المليون خلال شهر أبريل الماضي، وهو أعلى مستوى في 800 ألف عام، وبلغ متوسط درجات الحرارة السطحية العالمية 1.2 درجة مئوية، أعلى مما كانت عليه قبل الثورة الصناعية، والتقدير العلمي المتفق عليه من قبل العلماء في الولايات المتحدة، هو أن أقصى زيادة في درجة الحرارة التي ستحد من مخاطر تغير المناخ هي درجتان مئويتان.
المصدر : أ ش أ