أمضى عمدة إسطنبول الجديد، أكرم إمام أوغلو، الأشهر الستة الأخيرة منذ انتخابه في تمشيط كتب وسجلات مدينته للتعرف على كيفية إدارتها في عهد سلفه، حليف الرئيس، رجب طيب أردوغان.
وأصدر رئيس البلدية بياناً هذا الأسبوع حول مستوى سوء الإدارة والإنفاق الزائد عن الحد الذي فاق كل التوقعات، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” New York times الأميركية.
لقد كانت الأمور سيئة للغاية لدرجة أن العمدة عقد مؤتمراً صحفياً لإعلان معركة ضد أحد مشاريع أردوغان المفضلة، وهي خطة بقيمة 100 مليار دولار لشق طريق شحن جديد موازٍ للبوسفور، معلناً أن المدينة سوف تنسحب من بروتوكول وقعه سلفه لما يسمى بـ”قناة إسطنبول”.
وبحسب تقرير الصحيفة، شكل هذا الإعلان أول تحدٍ حقيقي يوجهه العمدة للرئيس أردوغان والمصالح الخاصة القوية التي دعمته منذ توليه السيطرة على أكبر وأغنى مدينة في تركيا، وهي قاعدة سلطة الرئيس وحزبه الحاكم منذ فترة طويلة.
وتضيف الصحيفة: “لقد تولى إمام أوغلو منصبه ووعد بترتيب سجلات المدينة بعد تصاعد الاتهامات من جانب المعارضة بأن الشؤون المالية للبلدية قد استخدمت لصالح الرئيس وحزبه وعائلته والمقربين.
ومن خلال القيام بذلك، برز أوغلو بسرعة كمنافس وطني قوي للرئيس أردوغان، الذي تراجعت شعبيته مع تباطؤ الاقتصاد بعد فترة طويلة من النمو غير المنقطع”.
وأضافت: “كان معظم هذا النمو مدفوعاً بمشاريع البناء الفخمة التي تفضلها إدارة أردوغان، والتي شكك اقتصاديون ومنتقدو أردوغان في جدواها الاقتصادية”.
وقال إمام أوغلو إن إسطنبول وشركاتها التابعة عليها ديون تصل إلى 14 مليار ليرة، أي ما يقرب من 2 مليار دولار، عندما تولى منصبه في يونيو الماضي. وأضاف أن الشركات التابعة للبلدية أصيبت بالشلل، بسبب ديونها الضريبية وإفلاسها فعلياً.
وقال إن رئيس البلدية المنتهية ولايته، وهو مسؤول يعينه أردوغان، تلقى سلفة غير عادية للغاية من الأموال من وزارة الخزانة، مما ترك الإدارة القادمة غير قادرة على دفع رواتب البلديات.
وأردف: “بعد أسبوع لم يكن هناك فلس واحد في ميزانيتنا لدفع أجور الأفراد”.
وفي اجتماع الميزانية الأخير، الذي تم بثه على قناة البلدية، كشف إمام أوغلو مزيد من التفاصيل، حيث أظهر كيف تجاوز الإنفاق الإيرادات على مدى السنوات الخمس الماضية. وقال إن التزامات الدفع، معظمها قروض بالعملات الأجنبية، ارتفعت إلى أكثر من 60 مليار ليرة، أو ما يعادل 10 مليارات دولار.
وتابع إمام أوغلو في الاجتماع: “لقد خرج الانضباط المالي عن السيطرة من 2013-2014.. السنوات الخمس الماضية، هي كارثة كاملة من حيث الإدارة المالية”.
وألقت الاكتشافات التي قام بها العمدة وفريقه الضوء على كيفية إدارة إسطنبول في ظل أردوغان، الذي سيطر على شؤون المدينة لفترة 25 عاماً، أولاً كرئيس للبلدية في التسعينيات ولاحقاً كرئيس للوزراء ثم رئيس للبلاد.
ويقول النقاد إن أوردوغان قد خرّب المدينة العريقة بشكل لا يمكن إصلاحه. كما أن المشاريع جعلت دائرة الرئيس المباشرة من العائلة والحلفاء السياسيين غنية بشكل خيالي من خلال نظام من الرشاوى والمحسوبية بات يتحدث عنه الجميع.
إمام أوغلو، وهو مرشح رئاسي محتمل لحزب الشعب الجمهوري المعارض، كان حذراً في الكشف عن الكثير من الفساد بشأن إدارة البلدية السابقة أو عن الرئيس نفسه.
لكن طارق باليالي، عضو المجلس البلدي من حزب المعارضة نفسه، كان أكثر صراحة.
وبمجرد تولي العمدة الجديد منصبه، ذهب باليالي، الذي يعمل في لجنة التفتيش، للبحث عن إجابات في قاعدة بيانات البلدية، بحسب تقرير الصحيفة.
وعلى وجه الخصوص، أراد أن يجد تقريراً داخلياً عن إنفاق إسطنبول على المؤسسات والمنظمات الخيرية المرتبطة بأسرة أردوغان، والتي نفى مسؤولو الحزب الحاكم وجودها.
وقال إنه تم حذف التقرير من قاعدة البيانات، لكن مهندسي البرمجيات تمكنوا من استعادته خلال يوم واحد. وأضاف: “في العصر الرقمي، لا يوجد شيء سري”.
وتابع باليالي قائلاً إن ديون البلدية زادت 5 أضعاف في السنوات الخمس الماضية. وقال إن الكثير من الإنفاق المتزايد حدث في الفترة التي سبقت حملتين انتخابيتين وربما تم تحويلها لدفع ثمن الجهاز الانتخابي للحزب الحاكم.
واستشهد بأحد الأمثلة، فقال إن 185 مليون ليرة، أو ما يقابله 31 مليون دولار، ذهبت إلى شركة بستنة قبل شهرين من الانتخابات الرئاسية 2018. وأضاف: “كان لتمويل الحملة الانتخابية والدعاية والاجتماعات والملصقات”.
وعن الحزب الحاكم، قال: “لقد فازوا بإسطنبول على مدار 20 عاماً.. فظنوا أنهم قادرون على فعل أي شيء.. فكان هناك مغالاة في أسعار كل شيء.. فكانوا يشترون ما قيمته 10 ليرات بـ100 ليرة”.