تعقد بالرياض اليوم الثلاثاء أعمال قمة مجلس التعاون الخليجي الأربعين، في ظل العديد من التحديات والتهديدات والصراعات الخطيرة، ليس فقط داخل محيطه الإقليمي، بل تحديات وتهديدات عالمية تلقي بظلالها الكثيفة على عناصر التماسك والوحدة بين مكوناته.
ولعل القمة التي تحمل الرقم 40 في سلسلة اجتماعات المجلس الأعلى لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ قيام المجلس في مايو 1981 تأتي في ظل مناخ سياسي معقد وتكتنفه الكثير من التحديات والصعوبات منذ اندلاع الأزمة الخليجية عام 2017.
ورغم تلك التحديات والمعوقات التي تشغل قادة دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن عامل الوحدة والتماسك يبقى هو الخيار الأمثل والأقرب، باعتباره من مقومات نشر الأمن والأمان والتقدم والازدهار في المنطقة.
وتأتي أعمال هذه القمة في ظل ظروف حساسة على مستويات عديدة، الأمر الذي يلقي بتبعاته على قادة دول المجلس، سواء على مستوى المنطقة والحاجة إلى تعزيز السلم الإقليمي، أو الاعتبارات الدولية من انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي فيما يعرف بـ “البريكست” والانتخابات الأمريكية المقبلة، كل ذلك يشكل عوامل تؤثر بشكل أو بآخر على الخليج.
وبالإضافة إلى ذلك، نجد التحولات الديموجرافية والاجتماعية في البنى السياسية والاجتماعية والمعرفية للعديد من الدول العربية وحتى العالمية وتحديداً ما تشهده دول أمريكا اللاتينية، هذا كله يشكل بنية لوعي جديد والوصول إلى سياقات جديدة لمستقبل الخليج ودوره على المحيط الذاتي والإقليمي عامة عربيا وعالميا.
**تحديات مفتوحة:
ثمة مجموعة من التحديات المفتوحة والماثلة أمام القمة الخليجية الأربعين والتي تتطلب جهودا كبيرة، أولها: تحدي المصالحة الخليجية، فرغم مرور نحو عامين ونصف العام من المقاطعة والتنابذ، تحدو هذه القمة آمال عريضة نحو أهمية وضرورة إنهاء هذا الفصل من تدهور العلاقات بين قطر والدول المقاطعة لها، ومن ثم العودة بالعلاقات الثنائية إلى ما كانت عليه قبل السادس من يونيو عام 2017، أو على الأقل إغلاق ملف المقاطعة والسير بخطى محددة ومتفق عليها لاستعادة العلاقات بين الدول (دول المقاطعة وقطر) تدريجيا إلى ما كانت عليه.
معالجة ومواجهة هذا التحدي يقتضي العمل فيه بشكل متدرج، وإرساء العلاقات على أسس ومبادئ، معروفة وقائمة ومنصوص عليها في كل مواثيق الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، وفي مقدمتها احترام استقلال وسيادة الدول وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والتعاون بحسن نية لتحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة، وعدم اللجوء إلى القوة أو التلويح بها، وبحث أية خلافات والعمل على حلها بالطرق السلمية، وما يحقق المصالح المشتركة والمتبادلة لكل الأطراف، ولعل الأكثر أهمية من ذلك هو امتلاك وتوفر الإرادة السياسية اللازمة والكافية لدى الدول لتحقيق ذلك والالتزام به أيضا، بشكل حقيقي وواضح وصريح، وهو ما يتطلب العمل الجاد على كافة المستويات لتحقيقه.
ووفقاً لتقارير إعلامية، فإن ثمة جهود قد بُذلت في هذا السياق، حيث شهدت الأسابيع الماضية تكثيفا للاتصالات، والزيارات واللقاءات والرسائل المتبادلة على أرفع المستويات، من أجل فتح ثغرة في جدار الأزمة، يمكن النفاذ منها إلى مسار أرحب وأكثر ملاءمة للتهيئة لاستعادة العلاقات والثقة المتبادلة بين الدول والتهيئة لحل الخلافات بما يعزز في النهاية قوة العمل العربي المشترك.
وثاني هذه التحديات، هي التكامل الاقتصادي، فمن المؤكد أن العمل من أجل النهوض الاقتصادي كان الأساس الذي قام عليه مجلس التعاون منذ عام 1981، وبالنظر إلى مسيرة التكامل الاقتصادي بين دوله خلال مسيرته التاريخية، يظل تحدي استكمال آفاق التكامل الاقتصادي المنشود أحد أبرز القضايا المحورية التي يقتضي تنفيذ القوانين والإجراءات بشأنها الآن أكثر من أي وقت مضي، خاصة مع دخول العالم الآن عصر الطاقة المتجددة، ولبناء أساس وطيد لاقتصاديات ما بعد النفط، تقوم على التنوع والتقنيات الحديثة والذكاء الصناعي والاندماج في سلاسل القمة العالمية، وفي هذا السياق سوف يجد مجلس التعاون أساسا وطيدا لتكامل اقتصادي صلب ومتنوع ومتصاعد.
وثالثها، هى لتحديات الأمنية، على خلفية الأحداث التي تشهدها المنطقة والعالم منذ عام 2011 وحتى الآن، فإن المأمول من قمة الرياض وضع الأُطر والاستراتيجيات اللازمة وعقد اتفاقات لحماية أمن الخليج على جميع المستويات، ومحاولة رأب الصدع، وإيجاد حلول سلمية عبر توجيه رسائل محددة إلى الأمم المتحدة ومنظماتها.
فالتحديات الأمنية الخليجية تفاقمت بفعل ظهور تحديات جديدة أشرس وأخطر لا يمكن تجاهلها، وهي نابعة من ملفات دولية ترتبط بمصالح ورؤى قوى عالمية، باتت هي الآن في خطر كامن بفعل التطورات والتجاذبات الاقتصادية والسياسية الإقليمية والعالمية على السواء.
ولعل من أبرز القضايا المرتبطة بأمن الخليج، المحاولات الإيرانية للترويج لمبادرة “هرمز للسلام”، التي طرحها الرئيس الإيراني حسن روحاني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، وحديث طهران عن أن هناك ثلاث دول خليجية رحبت بتلك المبادرة.
ومن هنا، فإن المتوقع من قمة الرياض أن تؤكد على وحدة الأمن الإقليمي الخليجي لمواجهة هذا الطرح من جانب إيران، وتجديد التمسك بالموقف الخليجي الثابت الذي يؤكد ضرورة احترام طهران لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي ومبادئ حُسن الجوار، واحترام سيادة الدول واستقلالها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية بأي شكل كان، والكف عن دعمها للإرهاب بكل صوره.
ولا شك أن مثل هذه التحديات تضر بمصالح منطقة الخليج الخارجية على الصعيدين العربي والدولي، خصوصاً وأن دول منطقة الخليج العربي تعد محطة لأنظار المجتمع الدولي بصفة عامة، ومطمعاً لبعض الدول بصفة خاصة، بسبب ثرواتها النفطية التي تمثل مصادر مهمة وأساسية لإمدادات الطاقة، لاسيما الدول الصناعية الكبرى.
ولا شك أن التأثير الإيجابي للتهديدات التي تواجهها دول الخليج العربي، هو الباعث الأكيد لبث روح التعاون والتكاتف ووحدة الصف للوقوف أمامها واجتياز المرحلة وتحويل الدفة إلى صالحها.
وفي هذا السياق، تشير الدراسة التي أجرتها مؤسسة “راند” الأمريكية للأبحاث، إلى أن عامل الوحدة بين الدول الأعضاء في المجلس، ودلالات تلاحمه إقليميا على مدار العشر سنوات المقبلة، أي حتى 2025، يؤكد وجود رغبة دول الخليج في التعاون لمواجهة أي تهديدات أمنية خارجية وداخلية.
وانتهت الدراسة إلى أن تعاظم خطر تنظيم “داعش” سيعمل على تعزيز التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي، لاسيما التبادل المعلوماتي الاستخباراتي، والتنسيق الكامل بين الأجهزة الأمنية لدول المجلس.
ويبقى القول أن الأحداث المتسارعة في المنطقة تتطلب التعاون المشترك والمواقف الثابتة والراسخة، وعدم الخروج عن الإجماع الخليجي فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والتهديدات الخارجية والمستجدات التي تطرأ بشكل مستمر على المنطقة.
ومن المأمول بأن تشهد المرحلة المقبلة تطورا كبيرا في تنمية علاقات مجلس التعاون مع العديد من الدول والتكتلات العالمية، بما في ذلك استئناف مفاوضات التجارة الحرة وتعزيز الشراكات الاستراتيجية مع الدول الأخرى، في ظل عالم متسارع التطورات والأحداث.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)