قمة أوروبية حاسمة بمقر الإتحاد الأوروبي ببروكسل تنتظرها بريطانيا ودول الاتحاد غداً الخميس لحسم مصير عملية خروج بريطانيا من الاتحاد المعروفة باسم “البريكست”، وذلك قبل أيام قليلة من الموعد المقرر لطلاق بريطانيا والكتلة الأوروبية، والمقرر 31 أكتوبر الجاري، مما يجعل هذه القمة بمثابة “الفرصة الأخيرة” أمام الطرفين للتوصل إلى اتفاق قبل وقوع الانفصال النهائي.
في هذا السياق.. أكدت الملكة إليزابيث الثانية، أمس الاثنين – في كلمتها أمام البرلمان البريطاني خلال عرضها لبرنامج الحكومة للدورة البرلمانية الجديدة – أن أولوية الحكومة البريطانية هي ضمان خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر الجاري، مشددة على عزم الحكومة العمل على وضع شراكة جديدة مع الاتحاد الأوروبي على قاعدة “التبادل الحر والتعاون الودي”.
وخلال الأيام القليلة الماضية، أجرى المفاوضون محادثات مكثفة ومغلقة في بروكسل، بعدما عرض رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون حزمة جديدة من شروط الانفصال على رئيس الوزراء الآيرلندي ليو فارادكار، وبدا واضحا خلال هذه المحادثات توافر إرادة سياسية حقيقية لدى جونسون ونظيره الإيرلندي للتوصل إلى اتفاق.
وتضمنت مقترحات جونسون للتسوية بشأن مسألة الحدود الأيرلندية الخلافية، الإبقاء على أيرلندا الشمالية التابعة لبريطانيا مرتبطة بشكل جزئي بقواعد الاتحاد الأوروبي الجمركية بمعنى بقائها ضمن الاتحاد الجمركي البريطاني، مع استمرارها في الالتزام بقوانين الاتحاد الأوروبي بشأن الجمارك والتعريفة، وتجنب الحدود الجمركية في أيرلندا. غير أن هذه المقترحات من شأنها أن تخلق نظاما جمركيا مزدوجا يتابع السلع، ويتعين على الشركات تقديم طلب للحصول على خصم لتغطيه أي اختلافات في التعريفات.
ولم يظهر المسئولون الأوروبيون تفاؤلا إزاء إمكانية التوصل لاتفاق حول البريكست حيث أبلغ كبير المفاوضين الأوروبيين، ميشيل بارنييه، أعضاء الاتحاد الأوروبي أمس الأول الأحد بأن محادثاته الأخيرة مع بريطانيا لم تحرز تقدما ملموسا، موضحا أن المملكة المتحدة تركز على ترتيبات جمركية، مع إصرار البريطانيين على التمييز بين السلع من بريطانيا التي تدخل أيرلندا الشمالية والبقاء فيها، وتلك التي تنقل إلى الاتحاد الأوروبي، لافتا إلى أن هناك صعوبة في معرفة ما إذا كانت السلع سينتهي بها المطاف في السوق الأوروبية من عدمه.
وفي ظل ضيق الوقت المتبقي على الموعد المقرر للانفصال، يبدو المشهد البريطاني معقدا وملبدا بالغيوم.
فمن ناحية في حالة نجاح جونسون في التوصل إلى اتفاق خلال القمة الأوروبية القادمة- وهو سيناريو غير مرجح وفقا للمراقبين- فستكون أمامه مهمة شاقة في إقناع النواب البريطانيين بالاتفاق الذي سيتم التوصل إليه، وهو أمر ليس بيسير حيث أنه لا يتمتع بالأغلبية في البرلمان الحالي والمنقسم بشكل كبير بين مؤيدي البريكست والمناهضين له، ومن ناحية أخرى، وفي حال الإخفاق في التوصل لاتفاق قبل السبت القادم- وهو الموعد الذي من المقرر أن يعقد فيه البرلمان جلسة استثنائية- فمن المقرر أن يفرض قانون أقر في سبتمبر على جونسون يلزمه بإرجاء موعد الخروج لثلاثة أشهر إضافية، وفي هذه الحالة سيتعين على الدول ال(27) الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الموافقة عليه بالإجماع.
في ضوء ما سبق تختلف أراء المراقبين إزاء ما ستؤول إليه عملية الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، فالفريق الأول يرجح إمكانية التوصل إلى اتفاق اللحظة الأخيرة بين بريطانيا والكتلة الأوروبية انطلاقا من خطورة الموقف في حالة وقوع سيناريو “بريكست بلا اتفاق” وهو السيناريو المرعب الذي يثير مخاوف مختلف الأوساط البريطانية والأوروبية بشكل عام.
أما الفريق الثاني فهو أكثر واقعية، حيث يرى أنه من الصعب التوصل إلى تسوية خلال الأيام القليلة القادمة وتحقيق ما فشل الطرفان في إنجازه على مدار
أكثر من ثلاث سنوات، منذ أن صوت البريطانيون في الاستفتاء المصيري لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي بعد عضوية استمرت لأكثر من 46 عاما. ويرجح هذا الفريق وقوع “بريكست بلا اتفاق”، والذي سيكون له تداعيات كارثية على الاقتصاد البريطاني.
وبشكل عام، تسود حالة من الاستياء على الساحة البريطانية إزاء الأزمة الراهنة وغير المسبوقة التي تشهدها البلاد، وأصبحت شريحة واسعة من المواطنين تنظر إلى عملية “البريكست” على أنها فكرة “حمقاء” و”غير مجدية” تفتقر إلى خطة ما بعد الخروج، وستدخل البلاد في مستقبل غامض وسلسلة من الأزمات.
وذكرت الحكومة البريطانية الأسبوع الماضي أنها تلقت قرابة مليوني طلب من مواطنين أوروبيين للبقاء في المملكة المتحدة بعد إتمام “البريكست”، 500 ألف منهم تم تلقيهم خلال سبتمبر الماضي فقط، وذلك مع بدء العد التنازلي للموعد المقرر للخروج من الاتحاد الأوروبي، وتصاعد حالة عدم اليقين التي تحيط به.
وأشارت الحكومة البريطانية إلى أنه تم الانتهاء من دراسة 1.5 مليون طلب وتلقى 61 % من أصحاب هذه الطلبات “إقامة دائمة” منحت للأشخاص الذين عاشوا في البلاد لفترة خمس سنوات متواصلة. وتسمح هذه الإقامة لهم بمواصلة العمل في المملكة المتحدة والاستفادة من الخدمات الاجتماعية بعد وقوع “بريكست”.
المصدر : أ ش أ