ترسخ القمة المصرية الأردنية التى استضافتها القاهرة اليوم الخميس ما ترتكز عليه العلاقات الثنائية بين البلدين من قواسم مشتركة وتنسيق مستمر ، وتأتى تواصلا للزيارات المتبادلة بين الرئيس عبد الفتاح السيسى والملك عبد الله الثانى ملك الأردن ، والتى تتم فى إطار علاقات عميقة بين دولتين شقيقتين تجمعهما رؤية مشتركة تجاة القضايا العربية والإقليمية والدولية.
توقيت انعقاد تلك القمة الثنائية يأتى وسط ملفات ساخنة كثيرة مطروحة على الساحة العربية ، أبرزها الغزو التركى في شمال سوريا ، والاهتمام المشترك بمحاصرة كافة الأعمال غير المشروعة والجماعات المتطرفة ، إلى جانب مناقشة أهمية إحتواء الأزمتين الليبية واليمنية ، وكذلك التنسيق بشأن كل ما يتعلق بالعلاقات الثنائية فى كافة المجالات ، وما وصلت إليه في إطار تنفيذ الاتفاقيات والبرتوكولات والبرامج التنفيذية التى وافقت عليها اللجنة العليا المشتركة وقطعت فيها شوطا.
استعراض جميع أوجه التعاون والتحديات المشتركة ، قاسما مشتركا ودائما فى جدول أعمال القمة ، التى تجمع بين قيادتين تسعيان للسلام والعمل على استتبابه فى منطقة الشرق الأوسط ، على ضوء تطابق وجهات النظر حيال جميع القضايا الإقليمية ، وتطور الأوضاع في سوريا والعراق وليبيا واليمن والقضية الفلسطينية ، وكيفية السير قدما في إطار جامعة الدول العربية من أجل الوصول إلى حل القضية الفلسطينية على مبدأ حل الدولتين.
لقاءات متبادلة بين الزعيمين العربيين تعكس متانة العلاقات المصرية الأردنية، وحرص القيادة على التشاور وتبادل وجهات النظر التى تنطلق دوما من ذات الهدف الرامى إلى إيجاد حلول للأزمات المحيطة ، ويساهم تبادل الزيارات على مستوى القادة وكبار المسئولين فى خطوات عملية واضحة من أجل تفعيل هذا التعاون ، إلى جانب التنسيق والتواصل والتفاعل على كافة مستويات الدولتين سواء مستوى وزراء الخارجية وعلى مستوى المؤسسات والأجهزة الفنية المعنية بقطاعات التعاون متعدد المجالات ، والتى تتم من خلال الرغبة المشتركة في تعزيز الارتباط بين الجانبين ، والتكامل ووجود رغبة أكيدة وإرادة سياسية على أرضية التماسك فيما بينهما في جميع الأوجه التي تجعل من هذا التعاون تعاونا مثمرا محققا لمصلحة الطرفين.
القضية السورية بند متقدم فرض نفسه على أجندة القمة ، حيث أدانت مصر والأردن هذا العدوان التركي على شمال سوريا ، وأكدتا على ضرورة العمل من أجل التوصل لحل سياسي يعيد لسوريا دورها ، فى ضوء وجود دور عربي واضح وداعم للتعامل مع الأزمة السورية بهدف إيجاد حل سياسي يقبله السوريون.
وتظل القضية الفلسطينية البند الدائم فى مختلف القمم العربية ، حيث يبعث غياب أفق التقدم لحل سياسي والأوضاع الصعبة وتفاقمها على القلق لما لذلك من أثر على أمن المنطقة ، وتؤكد القاهرة وعمان على المبادرة العربية وشرعية الحقوق الفلسطينية ، وتعملان على دفع الجهود لايجاد تحرك دولى فاعل لإنهاء الصراع على أساس “حل الدولتين” ، الذي يضمن قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967 ، ويقوم الموقف الذي تنتهجه مصر والأردن على مواقف ثابتة وراسخة لحل القضية وفقا لمقررات الشرعية الدولية.
وتوصف العلاقات الثنائية المصرية الأردنية بأنها علاقات صداقة قوية ، اتسمت على مر العصور بالتوازن ، والعلاقات الاقتصادية والتجارية القوية ، وما ارتبط به البلدان من علاقات تاريخية تجارية منذ زمن بعيد، وكذلك إرتباط سياسي وعسكري أكدته الأدلة الأثرية والشواهد التاريخية المصرية والأردنية فى زمن الفراعنة والأنباط ، حيث لا توجد حدود برية بين البلدين ، ويفصل بينهما خليج العقبة ، وتبلغ أقرب مسافة بين مدينتين في البلدين 11 كليومتر ، وهي المسافة البحرية بين العقبة الأردنية وطابا المصرية ، ويعتبر البلدان عضوين مؤسسين في جامعة الدول العربية ، ومنظمة المؤتمر الإسلامي وحركة عدم الانحياز، وعدة منظمات دولية أخرى ، وتعيش في الأردن جالية مصرية كبيرة تشكل واحدة من أكبر الجاليات المصرية فى العالم.
ويبدو تطور العلاقات واضحا فيما تشهده جميع المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية من تقدم متميز في إطار اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية التى تعقد بالتناوب بين البلدين ، حيث تشهد مباحثات مستمرة ، وتوقيع بروتوكولات تعاون وبرامج تنفيذية ومذكرات تفاهم في مجال الخدمة المدنية ، يعززه تصميم مشترك على تفعيل التعاون وتفعيل التوافقات التي توصلت إليها اللجنة وحرصها على إزالة أي عوائق بهدف الوصول بالعلاقات للمستويات المنشودة.
وتتضمن الاتفاقيات المبرمة بين مصر والأردن تعاونا في مجال حماية واسترداد الممتلكات الثقافية المسروقة والاتجار غير المشروع في الآثار ، وبروتوكول تعاون بين الهيئة العامة المصرية للاستثمار وهيئة الاستثمار الأردنية ، حيث تشير الأرقام إلى زيادة ملحوظة في حجم التبادل التجاري البيني بين مصر والأردن ، وهناك اتفاقية الصداقة والتعاون بين محافظة القاهرة وأمانة عمان الكبرى ، وبرنامجا تنفيذيا لمذكرة التفاهم فى مجال الموارد المائية والرى بين الدولتين ، والبرنامج التنفيذى للتعاون فى مجال المنافسة بينهما ، وبروتوكول تعاون فني بين وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة بمصر ووزارة الطاقة والثروة المعدنية بالأردن ، ومذكرة تفاهم بين معهد الدراسات الدبلوماسية بوزارة الخارجية المصرية والمعهد الدبلوماسى بوزارة الخارجية وشئون المغتربين الأردنية ، ومذكرة تفاهم حول التعاون الإذاعي والتليفزيوني بين إتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري ومؤسسة الإذاعة والتليفزيون الأردنية ، وبرنامج تعاون مشترك بين وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ) ووكالة الأنباء الأردنية (بترا) ، واتفاق تعاون بين الحكومة جمهورية المصرية والحكومة الأردنية فى مجال حماية واسترداد الممتلكات الثقافية المسروقة ومكافحة الاتجار غير المشروع فى الآثار.
وتشهد العلاقات الثقافية بين مصر والأردن نشاطا مستمرا يتمثل في تبادل الزيارات على مدار العام بين الأكاديميين والمتخصصين، بالإضافة إلى تنظيم ورش عمل متخصصة وبرامج تدريبية في إطار المساعدة الفنية وتبادل الخبرات في العديد من المجالات ، حيث يتواجد في مصر حوالي 870 طالب أردني ما بين دارسين في المدارس الحكومية والخاصة ، ويتواجد في الأردن حوالي 7 آلاف طالب مصري مقيدين في مراحل التعليم المختلفة ، وتعتبر المنح التعليمية المتبادلة من أبرز مظاهر التعاون بين الجانبين ، حيث يحصل الطلبة الأردنيون في الجامعات المصرية على 10 منح مجانية في كلية الطب و15 منحة مجانية للدراسات العليا في تخصصات مختلفة ، فضلاً عن 15 مقعدا في الطب البشري كل سنة، بينما تمنح الحكومة الأردنية الطلبة المصريين 100 منحة سنوياً ، منها 20 منحة مجانية في الجامعات الحكومية المختلفة.
وقد عقدت سلسلة لقاءات قمة مصرية أردنية على مدى الأعوام الأربعة الماضية ، ففى 26 فبراير عام 2014 قام العاهل الأردنى الملك عبد الله الثانى بن الحسين بزيارة لمصر استقبله خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسى، وبحثا مختلف جوانب العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها وتنميتها فى شتى المجالات السياسية والاقتصادية ، وفى 6 يوليو عام 2014 قام ملك الأردن بزيارة الى مصر حيث تم عقد قمة ثنائية مع الرئيس عبد الفتاح السيسي ، وأكدا خلالها حرصهما المتبادل على تمتين أواصر الأخوة والتنسيق والتشاور بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين والقضايا العربية ، وبحثا سبل تعزيز علاقات التعاون بين البلدين في مختلف المجالات.
وأكد العاهل الأردني وقوف الأردن إلى جانب مصر وخيارات شعبها ودعم مساعي قيادتها في ترسيخ الأمن والاستقرار ومواصلة مسيرة البناء والتنمية ، فيما أعرب الرئيس السيسي عن شكره والشعب المصري للأردن بقيادة الملك عبد الله الثاني على مواقفه الداعمة لمصر ووقوف المملكة إلى جانب خيارات الشعب المصري ، مقدرا دور ملك الأردن في تعزيز مسيرة العمل العربي المشترك وخدمة قضايا الأمة العربية.
وفي 22 سبتمبر عام 2014 اِستقبل الرئيس السيسي ، بمقر إقامته بنيويورك، الملك عبد الله ، على هامش أعمال الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث بحثا الجهود المبذولة لتشكيل الائتلاف الدولي لمحاربة التطرف والإرهاب في المنطقة، من خلال استراتيجية شاملة لا تقتصر فقط على البعد الأمني والعسكري، ولكن تشمل أيضا البعدين التنموي والاجتماعي، وتضمن اجتثاث جذور الارهاب، ومواجهة كافة التنظيمات الارهابية في المنطقة ، وفي 30 نوفمبر عام 2014 ً قام الملك عبد الله بزيارة عملٍ سريعة لمصر، استقبله الرئيس عبد الفتاح السيسي بالقاعة الرئاسية بمطار القاهرة ، وعقدا جلسة مباحثات ثنائية مغلقة، تلتها جلسة مباحثات موسعة بحضور وفدي البلدين، تم خلالها التباحث بشأن مختلف جوانب العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها وتنميتها في شتى المجالات السياسية والاقتصادى.
وفى 11 ديسمبر عام 2014 قام الرئيس عبد الفتاح السيسى بزيارة رسمية للمملكة الأردنية الهاشمية، واستقبله الملك عبد الله الثانى بن الحسين ، وبحثا العلاقات بين البلدين الشقيقين وسبل تعزيزها في مختلف المجالات، بالإضافة إلى تطورات الأوضاع في المنطقة، وعدد من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
وفي 13 مارس 2015 قام العاهل الأردني بزيارة لمصر لحضور مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصرى، حيث استقبله الرئيس عبد الفتاح السيسي على هامش المؤتمر ، وفي 27 مارس عام 2015 قام العاهل الأردني بزيارة لمصر، لحضور القمة العربية في دورتها الـ 26، استقبله خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي ، وفي 25 مايو عام 2015 قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بزيارة للأردن للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذى عقد في البحر الميت بالأردن، استقبله العاهل الأردنى الملك عبد الله الثانى، وناقشا العديد من قضايا المنطقة وفى مقدمتها التنسيق فى مجال مكافحة الإرهاب وبحث تعزيز التعاون بين البلدين، وفى 6 أغسطس عام 2015 قام العاهل الأردنى بزيارة لمصر لحضور حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، واستقبله خلالها الرئيس السيسي ، وفى شهر مايو الماضى قام الملك عبدالله بزيارة مصر وأجرى مباحثات قمة مع الرئيس عبد الفتاح السيسى.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط ( أ ش أ )