في الوقت الذى يحيى فيه العالم الذكرى الأليمة لهجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، وهي الهجمات التى حملت توقيع تنظيم القاعدة الارهابي، تؤكد دوائر أمريكية أن هذا التنظيم الذي تأسس في ثمانينات القرن الماضى والمتمترس في أفغانستان وخلاياه الكامنة في الشرق الأوسط وعلى مستوى العالم لا يزال يشكل التهديد الإرهابي الأكبر على المصالح الغربية والأمريكية فى العالم والشرق الأوسط.
يأتي تعزيز القاعدة لقدراتها العملياتية وإعادة ترتيب صفوفها على الرغم من إعلان الإدارة الأمريكية منتصف الشهر الجاري وفاة حمزة بن لادن وهي الوفاة التي ثارت شكوك حول وقوعها قبل عامين تقريبا، وهناك من قال إنها وقعت في يوليو الماضي نتيجة إصابة نجل زعيم القاعدة السابق قبل عامين، وحمزة بن لادن هو نجل زعيم و مؤسس التنظيم أسامة بن لادن وقد شهد العامان الماضيان انتقال دائرة اهتمام التنظيم عملياتيا من اليمن إلى سوريا في وقت أعتقد فيه العالم أن القاعدة لم يعد له وجود مؤثر وأن داعش هى يلنسخة الجديدة الأشد شراسة للقاعدة وانشغاله بمواجهته .
وأكد منسق شئون مكافحة الإرهاب في الخارجية الامريكية ناتال ثالز أن قوة تنظيم القاعدة البنيوية لا تزال جيدة حتى بعد رحيل حمزة بن لادن، وأن التنظيم لا يزال متمتعا بما كان عليه من قوة في السابق من عنفوان.
ونبه المسئول الأمريكي إلى أن هدوء وتيرة عمليات القاعدة – خلال الأعوام الماضية – لا يجب أن تفسر على أنها مؤشر على تهاوي التنظيم وتراجع قدرته، حيث يؤكد انخراط مسلحي التنظيم فى الصراع الدائر فى سوريا خلال العامين الماضيين على أن القاعدة لا يزال تنظيما ممتلكا لقوة وعنفوان المواجهة مستفيدا من اتجاه الجهد العالمي لمكافحة الإرهاب صوب تنظيم الدولة في العراق والشام (داعش) خلال الأعوام الخمسة الماضية، وهي الأعوام التي استغلتها القاعدة لإعادة تنظيم صفوفها من جديد وبناء قدراتها العملياتية خاصة في أعقاب تلقيها صدمة اصطياد ومقتل زعيمها المؤسس اسامة بن لادن فى باكستان عام 2010 .
وتشير دوائر الاستخبارات الامريكية إلى أن اليمن تعد منطقة تمركز خطرة لمسلحي القاعدة المقدر عددهم هناك بالآلاف، كذلك تعد الصومال منطقة تمركز خطرة لمقاتلي القاعدة، ومن أراضيها استطاعوا التمدد إلى مناطق في كينيا المجاورة وزعزعة استقرارها في سلسلة من العمليات الإرهابية في يناير الماضي.
ورأى خبير مكافحة الإرهاب الإمريكي جيسون بلازكيز – الذي كان حتى نهاية عام 2018 مديرا للمركز الوطني الأمريكي لمكافحة الإرهاب والتطرف – أن مقتل حمزة بن لادن لا يعني أن القاعدة كتنظيم إرهابي قد زال خطره وخصوصا على المصالح الأمريكية.
وأشار بلازكيز – في مقابلة مع صحيفة (نيويورك تايمز) هذا الاسبوع – إلى ان استراتيجية القاعدة التى تعتبر الولايات المتحدة “العدو البعيد” تحتم على صانع القرار الأمريكي الانتباه والعمل على مواجهة تهديدات القاعدة فى عقر دارها فى افغانستان .
وتشير تقارير الاستخبارات الأمريكية حول توجهات تنظيم القاعدة في المرحلة المقبلة إلى تغيير التنظيم لاستراتيجية تركيزة العملياتي صوب الساحة السورية بدلا من اليمن، إلى جانب الأجندة العامة للتنظيم وهو استهداف المصالح الغربية في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
ويؤكد ذلك تقرير لمؤسسة (راند) الأمريكية للدراسات والأبحاث الاستراتيجية – صدر هذا الاسبوع – جاء فيه أن القاعدة أجرت تغييرات على خططها العملياتية ومناطق تركزها منذ عام 2014 بعد أن وجدت تنافسا من جانب تنظيم (داعش) لها في تصدر الحراك المسلح ذي الطابع الديني في المنطقة.
وقال البروفيسير تشارلز ليسترز كبير المحللين السياسيين في مؤسسة (راند) الأمريكية – في تقرير أعده عن تقدير الموقف الخاص بتوجهات القاعدة – إن البرجماتية الشديدة التي بات التنظيم يتسم بها تحولت إلى حالة من “الصبر البرجماتي” من جانب التنظيم بعد عام 2014، وأن القاعدة استحسنت تهميش موقعها مقارنة بتنظيم داعش الذى ظهر آنذاك وما يعنيه ذلك من تلقي داعش النصيب الأكبر من الجهد العملياتي الدولي المكافح للإرهاب وانتقال أولوية المواجهة إلى داعش بدلا من القاعدة التي فضل قادتها آنذاك نقل نشاطهم من اليمن إلى سوريا فى هدوء تام.
وأشار الخبير الأمريكى إلى أن انتقال القاعدة من اليمن إلى سوريا بدأ تنفيذ خطته اعتبارا من عام 2014، حيث جرت حركة واسعة لنقل أصول التنظيم وموارده المالية القادمة من افغانستان وباكستان، وهو ما أسفر عن تشكيل ما يعرف بجبهة النصرة في سوريا، التي بدت كأقوى لاعب مسلح على مسارح الإرهاب في سوريا ينفذ ضرباته بمنأى عن التخطيط المركزى للقاعدة، كما كان حال كل عملياتها عليه قبل 2014 .
وبحسب الخبير الأمريكي، أنكر الموالون القدامى للقاعدة على “جبهة النصرة” عملها الميداني المستقل عن التنظيم الأصلي، فانسلخوا عن جبهة النصرة وأنشأوا في عام 2016 تنظيما جديدا هو جبهة فتح الشام التي تحول مسماها في عام 2018 إلى هيئة تحرير الشام وهي الهيئة التي باتت تقدم الدعم لشبكة من المنظمات الإرهابية الأقل حجما في سوريا، وهو ما نبهت إليه التقارير الاستخبارية الغربية من أن القاعدة أعادت تموضعها شرق أوسطيا بالتركيز على سوريا، جنبا إلى جنب مع استهداف المصالح الغربية في شتى بقاع العالم.
المصدر : أ ش أ