بإطلاقها صاروخا لحمل الرؤوس النووية.. أمريكا تدفع روسيا والصين لإنشاء تحالف عسكري محتمل
تكشف الخطوة التي أقدمت عليها الولايات المتحدة الأمريكية بإطلاقها صاروخ (كروز) متوسط المدى قادر على حمل رؤوس نووية، (كان محظوراً استخدامه فى السابق بموجب معاهدة الصواريخ متوسطة المدى مع روسيا)، والتنديد والتحذير الروسي والصيني من هذه التحركات الأمريكية، عن حالة الارتباك والسيولة السياسية في المشهد الدولي، وأثارت التساؤلات حول الأهداف الأمريكية من تجربتها الصاروخية، وتداعياتها على سباق التسلح في المنطقة وعلى مستقبل علاقات التعاون العسكري بين الصين وروسيا.
وقد جاء إطلاق الصاروخ الأمريكي بعد أسابيع من انسحاب الرئيس دونالد ترامب من معاهدة الحد من الأسلحة النووية المتوسطة المدى الموقعة عام 1978، التي انسحبت منها موسكو أيضاً بعد تبادل الاتهامات بين الطرفين دام طويلاً.
وكان ترامب قد علق مشاركة الولايات المتحدة في المعاهدة في فبراير 2019، وأمهل روسيا إلى شهر أغسطس 2019 حتى تمتثل بها، إذ اتهمت كل منهما الأخرى بخرق المعاهدة وبذلك تكون روسيا والولايات المتحدة قد علقتا مشاركتهما في تلك المعاهدة؛ الأمر الذي هدد بانهيار هذه الاتفاقية والتوقف عن العمل بموجب نصوصها، وفتح الباب على مصراعيه أمام سباق تسلح جديد.
(الموقف الروسي والصيني)
نددت روسيا والصين بالتجربة الصاروخية التي أجرتها الولايات المتحدة، واعتبرتا أنها تصعيد للتوترات العسكرية، وبمثابة دليل على أن واشنطن كانت تخطط منذ وقت طويل لتقويض معاهدة الحد من الأسلحة النووية متوسطة المدى، التي انسحبت منها قبل أسابيع.
وعلق نائب وزير الخارجية الروسي سيرجى ريابكوف، قائلا “إن الأمر يدعو للأسف، من الواضح أن الولايات المتحدة سلكت مسار تصعيد التوترات العسكرية”، معتبراً أنه يثبت بشكل واضح وصريح أن الولايات المتحدة كانت تعمل على تطوير الأنظمة ذات الصلة منذ فترة طويلة، مشيراً إلى أن “موسكو لن تنجر وراء الاستفزازات الأمريكية ولن تسمح بإقحامها فى سباق تسلح جديد”.
وقال ديميترى بيسكوف المتحدث باسم الكرملين “الأمريكيون يتحضرون لذلك منذ البداية ومن المستحيل تنفيذ تجرية مماثلة خلال أسابيع أو أشهر” وفى أواخر فبراير بوتين قد أمر بتطوير صواريخ روسية جديدة، وهدد بنشر أسلحة جديدة لن تقهر على حد قوله.
وفي سياق متصل، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية جين شوانج، أن الاختبار الصاروخي الذى أجرته الولايات المتحدة يؤكد الأهداف الحقيقية لانسحابها من معاهدة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، وهى إزالة القيود عن نفسها، والتطوير الحر للصواريخ المتقدمة والرغبة فى الحصول على “تفوق عسكري وحيد”.
وحث شوانج، الولايات المتحدة الأمريكية على التخلي عن عقلية الحرب الباردة والمحصلة الصفرية، والتحلي بضبط النفس وعدم اتخاذ تحركات تقوض المصالح الأمنية للدول، والوفاء بمسؤوليتها بصفتها قوة عظمى، وحماية السلام والأمن العالميين والإقليميين مع المجتمع الدولي.
وكانت الصين قد أعربت – في وقت سابق – عن أسفها ومعارضتها بشدة انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى أوائل أغسطس الجاري مع روسيا، معتبرة أن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة هو إسقاط القيود عن نفسها، والسعي نحو تحقيق مميزات عسكرية واستراتيجية أحادية.
(تحالف روسي صيني محتمل)
وفقاً للخبراء والمحللين، تسعى الولايات المتحدة الأمريكية – من خلال إطلاق تجربتها الصاروخية – إلى تحقيق تفوق عسكري أحادي الجانب، وهو ما يؤشر إلى سباق تسلح جديد بين القوى الكبرى، حيث تنظر أمريكا إلى منظومة احتياج تحديث عتادها العسكري بعد انتهاء الحرب الباردة، وأن ذلك له علاقة بمواجهة الإرهاب الدولي على حد الرؤية الأمريكية.
ويرى خبراء الأمن والاستراتيجية أن إقدام الولايات المتحدة على هذه الخطوة قد تدفع روسيا والصين لإنشاء نظام دفاع جوي وصاروخي مشترك لمواجهة نشر واشنطن صواريخها قرب حدودهما.
إذ تناقش واشنطن مع حلفائها في آسيا نشر صواريخ أمريكية جديدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وكما أكد نائب وزير الخارجية الأمريكية لمراقبة الأسلحة والأمن الدولي، أندريا تومبسون، فإن هذا ليس قرارا منفردا من جانب الولايات المتحدة، فالدول الشريكة نفسها تقرر ما إذا كانت ستنشر هذه الصواريخ أم لا.
ويمكن للولايات المتحدة بالتأكيد نشر صواريخ في الدول المتحالفة معها – كوريا الجنوبية واليابان، لأن الحصول على موافقة حكومات هذه الدول ليس بالأمر الصعب على الأمريكيين، وأن هذه الصواريخ ستوجه ضد الصين وضد مواقع في المناطق الشرقية من روسيا.
ويري الكسندر بيرنجيف الأستاذ المساعد في قسم العلوم السياسية والاجتماعية بجامعة الاقتصاد الروسية، عضو مجلس الخبرة “ضباط روسيا” ، “أن الأمريكيين يمكن أن ينشروا صواريخهم في فيتنام والفلبين، أيضا، لردع الصين، وأن عناصر نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي في اليابان وكوريا الجنوبية موجهة أساسا ضد الصين وروسيا، رغم أنهم في واشنطن يعللون ذلك رسميا بالرغبة في حماية الحلفاء من التهديد النووي الكوري الشمالي”.
ولذا يؤكد بيرنجيف أن على روسيا والصين التفكير في إنشاء نظام دفاع صاروخي مشترك، في مواجهة صواريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وتهديداتها المستمرة لكل من بكين وموسكو.
وقد تزامن ذلك مع إعلان وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو – مؤخراً – أن الوضع على الحدود الغربية لروسيا ما زال متوترا بسبب تزايد وجود قوات حلف شمال الأطلسي، إذ قال شويجو في اجتماع لكبار مسؤولي وزارة الدفاع إن “الوضع يتسم بتعزيز الوجود العسكري لحلف الناتو في أوروبا الشرقية ونشر نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي في بولندا ورومانيا، وتوسيع التعاون العسكري للتحالف مع فنلندا والسويد” وأضاف “روسيا تتخذ مجموعة من التدابير من أجل التخلص من هذه التهديدات”.
ويرى مراقبون أن الفترة المقبلة سوف تشهد مزيداً من التعاون بين روسيا والصين على جميع المستويات، خاصة أن البلدين يقومان الآن بعملية تحديث شاملة لجيوشهما، في مجال الأسلحة فائقة السرعة، كما يملك البلدان روسيا والصين قاعدة علمية ضخمة تمكنهما من تحقيق تفوق هائل في مجال التصنيع العسكري.
ويتوقع بعض المراقبين أن تدخل روسيا والصين تحت مظلة تحالف رسمي موحد، على غرار حلف شمال الأطلسي (الناتو) الغربي. لكن البلدين يرسلان إشارة واضحة إلى إمكانية المشاركة في حلف عسكري مشترك يعبر عن توافق في المصالح بينهما، في حالة بلوغهما مرحلة المواجهة المباشرة مع واشنطن.
يبقى القول أن سياسات واشنطن في مجال نشر الصواريخ في مناطق متعددة في آسيا، قد تدفع بكين وموسكو نحو تعاون أكبر ضد الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها الاستراتيجية في العالم، ومن المنتظر أن تشهد الفترة المقبلة حالة من التصعيد الأمريكي ضد بكين وموسكو يقابلها حالة من التصعيد المضاد على خلفية الاستعدادات الأمريكية للانتخابات الرئاسية لفترة جديدة.
المصدر:أ ش أ