لم يكن رئيس الحكومة الانتقالية السودانية عبد الله حمدوك يبالغ ، حين قال في أول تصريح له عقب عودته إلى الخرطوم لتسلم مهام منصبه ، إن هناك تركة ثقيلة بانتظار هذه الحكومة.إذ تواجه السلطة الجديدة التي ستدير المرحلة الانتقالية في السودان على مدى السنوات الثلاث القادمة ، جملة من التحديات والملفات الكبرى التي سيتعين عليها التعامل معها بشكل عاجل وبجدية لضمان تحقيق تطلعات السودانيين في الاستقرار والازدهار والسلام والحرية والتي تمثل الأهداف الرئيسية لثورتهم الشعبية التي أطاحت بحكم الرئيس السابق عمر البشير .
الاقتصاد ومشاكله ، والسلام وانهاء الحرب مع الحركات المسلحة واشراكها في ترتيبات المرحلة الانتقالية ، ملفان أو تحديان كبيران أمام السلطة السودانية الجديدة ، وهو ما يتطلب تكاتف كل مكونات الشعب السوداني لمواجتهما، كما قال عبد الله حمدوك ، الذي عكست كلمته ، عقب ادائه اليمين الدستورية، أمس الأربعاء، إداركا لافتا من جانبه لأهمية تلك الملفات التي قال أولويات حكومته الانتقالية خلال الفترة القادمة.
فعلى صعيد الوضع الاقتصادي ، يمثل تردي الاقتصاد وانهيار بنيته الأساسية ، تحدياً كبيراً أمام الحكومة الجديدة. ولابد من التذكير هنا أن الأزمة الاقتصادية والوضع المعيشي المتردي الذي وصلت إليه البلاد في عهد البشير ، إلى جانب الفساد الذي تراكم على مدى سنوات طويلة مضت، هي المحرك الأول لإشعال الاحتجاجات والمظاهرات ضد النظام السابق .
وتبلغ الديون الخارجية للسودان حاليا نحو 58 مليار دولار وفق آخر إحصاء رسمي، تشمل الفوائد، كما أن السودان لديه ميراث ثقيل من الديون المجمدة منذ أربعة عقود، وفضلاً عن تخلفه عن سداد أقساد الديون منذ أوائل الثمانينيات فقد خضع السودان لعقوبات أمريكية بسبب الصراع في إقليم دارفور لنحو عقدين وحتى عام 2017 .
وسبب هذه العقوبات يعيش السودان في شبه عزلة عن الأسواق الدولية منذ سنوات طويلة ،ورغم أن الولايات المتحدة رفعت معظم عقوباتها عنه منذ فبراير 2017، فإنها أبقت السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وباستثناء الصومال فإن السودان هو البلد الوحيد في العالم الذي يدين بمتأخرات لصندوق النقد الدولي تمثل أكثر من 80 في المائة من إجمالي المتأخرات المستحقة للصندوق.
كل هذه الحقائق تفرض على الحكومة الانتقالية الجديدة تحديا كبيرا . وقد أكد رئيس الحكومة ، عبدالله حمدوك، أن العمل على معالجة الأزمة الاقتصادية الطاحنة وبناء اقتصاد وطني يقوم على الانتاج وليس على الهبات والمعونات ، ومحاربة الفساد ، يأتي على رأس أولويات حكومته خلال الفترة الانتقالية. وقال “إننا سنعالج أزمة السودان الاقتصادية بتوفير رؤية وسياسات صحيحة”، محذرا من أن القطاع المصرفي في السودان على وشك الانهيار.
الملف الثاني وهو تحقيق السلام في السودان وانهاء الحروب مع الحركات المسلحة في مناطق النزاع في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وغيرها ، فيمثل أحد التحديات الصعبة أمام السلطة الجديدة في الخرطوم خلال المرحلة الانتقالية. فمعالجة هذا الملف- كما يرى المراقبون- هوضمانة لعودة الاستقرار والسلام في ربوع السودان ،ونجاح السودانيين في تحقيق أهداف ثورتهم ،فلا يمكن تصور ذلك بدون اشراك كل السودانيين في بناء سلام حقيقي يعالج المشكلة السودانية من جذورها ويقدم حلولا لكل القضايا العالقة بين أطرافها. وقد أكد عبد الله حمدوك أن إيقاف الحرب ويناء السلام المستدام في السودان ، ورفع المعاناة عن النازحين واللاجئين، سيكون على رأس اولويات حكومته .
وتقتضي أي عملية سلام شاملة في السودان إشراك الحركات والفصائل المسلحة في العملية السياسية الجديدة في والتوصل من خلال الحوار معها إلى تسويات واضحة حيال مستقبل الوضع في السودان ،ولاسيما مناطق النزاع .
لكن الفصائل المسلحة السودانية ، وخصوصا تلك المنضوية تحت الجبهة الثورية، تتحفظ حاليا على اتفاق تقاسم السلطة والذي تمثل في الإعلان السياسي الذي وقعته قوى الحرية والتغيير مع المجلس العسكري الانتقالي السابق ، حيث رأت أنه “لا يعالج قضايا الثورة ويتجاهل أطرافًا وموضوعات مهمة.
وتضم الجبهة الثورية ثلاث حركات مسلحة هي: حركة تحرير السودان-جناح أركو مناوي، والحركة الشعبية-قطاع الشمال، وحركة العدل والمساواة. وقد شهدت العاصمة العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في شهر يوليو الماضي مفاوضات بين قوى الحرية والتغيير السودانية والجبهة الثورية في محاولة لاقناع الأخيرة بالمشاركة في العملية السياسية الجديدة ، لكن هذه المفاوضات لم تحقق تقدما يذكر.
ويثير رفض الحركات المسلحة للأتفاق الموقع بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير، المخاوف من أن يؤدي ذلك لتعقيد المشهد السياسي والأمني في المرحلة الانتقالية ، لاسيما في حال لم تستطع الحكومة الانتقالية استيعاب هذه الحركات ضمن العملية السياسية الجديدة .
لكن محللين سياسيين سودانيين يستبعدون قيام الفصائل المسلحة المسلحة الرافضة للاتفاق بتقويضه عبر عمل مسلح، لاسيما في ظل الاتصالات التي تجريها قوى إعلان الحرية والتغيير مع الحركات المسلحة حاليا بوساطة افريقية،بهدف التوصل إلى صيغة رسمية لكي تكون جزءا من ترتيبات المرحلة الانتقالية .ويرى مراقبون أن الحركات المسلحة السودانية تسعى للحصول على ضمانات تؤكد جدية السلطة الجديدة في الخرطوم في التوصل إلى سلام شامل يعالج بشكل جذري أسباب الحرب.
ويوجد في السودان حاليا عدد من الحركات والفصائل المسلحة التي كانت تخوض معارك ضد القوات السودانية الحكومية ، ومن بين هذه الحركات :
-الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال، جناح بقيادة مالك عقار ، وهي جزء من قوى الحرية والتغيير .
-الحركة الشعبية لتحرير السودان جناح بقيادة عبدالعزيز آدم الحلو في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان؛ حيث كانت قواته تخوض معارك ضد القوات الحكومية.
- حركة تحرير السودان، جناح عبدالواحد محمد نور ،وتعد إحدى الحركات السياسية والعسكرية الرئيسية في دارفور، ويرأسها المحامي عبد الواحد محمد نور.
-ح ركة تحرير السودان ، جناح مني أركو مناوي القائد الميداني للميليشيات المسلحة والأمين العام للحركة والذي انشق عن الحركة الام عام 2004 ، حيث انضم إلى حكومة الخرطوم تولى منصب كبير مساعدي الرئيس السابق عمر البشير.
-حركة العدل والمساواة، وهي حركة منشقة عن حركة تحرير السودان عام 2001 ، وتمثل إحدى حركات التمرد في دارفور ويقودها الدكتور جبريل إبراهيم الذي تولى قيادةتها بعد اغتيال شقيقه خليل إبراهيم في ديسمبر 2011.
-حركة القوى الثورية المتحدة، وتأسست عام 2005 بمجموعة من أبناء القبائل في الحركات المسلحة، ويتزعمها حاليا حافظ عبد الرحمن بعد مقتل مؤسسها إبراهيم الزبيدي عام 2010 بعد اشتباكات مع القوات السودانية.
-حركة التحرير والعدالة بزعامة تيجاني سيسي ، وتضم تحالفاً لعشر جماعات متمردة شكلت التجمع الجديد في فبراير 2010، قبل أن تعلن تحولها الى حزب سياسي عام 2015 .
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)