قبل أيام أعلن مسؤولون أمريكيون أن الولايات المتحدة تخطط لخفض عدد قواتها في أفغانستان من 14 ألف جندي حاليا إلى ما يقارب تسعة آلاف خلال بضعة أشهر، ويعكس هذا الإعلان، في رأي الكثير من المراقبين، تفاؤلا واضحا لدى الإدارة الأمريكية بقرب التوصل إلى اتفاق سلام مع حركة طالبان الأفغانية، يتوج سلسلة من جولات المفاوضات المباشرة المتواصلة بين الجانبين منذ نحو عام ، وينهي أطول حرب عسكرية أمريكية خارجية، والتي امتدت على مدى نحو 18 عاما،كما يفتح الباب لوضع حد للحرب الأفغانية التي حصدت أرواح عشرات الآلاف من المواطنين الأفغان.
وكانت الجولة الأخيرة من محادثات السلام بين ممثلين عن حركة طالبان والولايات المتحدة، والمستمرة منذ نحو عام، قد عقدت أوائل شهر أغسطس الجاري ، وقد وصف مسؤولون أمريكيون، هذه الجولة من المفاوضات، والتي تعد الثامنة من نوعها بين الجانبين، بأنها المرحلة الأكثر حسما في جهود إنهاء الحرب في أفغانستان.
لكن هذه الجولة انتهت بدون التوصل لاتفاق نهائي كما كان مؤملا، فقد أعلن ممثلو الجانبين عن التوصل لتوافق بشأن بعض النقاط الخلافية، بينما بقيت نقاط أخرى عالقة ، وأن كلا الجانبين سيتشاور مع قادته بشأن ما تم التوصل إليه ، قبل التوقيع على اتفاق السلام المرتقب.
وتسعى حركة طالبان، من خلال هذه المفاوضات، إلى انتزاع موافقة أمريكية على جدول زمني للانسحاب الكامل لجميع القوات الأجنبية من أفغانستان،وينتشر في أفغانستان حاليا نحو 20 ألف جندي أجنبي، معظمهم أمريكيون، في إطار مهمة لحلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة لتدريب ومساعدة القوات الأفغانية وإمدادها بالمشورة.
في المقابل تريد الولايات المتحدة الحصول على ضمانات من طالبان بعدم استخدام الأراضي الأفغانية مستقبلاً، منطلقاً لأي جماعات مسلحة أو إرهابية مثل القاعدة أو داعش، لشن هجمات ضد مصالح أمريكا وحلفائها، حيث قال كبير المفاوضين الأمريكيين مع طالبان، وسفير أمريكا السابق في أفغانستان “زلماي خليل زاد :”إن جهدا مضنيا يبذل لكي تكون أفغانستان دولة ذات سيادة لا تشكل تهديداً لأي دولة أخرى”، كما تسعى لإلزامها بالعمل على تقاسم السلطة مع الحكومة الحالية في كابول.
وقد تحدثت تقارير إعلامية أفغانية عن أن اتفاق السلام المرتقب بين طالبان والولايات المتحدة، سيتضمن سحب خمسة آلاف جندي أمريكي من أفغانستان خلال أربعة أشهر، بينما سيتم سحب بقية القوات خلال عامين من توقيع الاتفاق، كما يتضمن الاتفاق قيام القوات الأمريكية والقوات التابعة للحكومة الأفغانية، بالإفراج عن أسرى حركة طالبان لديهم، والذين يُقدر عددهم بما بين خمسة إلى عشرة آلاف أسير.
هذه التطورات اللافتة بقدر ما تفتح نافذة أمل في إمكانية وضع حد للحرب الأهلية الطاحنة الدائرة في أفغانستان، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من المواطنين الأفغان، فإنها تطرح في الوقت نفسه تساؤلات عديدة بشأن مستقبل الأوضاع في أفغانستان، والترتيبات الأمنية والسياسية التي ستعقب التوصل لأي اتفاق سلام بين الولايات المتحدة وطالبان.
وفي مقدمة تلك الأسئلة ما يتعلق منها بملامح المشهد السياسي والأمني في البلاد، وشكل العلاقة بين طالبان والحكومة الأفغانية الشرعية في كابل، لاسيما في ظل الدائرة حاليا بين القوات الحكومية وعناصر طالبان.
إذ أن أي اتفاق سلام بين واشنطن وحركة طالبان، لن يكون له أي انعكاسات إيجابية على صعيد مستقبل الوضع الأمني والسياسي في أفغانستان، بدون عقد مفاوضات مباشرة بين طالبان والحكومة الأفغانية لوضع الترتيبات التي ستتم عقب الانسحاب الأمريكي المرتقب، لكن العقبة أمام عقد تلك المفاوضات، هي أن طالبان لا تعترف – حتى الآن – بالحكومة الأفغانية الحالية، وتعتبرها ” غير شرعية”.
لكن “الملا خير الله خير خوا” ، وهو أحد قيادات حركة طالبان وعضو وفدها المفاوض مع الولايات المتحدة، قال إن المحادثات حول المسائل الأخرى، ومنها حوار الحركة والحكومة الأفغانية، سيتم البدء فيها بعد التوقيع على اتفاق السلام بين طالبان وواشنطن.
وينقسم الأفغان بين مؤيد ومشكك ومعارض لهذه المفاوضات وما يمكن أن تسفر عنه من نتائج على مستقبل الوضع في بلادهم، فبينما يأمل الكثيرون منهم في أن يؤدي أي اتفاق سلام بين طالبان والولايات المتحدة، إلى تحسين الوضع الأمني والسياسي في بلادهم ووضع حد لحالة الاقتتال التي تعيشها البلاد، ينظر آخرون بعين الشك إلى الأهداف والدوافع الأمريكية وراء ذلك، وما يمكن أن يحققه مثل هذا الاتفاق، لاسيما وأن المفاوضات بين طالبان وواشنطن تتم في غيبة أي ممثلين للحكومة الأفغانية وللشعب الأفغاني، الذي يرون أنه دفع ثمنا فادحا لممارسات طالبان ومقاتليها.
ففي عام 2018 فقط قُتل 4 آلاف مدني على يد حركة طالبان التي نفذت 68 عملية انتحارية ضد المدنيين في العاصمة كابل، وأعلنت مسؤوليتها عن هذه العمليات، كما قتل مئات الآلاف من الأفغان منذ عام 2001، بما في ذلك قوات الأمن الأفغانية والمدنيين على حد سواء.
ويعتقد المشككون، في نتائج المفاوضات الحالية بين واشنطن وطالبان، أن الجانب الأمريكي ليس مهتما بمستقبل أفغانستان، بل يسعى لحل مشاكله الأمنية وسحب قواته الموجودة هناك، بما يحقق إنجازا انتخابيا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب يمكنه الاستفادة منه في معركة إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية العام المقبل، بغض النظر عما يمكن أن يحدث في البلاد عقب هذا الانسحاب.
لكن المؤيدون للمفاوضات يعتقدون أن اتفاق السلام المحتمل بين طالبان والولايات المتحدة، سيفتح الباب للتوصل إلى تسوية سياسية وتقاسم للسلطة بين طالبان والحكومة الأفغانية، ومن ثم إنهاء الحرب الأهلية وعودة الأمن إلى البلاد.
ومن بين المشككين في جدوى أي اتفاق بين واشنطن وطالبان، الرئيس الأفغاني أشرف غني، الذي أكد إن بلاده هي من ستقرر مصيرها وليس الغرباء، في إشارة إلى المفاوضات الحالية بين الحركة وواشنطن.
ويحذر مراقبون من أنه ما لم تكن هناك ضمانات قوية وملزمة لحركة طالبان بشأن ترتيبات ما بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، فإن البلاد قد تشهد مزيدا من الفوضى الأمنية والسياسية، والتي ستكون طالبان المستفيد الأكبر منها، فهي لن تحصل فقط – وفقا للاتفاق المرتقب- على الشرعية والاعتراف من قبل واشنطن، بل ستكون الطرف الأقوى أمنيا على الساحة الأفغانية، لاسيما في ظل حالة الضعف الذي تعيشه قوات الأمن النظامية الأفغانية.
فقد أظهر تحليل لأكثر من 2300 قتيل من القوات الحكومية الأفغانية في القتال، جرى تجميعه من الحوادث اليومية والتقارير الصحافية بواسطة صحيفة “نيويورك تايمز” عن السبعة أشهر الأولى من العام الحالي، وأن أكثر من 87 % من الوفيات وقعت خلال هجمات لحركة طالبان على القواعد أو نقاط التفتيش أو مراكز القيادة.
وتشير الأرقام المذكورة إلى أن طالبان نفذت خلال تلك الفترة أكثر من 280 هجوماً، أي بمتوسط هجوم واحد يوميا تقريباً، وتسيطر حركة طالبان حاليا على مساحات أكبر من أي وقت مضى منذ أطاحت بها الولايات المتحدة من الحكم في 2001.
ومن المنتظر أن يتضمن اتفاق السلام المرتقب بين واشنطن وطالبان التزاما من جانب الحركة بعقد محادثات لاقتسام السلطة مع الحكومة، إلا أنه من غير المتوقع أن توافق طالبان على هدنة مع الحكومة، وهو ما يثير المخاوف من مواصلة عناصر القتال ضد القوات الحكومية بعد الانسحاب الأمريكي.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)