يهل اليوم السبت على العالم “يوم عرفه”، الذي سيظل مشهودا لدى المسلمين في كافة بقاع الأرض على مر الزمان ، مهيبا وجليلا بمعناه الديني والإنساني والاجتماعي، يأخذ قلوب ووجدان من أتم حجه بالوقوف عليه .. ومن تابع الحجاج بمشاهدتهم عن بعد .. ومن يتشوق لأداء فريضة الحج الركن الخامس من أركان الإسلام ليكتمل دينه.
مكانة خاصة يحظى بها هذا اليوم لدى المسلمين عامة، لما فيه من فضل قبول الدعاء وإقالة العثرات ومغفرة الذنوب، وتتعاظم أهمية هذا اليوم لدى حجيج بيت الله الحرام، فهو يوم ” شعيرة الركن الأعظم في الحج ” حيث يتوجهون لصعيد جبل عرفات لتأدية أهم ركن في مناسك الحج “فالحج عرفه”.
ففي “يوم عرفة” يتوافد جموع الحجيج من شتى بقاع العالم على جبل عرفات المقدس “الذي يبعد عن حدود مكة المكرمة بحوالي 22 كيلومترا”، لإتمام ركن الحج الأعظم ، بعد أن لبوا نداء أبيهم إبراهيم وتهيئوا للحج بالنية والإحرام وطواف القدوم والتوجه للمبيت في المزدلفة، حيث سيقضي الحجيج يومهم في الذكر والدعاء وهم على يقين بالإجابة.
أما عيون القابضين على الرغبة والتمني، الذين يلهبهم شوق الزيارة وعدم الاستطاعة ، فهم يتابعون عن بعد بقلوب خاشعة هذا المشهد العظيم عبر وسائل الإعلام المرئية ، مشهد تصعيد الحجيج على جبل عرفات في ملابس إحرامهم البيضاء من الفجر للغروب ، والكل يدعو الله أن لا تغرب شمس هذا اليوم إلا وهم من عتقائه من النار، وفضل يوم عرفة “اليوم التاسع من شهر ذي الحجة” عظيم على سائر الأيام الأخرى، وعلى أيام شهر ذي الحجة نفسه، وهو يوم عظم الله أمره، ورفع على الأيام قدره، فهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، ويوم مغفرة الذنوب والعتق من النار.
ويوم عرفه هو اليوم الذي أقسم الله به، والعظيم لا يقسم لا بعظيم، وصيامه يكفر سنتين، وهو اليوم الذي أخذ الله فيه الميثاق على ذرية آدم .. وفيه تنزل الرحمات والمغفرة ، ويدنو أرحم الراحمين من السماء الدنيا ويطلع إلى ضيوفه ويباهي بجمعهم ملائكته ويشهدهم أنه قد غفر لهم
وفضل وقفة عرفة على باقي مناسك الحج لا تأتي من فراغ حيث يأخذ الوقوف على جبل عرفات الحجيج إلى مساحة من الصفاء والخشوع والشفافية، حيث يقضون يومهم من شروق الشمس إلى غروبها في ذكر ودعاء، يحاورون الله بقلوب محترقة ودموع خائفة قلقة وهم على يقين بالإجابة، فكلهم راج أحسن الظن بوعد الله وصدقه، وتائب أخلص التوبة، وهارب من ذنوبه لاجئا إلى الله طارقا بابه ، فكم من مستوجب للنار أنقذه الله وأعتقه بفضل هذا اليوم ، وكم من أعسر الأوزار فكه وأطلقه.
وشعائر هذا اليوم في مناسك الحج تبدأ بعد أن يؤدي الحجيج صلاة الفجر في منى “التي تبعد 7 كيلومترات عن مكة” فينتظرون إلى شروق الشمس، ثم يسلكون طريقهم إلى عرفات وهم يرددون التلبية، ويقضون فيها النهار كله حتى غروب الشمس، حيث يدعون الله ويذكرونه ويبتهلون إليه كثيرا مقتدين في ذلك بفعل النبي – صلى الله عليه وسلم – ويتخلل اليوم خطبة يوم عرفه يلقيها إمام الحجاج ، ثم يصلون خلفه الظهر والعصر جمعا وقصرا بآذان واحد وإقامتين، وفيه يقضي المسلمون ساعات يومهم في الصلاة والدعاء والاستغفار وقراءة القرآن من شروق الشمس لغروبها، ثم النحر والحلق والتحلل ورمى جمرات العقبة مع بداية أيام التشريق.
وفي يوم عرفة، أتم الله دينه على أمة الإسلام، وفيه أعلن سيد الأنام في خطبة الوداع في حجته الأولى والوحيدة اكتمال أركان الدولة الإسلامية ومبادئ حقوق الإنسان منذ أكثر من 14 قرنا، وفيها أرسى دعائم حقوق البشر، وهو ما يعمل المسلمون على تجديد العهد به في كل مرة يقومون فيها بزيارة البيت العتيق للحج أو الإعمار، حيث تزكى هذه المناسك الشعور بالانتماء لأمة عظيمة، وهي أمة الإسلام.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط ( أ ش أ )