للمصريين مع يوم 26 يوليو وقفات تاريخية ووطنية لا تنسى، فهو يوم حافل بأكثر من حدث تاريخى ذي بصمة ستظل محفورة فى سجلات التاريخ وذاكرته ، فقد شهد هذا اليوم فى عام 1952 تنازل الملك “فاروق الأول ” عن العرش بعد ثلاثة أيام من قيام ثورة 23 يوليو عام 1952 ، التى لعبت دورا محوريا فى حياة شعب مصر وامتد تأثيرها الملهم إلى المنطقة والعالم، لتمنح الأمل والدعم لثوار ومناضلين فى بقاع عديدة وقارات مختلفة.
تنازل الملك فاروق عن العرش لابنه الأمير أحمد فؤاد جاء بناء على طلب تنظيم الضباط الأحرار الذى فجر الثورة ، وتم تعيين مجلس وصاية على العرش برئاسة الأمير محمد عبد المنعم ، وفى تمام الساعة السادسة وعشرين دقيقة مساء ، غادر الملك فاروق مصر ومعه زوجته الملكة ناريمان وبقية أفراد أسرته بما فيهم ولى العرش أحمد فؤاد، على ظهر اليخت الملكى ” المحروسة ” متجها الى المنفى ، وقد حضر عدد من الضباط الاحرار لوداع الملك ، وكان فى مقدمتهم اللواء محمد نجيب.
وفى ذات اليوم ، وبعد مضى ثلاثة أعوام من الثورة ، أعلن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر قرار تأميم قناة السويس ، بكلمات مدوية ورنانة تتردد فى الأذن بمجرد الحديث عن قناة السويس ، كلمات نارية لم ولن تنسى وستظل شاهدا على عظمة مصر قيادة وشعب ، ومفخرة للمصريين جيلا بعد جيل ، كلمات أطلقها الزعيم وسط جماهير غفيرة احتشدوا فى ميدان المنشية بالإسكندرية ، معلنا “قرار رئيس الجمهورية بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس، شركة مساهمة مصرية” ، القرار الذي استقبله المصريون بفرحة عارمة ، واستقبله الغرب بإستياء واستهجان ، فكان طلقة نار أذهلت قوى الاستعمار وأذهبت عقله نحو حتمية الانتقام.
وجاء أول رد فعل على هذا القرار ، بقيام فرنسا وانجلترا بتجميد الأموال المصرية في بنوك بلادهما، وقيام الولايات المتحدة الامريكية بتجميد أموال شركة القناة التى قدرت فى ذلك الوقت بنحو 43 مليون دولار، ثم حانت لحظة الانتقام من مصر بعدوان ثلاثى اشتركت فيه فرنسا وبريطانيا وإسرائيل.
لم يكن قرار التأميم قرارا مفاجئا كما اعتقد الكثيرون، حيث اعتبر ناصر أن إعادة قناة السويس لمصر واحدا من أهم أهداف الثورة، وكان إصراره على اتفاقية الجلاء فى عام 1954 التى نفذت بجلاء آخر جندي بريطانى عن مصر فى 18 يونيو عام 1956 ، قبل التأميم بحوالى 35 يوما فقط ، بما يمكن اعتباره بأن الخطوة التى أسست لتنفيذ قرار التأميم .
وحين أمم عبدالناصر القناة لم يكن يعلن عن نقل ملكيتها لأصحابها الحقيقيين فقط، لكنه كان يعلن فيها أيضا عن تدشين زعامته، وتكريس محورية الدولة المصرية فى المنطقة والعالم، وعن مشروعه الوطنى للاستقلال والتنمية والعدالة الاجتماعية.
وفى عام ٢٠١٣ ، عاد يوم 26 يوليو مجددا ليسجل باحرف من نور في سجلات التاريخ، عندما خرج ملايين المصريين فى القاهرة وبقية المحافظات، تلبية لنداء الفريق أول عبدالفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة آنذاك لتفويض الجيش والشرطة في مواجهة الإرهاب والعنف في مصر، ولتعلن الجماهير رفضها الفاشية الدينية، ولتمنح الشرعية لخريطة الطريق التى تم إعلانها فى الثالث من الشهر نفسه، ولتؤكد استرداد ثورة 25 يناير، والإصرار على تحقيق مطالبها الممثلة فى ” العيش، والحرية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية “.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط ( أ ش أ )