مدارس “الفرصة الثانية” أو “الفرصة البديلة” أحد المشاريع المهمة التي تستهدف المتسربين من التعليم وأطفال الشوارع والشباب العاطلين والمدمنين أو كل من لديه مشكلة اجتماعية حالت دون تعليمه وجعلته منبوذا في المجتمع. فهذه المدارس تساعد هؤلاء على إيجاد حياة جديدة ومكان بالمجتمع.
وتحظى مراكز ومدارس الفرصة الثانية بدعم الاتحاد من أجل المتوسط الذي يضم في عضويته 43 دولة من بلدان منطقة المتوسط من أجل محاربة الأمية والبطالة والتطرف وهي من أهم التحديات ذات التداعيات الخطيرة على مستقبل المنطقة.
وقالت إيمانويل جاردان رئيس قطاع التعليم العالي والبحث العلمي في الاتحاد من أجل المتوسط -في مقابلة مع وكالة أنباء الشرق الأوسط من داخل مقر الاتحاد ببرشلونة- إن الاتحاد تبنى مشروعا يطلق عليه “الشبكة المتوسطية للفرصة الجديدة” بهدف تعزيز قابلية توظيف الخريجين الشباب والمتسربين من المدارس، حيث تقوم “مدارس و مراكز الفرصة الثانية أو الفرصة البديلة” بإعدادهم لاكتساب مهارات لازمة لكي يصبحوا مواطنين ناجحين ومستعدين لسوق العمل.
وأضافت أن “مدارس الفرصة الثانية” تساعد الأطفال والشباب المتسرب من التعليم أو في حالة بطالة طويلة الأمد أو الذي يعاني من مشاكل اجتماعية أو لديه سجل قضائي على إعادة الاندماج في المجتمع والانخراط في واقع جديد ومستقبل ملئ بالآمال، وهذا المشروع الذي حصل على ختم الدول الثلاثة والأربعين أعضاء الاتحاد من أجل المتوسط في عام 2014 تسانده شبكة إقليمية من مراكز التدريب والدمج المهني المعتمدة لتشجيع نموذج تعليمي مبتكر بالتعاون مع السلطات المحلية والقطاع الخاص والمجتمع المدني ببلدان المتوسط.
وقامت وكالة أنباء الشرق الأوسط بزيارة مؤسسة “فونداثيون إل ليندار” بمدينة برشلونة، وهي كيان اجتماعي وتعليمي بارز وعضو مؤسس لجمعية مدارس الفرصة الثانية، وأحد شركاء مشروع الاتحاد من أجل المتوسط التي تضم نحو 400 طالب وطالبة تتراوح أعمارهم بين الـ14 والـ25 عاما، وتقدم عدة اقتراحات التعليم الثانوي الإلزامي لدون الـ16 عاما والتدريب المهني بعد الـ16 عاما في مجالات الرسم والميكانيكا وإصلاح السيارات وصيانة المباني والسباكة والنجارة والخياطة، حيث يقضي الطلاب بها من عام الى أربعة أعوام.
كما يقوم عدد من الشبان بإدارة مطعم “مدرسة إل ليندار” وصالون تجميل مفتوحين لعامة الناس، وهي مهن تدربوا عليها بالمدرسة. ويتردد على المطعم وصالون التجميل زبائن من المجتمع المدني من اجل تشجيع وتحفيز هؤلاء الشباب.
وخلال تفقد أحد فصول المدرسة قال أحد الطلاب (14 عاما) ردا على سؤال حول الفرق بين النظام التعليمي الذي تسرب منه و النظام التربوي بهذه المدرسة، إنه يشعر هنا بالأمان والاهتمام وإنه لا يعرف ماذا يريد أن يصبح إلا أن معلمته تساعده على التفكير وعلى إيجاد طريق للمستقبل، وقال طالب آخر “المعلمة هنا بهذه المدرسة ليست للحكم علينا بل لمساعدتنا”.
وداخل فصل آخر كانت 10 فتيات تجلسن ومن حولهن أدوات وماكينات الخياطة حيث يقمن بتفصيل ملابس وستائر.
وأثناء زيارة ورشة النجارة والسباكة بالمدرسة والتي يتدرب بها نحو 16 شابا دون الـ18 عاما، قال احد الطلاب إن الحكومة تطلق على هذه المدرسة اسم الفرصة الثانية الا انه يعتبر أنها فرصته الأولى.
ومن داخل ورشة تصليح السيارات التي يتعلم بها نحو 20 مراهقا من المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا إسبانيا بلا أوراق من مختلف الدول الإفريقية، أوضحت كريستينا جوميز برادا المسئولة عن المشروع التربوي “بمدرسة إل ليندار” ان السلطات المحلية بإقليم كتالونيا أسندت إلى المدرسة تدريس هؤلاء الطلاب نفس المناهج الموجودة بالنظام المدرسي العادي ولكن بطريقة مختلفة تتناسب مع ظروفهم، ونظرًا لاقترابهم من سن الـ18 وهو السن الذي ستتوقف السلطات المحلية عن مساعدتهم لأنهم لن يعتبروا قصر، فالمدرسة ستسعى إلى سرعة الانتهاء من تعليمهم اللغة الاسبانية حتى يستطيعوا الاندماج في المجتمع بعد خروجهم من المدرسة.
بدورها، قالت بيجونيا جاش ياجوي مديرة “مؤسسة إل ليندار” إنه في بداية هذا المشروع عام ٢٠٠٤ قامت الشئون الاجتماعية التابعة للحكومة الاسبانية بإرسال شباب لديه مشاكل اجتماعية ويعاني من عدم القدرة على الاندماج في المجتمع، وبعضهم ارتكب جرائم سرقات صغيرة ولديه سجل جنائي و وجدوا أنفسهم في الشارع بلا مأوى.
وتابعت أنها تعاملت مع كل حالة على حدة وبحثت مشكلة كل طفل أو شاب جاء بنفسه أو أرسلته الحكومة لها، ومن هنا وضعت نظاما تربويا وتحول هذا المكان الذي كان ينظر اليه الناس في البداية على أساس إنه يأوي أطفالا لم يرغب النظام التعليمي في إدماجهم وتم تركهم بالشارع، وتغيرت هذه الصورة السلبية القاسية اليوم ونحن في عام 2019 أي بعد 15 عاما على انشاء المدرسة، وأصبح هناك إقبال كبير على الالتحاق بالمدرسة.
وأضافت أن لديها قائمة انتظار لما يزيد عن مئة طفل وشاب سمعوا أن “مدرسة الفرصة الثانية” ستساعدهم على إيجاد طريق لحياتهم وستجعل مستقبلهم أكثر سعادة، وأن الأطفال الذين تستقبلهم بالمدرسة لديهم جميعا نقطة مشتركة وهي حياة منكسرة ومشكلات أسرية كبيرة وفشل في المدرسة ولديهم شعور بالضياع.
وأكدت مديرة المدرسة أنها لا تعمل على تكييف الطلاب مع النظام المدرسي بل تكييف المناهج التربوية وفقا لكل حالة، في ظل معاناة هؤلاء الأطفال من مشاكل اجتماعية وعدم قدرتهم على تحصيل المعلومة، ما يتطلب فهم نفسية كل طفل واقتراح حلول لمساعدته و وضعه على الطريق الصحيح.
ورأت بيجونيا جاش ياجوي أن المدرسة لا يجب أن تعمل فقط على الإعداد لسوق العمل بل لابد أن تكون مدرسة للحياة، واعتبرت أن وضع غيار على الجرح ليس حلا طويل الأجل بل لابد من معالجة الجرح -في إشارة الى المشاكل النفسية والاجتماعية التي يعاني منها هولاء الاطفال- ولذا فالمدرسة عليها ان تسعى لحل مشكلاتهم واصطحابهم الى النجاح في مختلف جوانب الحياة.
وتعد مشكلة تمويل “مدارس الفرصة الثانية” من أكبر التحديات، فبحسب تأكيد مديرة المدرسة تحاول دائما الحصول على دعم ومساعدات مالية لإيجاد الضمان المالي الذي يمكنها من العمل بأمان لمدة ثلاث سنوات على الأقل دون التفكير في مشكلة التمويل حيث أنها لا تشعر بالأمان المالي، وأوضحت أنها عندما علمت بأن مدرسة الفرصة الثانية بمارسيليا تتكفل بها الحكومة الفرنسية بنسبة مئة بالمئة، أعطاها ذلك الأمل في الحصول على دعم كبير من الدولة لتغطية النفقات.
وأوضحت إيمانويل جاردان رئيس قطاع التعليم العالي والبحث العلمي في الاتحاد من أجل المتوسط، أن الاتحاد يساند بكل قوة و بشكل غير مباشر “مدارس الفرصة الثانية” إلا أنه ليس من شأنه تمويل هذه المدارس حتى وان كان يمول بعض اللقاءات التي تعقد في هذا الشأن و يسهل الحصول على ممولين.
وأكدت أن الأمانة العامة للاتحاد قدمت للدول الأعضاء هذا المشروع الذي يعد شبكة تربط جميع مدارس ومراكز الفرصة الثانية سويا، وتقوم منظمة فرنسية غير حكومية وهي المعهد الأوروبي للتعاون والتنمية (المعني بحل مشكلة البطالة والتدريب المهني والتأهيل) بالتعاون مع الاتحاد و بالتنسيق بين مختلف “مدارس ومراكز الفرصة الثانية” في منطقة المتوسط وتنظيم المؤتمرات واللقاءات لشرح المشروع وأهميته وفائدته.
وقالت جاردان إن فرنسا تعتبر الدولة الرائدة حيث إن مدرسة الفرصة الثانية بمدينة مارسيليا هي الأقدم بالمنطقة ونقلت خبرتها إلى مختلف البلاد حيث تتواجد اليوم هذه المدارس في مصر والمغرب وتونس ولبنان والبرتغال وبالعديد من دول المتوسط؛ و يقوم المسئولون في هذه البلدان بزيارات متبادلة للتعرف على مشروع كل دولة عن قرب وتبادل الخبرات في هذا المجال.
ولفتت إلى أن كل دولة تطور نموذجا لهذه المدارس على طريقتها الخاصة فعلى سبيل المثال في تونس، يستهدف هذا المشروع خريجي الجامعات الباحثين عن فرصة عمل، و يتم تدريبهم وتأهيلهم على يد مجموعة من المتخصصين في مختلف المجالات.
وتابعت أن الاتحاد من أجل المتوسط يشارك بجميع الاجتماعات التي تعقد من أجل هذا المشروع الرئيسيّ للاتحاد ويساعد جميع الدول الأعضاء على التعاون سويا، كما أن أمين عام الاتحاد السفير ناصر كامل يتناول هذا المشروع خلال لقاءاته بالمسئولين المعنيين من مختلف الدول، فضلا عن قيام مساعدين الأمين العام ايضا بشرح أهمية مدارس الفرصة الثانية أثناء زيارتهم بدول المتوسط؛ وفِي حالة إبداء أي دولة عضو اهتمامها يقوم الاتحاد على الفور بالتنسيق في هذا الشأن.
وأشارت جاردان إلى أن الاتحاد من أجل المتوسط بدأ العمل في هذا المشروع مع مدرسة الفرصة الثانية بمارسيليا من أجل إعادة إنتاج هذا النموذج في بلدان مختلفة من البحر المتوسط، وأبرزت أهمية هذا المشروع للإسهام في مواجهة تحدي مشترك وهو مشكلة التسرب المدرسي وعواقبه والخريجين الجامعين غير المؤهلين لسوق العمل.
وقالت رئيس قطاع التعليم العالي والبحث العلمي في الاتحاد من أجل المتوسط إن مدرسة الفرصة البديلة بمدينة الإسكندرية تلقى اهتماما كبيرا، وإنه تم بالتعاون مع مدرسة الفرصة الثانية بمارسيليا نقل هذا النموذج الناجح بفرنسا إلى مصر.
المصدر : أ ش أ