بعد تشبثها بكرسي رئاسة الوزارء وتصديها لدعوات الاستقالة، انهارت مقاومة تريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية لتتخلى عن لقب المرأة الحديدية بظهور ضعفها الإنساني عندما أجهشت بالبكاء عند إعلانها بكثير من الأسى تخليها عن رئاسة حزب المحافظين في السابع من يونيو المقبل.
وقالت ماي – في كلمة ألقتها أمام مقر الحكومة بلندن في داونينج ستريت – “لقد بذلت ما بوسعي لتنفيذ نتيجة استفتاء 2016 للخروج من الاتحاد الأوروبي”، معربه عن أسفها العميق أنها لم تتمكن من تنفيذ قرار الاستفتاء، مشيرة إلى أن اختيار رئيس جديد للوزراء سيكون “في مصلحة البلاد”.
وفور هذا الإعلان بدأ السياسيون البريطانيون في التخطيط للمرحلة القادمة، خاصة مع نجاحهم في دفع ماي إلى الاستقالة، حيث تعرضت لضغوط كبيرة من قبل للاستقالة بعد فشلها في إقناع نواب حزبها بخطة الخروج من الاتحاد الأوروبي التي عرضتها على مجلس العموم؛ حيث رفض البرلمان ثلاث مرات الاتفاق الذي تفاوضت عليه ماي مع الاتحاد الأوروبي، كما فشلت أيضا محاولاتها التوصل إلى توافق مع حزب العمال بشأن خطة الخروج من الاتحاد الأوروبي والتعديلات الأخيرة التي تضمنتها الخطة والتي تضمنت تدابير خاصة بخصوص الاتحاد الجمركي، ومنح النواب فرصة للتصويت بشأن إمكانية إعادة الاستفتاء على الخروج من الاتحاد، الأمر الذي أغضب الكثير من النواب المحافظين، وأدى إلى إعلان حزب العمال أن خطة ماي الجديدة إنما هي “مجرد إعادة” للخطة السابقة.
ومن وجهة نظر التحليل السياسي، فإن ما أسقط ماي دعوتها لانتخابات مبكرة التي تم اعتبارها حل وسط ومحاولة استرضاء جميع الأطراف؛ والذي بطرحه تخلت ماي عن تعنتها وتحولت من مرحلة لا تظهر فيها ولا تتحدث مطلقا عن عملية الخروج من الاتحاد إلى مرحلة الحديث عن الحلول الوسط، وجاءت استقالة الوزيرة أندريا ليدسوم من الحكومة، لتكون القشة التي قسمت ظهر البعير، حيث قالت إنها لم تعد تعتقد أن خطة الحكومة قادرة على تنفيذ “نتيجة الاستفتاء”.
إلى الظل ستتوارى تريزا ماي السياسية البريطانية البارزة التى شغلت منصب رئيسة وزراء بريطانيا منذ 13 يوليو 2016 خلفا لديفيد كاميرون، كما توارت قبلها مارجريت تاتشر أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في تاريخ بريطانيا، وماي هى ثالث سياسي بريطاني يتولى المنصب دون انتخابات رسمية، حيث أصبحت المرشحة الوحيدة إثر انسحاب منافستها أندريا ليدسوم من السباق على زعامة حزب المحافظين.
وخلال إدارتها لملف خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي “بريكسيت”، تعرضت ماي للمطالبة بالاستقالة وسحب الثقة عدة مرات، من بينها ما تعرضت له من مأزق في الثاني عشر من ديسمبر الماضي عندما قدم 48 نائبا محافظا رسائل في هذا الشأن، مما استدعى إجراء تصويت على سحب الثقة في قيادتها للحزب، و قبل التصويت، قالت ماي إنها لن تقود حزبها في الانتخابات العامة المقبلة المقرر إجراؤها في عام 2022.
وقرار الاستقالة خلق حالة من الترقب عند قادة الدول الأوروبية ومسئولي الاتحاد، حيث قد يمثل القرار كارثة بالمعنى الاقتصادي للطرفين (بريطانيا والاتحاد) خاصة عند الخروج من الاتحاد بدون اتفاق، مما يزيد من قلق البريطانيين بشأن “بريكست” التي استغرقت وقتا طويلا فاق وقت بناء برج “إيفل”.
أسبوعان تستمر فيهما ماي في منصبها كرئيسة للوزراء فيما تجري عملية اختيار زعيم جديد لحزب المحافظين، وباستقالتها رسميا في 7 يونيو المقبل من زعامة الحزب، سيبدأ التنافس على المنصب في الأسبوع التالي لاختيار من سيخلفها، وهذه المنافسة الداخلية في الحزب ربما تستغرق حوالي شهرًا، أي أنه يمكن القول إنه بحلول شهر يوليو القادم سيكون هناك رئيس وزراء جديد لبريطانيا.
وحتى هذه اللحظة، تشير استطلاعات الرأي إلى أن من أبرز المنافسين على المنصب “بوريس جونسون” وزير الخارجية البريطاني السابق الذي يعد من أكبر داعمي “بريكست”، والخروج من الاتحاد بدون اتفاق، فيما أكد المعارضون أن ماي اتخذت القرار الصحيح حين ألقت الكرة للشعب مجددا.
المصدر: