أكسبت رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي خلال العام الحالي، والاستعدادات الجارية حاليا على قدم وساق لاستضافة مصر كأس الأمم الإفريقية، مناسبة (يوم إفريقيا) التي يحييها المجتمع الدولي في ٢٥ مايو من كل عام مذاقا خاصا، فبات متفردا في عام 2019 عن الأعوام السابقة في ظل التيمن بعام جديد ومشرق يطل على القارة الإفريقية يأخذها إلى آفاق أكبر.
وتأمل القارة الإفريقية تحت رئاسة مصر أن تتبوأ مكانتها اللائقة على خارطة التقدم العالمية، وأن تتحرك بسرعة أكبر نحو تحقيق تطلعات مواطنيها، وأن تحقق السلام والاستقرار في ربوعها، وأن تعويض ما فات على طريق التنمية الشاملة، وتطوير البنية الأساسية، وإقامة المشروعات الاستثمارية المتنوعة.
وأوضح الرئيس عبد الفتاح السيسي ملامح رؤيته لتحقيق التقدم في القارة الإفريقية في جميع المجالات، خلال الكلمة التي ألقاها في فعاليات (منتدى إفريقيا 2018)، الذي عقد بشرم الشيخ، بمشاركة زعماء القارة وكبار قادة التمويل والاستثمار، حيث أكد الرئيس مجموعة من المحاور وبرامج العمل لتحقيق مزيد من التكامل الإقليمي وتيسير حركة التجارة البينية، لاسيما بعد أن أطلق الاتحاد الإفريقي منطقة التجارة الحرة القارية، وكذلك زيادة الاستثمارات بين دول القارة الإفريقية، من خلال تنفيذ مشروعات مشتركة وعابرة للحدود، خاصة في مجالات البنية الأساسية، والطاقة الجديدة والمتجددة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، في إطار العمل المشترك تحت مظلة الاتحاد الإفريقي.
ففي جعبة الرئيس السيسي رئيس الاتحاد مجموعة من الأفكار والمقترحات والمبادرات التي تستهدف إعطاء دفعة للعمل المشترك بين الدول الإفريقية، خلال عام رئاسته للاتحاد وما بعدها، إيمانا منه بأن العالم ينظر إلى إفريقيا باعتبارها أرض الفرص الواعدة، وأنها مؤهلة لتحقيق معدلات مرتفعة للنمو الاقتصادي المستدام، في ظل ما تمتلكه من موارد بشرية وثروات هائلة ومتنوعة، وهو ما يضعها أمام تحد كبير، لتحقيق مستويات معيشة كريمة لجميع مواطنيها، كما يرى الرئيس أن تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والتحديث، هي أهم سبل مجابهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في القارة.
وتحتفل الدول الإفريقية، غدا السبت، بـ (يوم إفريقيا)، الذي يتزامن مع الذكرى 56 لتأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، ففي يوم ٢٥ مايو من عام ١٩٦٣، وقع قادة 30 دولة إفريقية من 32 دولة مستقلة، من بينها مصر على الميثاق التأسيسي لمنظمة الوحدة الإفريقية في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، وفي عام ٢٠٠٢ تحول اسم المنظمة إلى “الاتحاد الأفريقى”، وهو اتحاد دولى يتألف حاليا من ٥٥ دولة إفريقية، وتعتبر مدينة أديس أبابا العاصمة الإدارية والمقر الرئيسي للاتحاد.
وتسعى مصر خلال رئاستها للاتحاد الإفريقي إلى الاستمرار في بناء اتحاد قوى، ودعم التغييرات الهيكلية فيه ليكون قادرا على تحقيق أهداف أجندة ٢٠٣٦، والبناء على ما تحقق طيلة السنوات الماضية، وتفعيل المشروعات التي تحقق التنمية الشاملة والمستدامة في القارة.
وأوضح الرئيس أنه من الضروري أن تتناسب تلك الإصلاحات، مع متطلبات العصر واحتياجات المواطنين ودفع عملية التنمية، لتشمل تطوير الطرق والمطارات والموانئ والمدن، وشبكات الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي، كما يجب أن تواكب عملية الإصلاح متطلبات ثورة المعلومات والتكنولوجيا المتطورة، والصناعات والخدمات الجديدة المرتبطة بالاقتصاد الرقمي، وأن تتوافق أيضا مع الجهود المبذولة على الصعيد الدولي، للتصدي لتغيرات المناخ وخفض الانبعاثات الضارة بالبيئة للمحافظة على كوكبنا، إلى جانب التأكيد على أهمية استغلال طاقات الشباب الإفريقي الكامنة، من خلال إتاحة التمويل للمشروعات المنتجة، التي توفر لهم فرص العمل، فضلا عن إتاحة المزيد من التمكين الاقتصادي للمرأة الإفريقية، والقضاء على كل أشكال العنف والتمييز ضدها، حيث أنها تمثل ركيزة أساسية للتنمية وأحد مكوناتها الفاعلة.
ومن خلال جهود الوساطة لمنظمة الوحدة الإفريقية، وبعدها الاتحاد الإفريقي والمنظمات الإقليمية، وأيضا المجتمع الدولي، خفت حدة التوترات الداخلية، وفترت بعض النقاط الساخنة أو تم التحكم فيها، ووقعت اتفاقات السلام واحدة تلو الأخرى من قبل البؤر الساخنة، وخطت إفريقيا خطوات حثيثة على طريق تكثيف التكامل الاقتصادي، وتسارعت في السنوات الماضية خطوات التكامل الاقتصادي الإقليمي، يعززه غنى القارة بثرواتها الطبيعية، ورغم ذلك مازالت تعتبر منطقة محفوفة بالحروب والاضطرابات، ونتيجة لذلك فقد تغلبت النظرة المتشائمة على النظرة المتفائلة لعقود طويلة بشأنها، ومن خلال الجهود الشاقة للدول الإفريقية في السنوات القليلة الماضية، فإن الوضع العام في هذه المنطقة يتحرك نحو منعطف الفرص التاريخية الأحسن والأعظم التي تولد في إفريقيا.
قد أظهرت الدبلوماسية الإفريقية مظهرين أساسيين تمنح القارة السمراء فرصة عظيمة لاستكشاف سبيل التنمية، وهما أولا أن الدول الإفريقية- التي تحتل ربع مقاعد الأمم المتحدة- قوة عالمية لا يستهان إذا عمدت إلى استخدام القوة الجماعية بفاعلية، وثانيا تطبيق الدبلوماسية الاقتصادية على مدى واسع واستغلال تفوقها في مصادرها، واستثمار كل مناسبة لمناشدة المجتمع الدولي لمساعدة إفريقيا في التغلب على الصعوبات والتحديات التي تواجهها.
وتعتبر إفريقيا ذات ٧٠٠ مليون نسمة آخر أرض بكر، محل جذب متزايد للدول الغربية التي تحتاج إلى هدف جديد للاستثمار، ومع ظهور التغيرات الحديثة في وضع القارة السمراء، قررت الدول الغربية توفيق سياستها تجاه إفريقيا، وركز المجتمع الدولي اهتمامه بها، وقامت واحدة تلو الأخرى، بتعديل سياستها تجاه إفريقيا، معلقة اهتماما أكبر بهذا الإقليم من العالم، حيث اشتد إقبالها نحوه وزاد قناعتها به، وأظهر البنك الدولي والأمم المتحدة، والمجتمع الدولي عموما اهتماما أكبر من ذي قبل، وبذلوا جهودا عملية لمساعدة أفريقيا في تقليل حدة الفقر، والتغلب على انتشار الأمراض والكوارث الطبيعية والتخفيف من عبء الديون الثقيلة.
ومع التطورات في وضع إفريقيا والبيئة الدولية خلال السنوات القليلة الماضية، انبعثت اتجاهات جديدة، وتغيرات في مكانة إفريقيا الدولية بصورة تستحق الانتباه، فقد قوي الانتباه العالمي بعض الشيء بها، وجذبت التغيرات الإيجابية في وضع إفريقيا انتباها جديدا من الغرب، حيث حقق اقتصادها نموا مطردا في عدة سنوات متتالية، وتقدم التنظيم الهيكلي للاقتصاد في عدة دول في السنوات القليلة الماضية، وإلى جانب ذلك، تكشفت آمال جديدة للاستثمار في القارة، حيث كثف التطور السريع للعولمة، مع مرور الأيام النزاع على السوق بين كل الدول.
ورغم أن الاستقرار السياسي في إفريقيا سيظل متوازيا لعدة سنوات قادمة مع الاضطرابات المحلية، إلا إن الاقتصاد الإفريقي سيحتفظ ككل بقوته الدفع نحو النمو، لكن معدل النمو لن يكون كافيا لتحقيق هدف إفريقيا للتخلص من الفقر، وبناء على ذلك، فإن خطر تهميش إفريقيا مازال موجودا، وما تحتاجه إفريقيا بشدة هو السلام والاستقرار، اللذان هما شرطان جوهريان لا بد من توافرهما لتجديد قوتها وتنميتها في الألفية الثالثة، فبدون بيئة سليمة تنعدم التنمية، وسيبلغ المد الدائم للعولمة الاقتصادية إفريقيا.
ومازالت أغلب دول القارة تواجه الكثير من المشكلات والتحديات التي يحاول الاتحاد التدخل لحلها والتغلب عليها، فعلى الرغم مما حققه الاقتصاد من تقدم، فإن الفجوة بين إفريقيا والدول المتقدمة مازالت متسعة، وحتى مع بعض الدول النامية، تحت ظروف التقدم السريع لعولمة الاقتصاد والاقتصاد الحر والتقدم الإلكتروني، وانتشار الحروب الأهلية، والنزاعات المسلحة، والقضايا القانونية المتعلقة بالنزاعات الإقليمية، والقضايا والتحديات الاقتصادية والاجتماعية ومشاكل المجاعات المتكررة وقضايا البيئة والتغير المناخي وأثرهما في التصحر وعدم الاستدامة البيئية وغيرها.
ويظل الوضع السياسي الهش والمتغير، العدو المخيف لإفريقيا، وتظل الاضطرابات السياسية وتهميش الاقتصاد، من أخطر التحديات التي تواجه إفريقيا، وإذا كان من الممكن القول إن الموقف العام في إفريقيا قد تحرك نحو التحسن في السنوات القريبة الماضية، فإنه في نفس الوقت، لابد عدم إنكار أن وضع إفريقيا كان دائما يتصف بوجود التحديات والفرص السانحة جنبا إلى جنب، وبالمقارنة الرأسية فقد شهدت إفريقيا تغيرات إيجابية، ولكن بالمقارنة الأفقية، خاصة عندما تقارن مع أقاليم أخرى في العالم، فإن التحديات التي تواجه أفريقيا مازالت قاسية جدا.
ويمثل الفقر وانتشار الأمراض التحدي الأعظم، فمن بين ٤٨ دولة من أفقر دول العالم تقع ٣٣ دولة منها في إفريقيا، وعلى الرغم من نمو الاقتصاد الأفريقي إلا إن “نصف سكان إفريقيا تقريبا”، يعانون من الفقر ويعيشون تحت خط الفقر المدقع، ويحصلون على أقل من دولار أمريكي فى اليوم لمصاريف معيشة، ويرجع ذلك إلى التوزيع غير العادل للثروة، ووجود ظاهرة الفساد في بعض الأماكن، بالإضافة إلى الصراعات المتتالية التي أدخلت تلك الدول في الدائرة الخبيثة للفقر.
فيما تعد القضايا الصحية وانتشار أمراض الملاريا والإيبولا والإيدز (فيروس نقص المناعة البشرية ومتلازمة العوز المناعي المكتسب)، كارثة اجتماعية خطيرة، حيث يصل عدد المصابين بمرض الإيدز إلى 63 في المائة، من نسبة المصابين به في العالم، وهذا المرض الذي يود بحياة أعداد كبيرة من الأفارقة.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)