كما كانت أسوان مركزا ثقافيا مهما في القرن السادس والسابع الهجري، وكان بها ثلاث مدارس أقدمها مدرسة أسوان والمدرسة السيفية ومدرسة النجمية، وكما أنشأ فيها محمد علي أول مدرسة حربية في مصر عام 1837.. ففي القرن الـ21 واليوم بالذات تسطع أسوان بشمس تحتضن 1500 شاب مصري وعربي وأفريقي يتحاورون في كافة القضايا والتحديات المشتركة التي تواجههم، يهتمون ويتناقشون في واقع ومستقبل المنطقة العربية والقارة السمراء، يتبادلون الفكر والرأى مع كبار المسئولين من خلال برنامج عمل مكثف يتضمن جلسات حوارية وموائد مستديرة نقاشية وورش عمل وأنشطة ترفيهية وسياحية.
ومحافظة أسوان تقع جنوب جمهورية مصر العربية، ويحدها من الشمال محافظة الأقصر، وشرقا محافظة البحر الأحمر، وغربا محافظة الوادي الجديد، وجنوبا السودان عند خط عرض 22 شمال مدار السرطان.. وتقع مدينة أسوان عاصمة المحافظة على الشاطئ الشرقي للنيل، وتبعد عن القاهرة 879 كيلو مترا، وتبلغ مساحة المحافظة 34,608 كيلو متر مربع.
وتقع مدينة أبو سمبل وقرى “التهجير” النوبية في أسوان، كما تضم بحيرة ناصر، والتي تضم مشروع مفيض توشكا، ويحمل شعارها أبرز معالمها ففيه رسم لمركب فرعونية عليها الترس رمز العمل والمصانع، يحيطه برجين للكهرباء في إشارة للسد العالى أحد أبرز مشروعات مصر في أسوان، وعيدها القومى هو يوم الانتهاء من هذا المشروع في 15 يناير عام 1971.
ومدينة أسوان، التى تحتضن حاليا وعلى مدى ثلاثة أيام ملتقى الشباب العربى الأفريقى والذى انطلق الليلة الماضية بحضور ورعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى، هي عاصمة محافظة أسوان وأهم مدن النوبة بالمنطقة الحضارية، والتي طالما ظلت البوابة الجنوبية لمصر، وتقع المدينة على الضفة الشرقية لنهر النيل عند الشلال الأول، ويصلها بالقاهرة خط سكة حديد وطرق برية صحراوية وزراعية ومراكب نيلية ورحلات جوية محلية، ويبلغ عدد سكانها 900 ألف نسمة تقريبا، وترتبط بوادي حلفا برا عبر معبر قسطل، الذي افتتح في عام 2014.
وكانت أسوان تعرف باسم “سونو” في عصور المصريين القدماء، ومعناها “السوق”، حيث كانت مركزا تجاريا للقوافل القادمة من وإلى النوبة، ثم أطلق عليها في العصر البطلمي اسم “سين”، وسماها النوبيون “يبا سوان”، كما عرفت أيضا باسم “بلاد الذهب” لأنها كانت بمثابة كنز كبير أو مقبرة لملوك النوبة الذين عاشوا فيها آلاف السنين.. وكانت حدود أسوان تمتد قديما قبل الهجرة من إسنا شرقا إلى حدود السودان جنوبا، وكان سكانها من النوبين ولكن بعد الفتح الإسلامي لبلاد النوبة سكن فيها بعض قبائل العرب.
وبدأت أهمية أسوان في عصر الدولة القديمة حيث كانت تمثل الحدود الجنوبية للبلاد، كما كانت مركز تجمع الجيوش في عصور الملوك الوسطى لمحاولتهم مد حكمهم جنوبا، ولعبت دورا حاسما في محاربة الهكسوس.. فيما حازت جزيرة فيلة “موطن الإله إيزيس” على اهتمام البطالمة فقاموا بإكمال معبدها الكبير، بينما قام الرومان بإقامة المعابد على الطراز الفرعوني للتقرب من المصريين، ومنها معبد صغير في جزيرة فيلة أقامه الإمبراطور تراجان.
وجاء برثولماوس إلى “سونو” أسوان عام 60 ميلادية ومعه متي الرسول، عندما جاءت المسيحية إلى مصر، وانطلقا من سونو إلى الحبشة، ثم انطلق برثولمانس من هناك إلى أرمينيا.. ثم جاء إلى الإسكندرية مارمرقس الرسول وأسس الكرسي المرقسي وقتل هناك عام 68 ميلادية علي يد الفراعنة واليونانيون، ومن القديسين الذين ولدوا في أسوان الأنبا هدرا السائح.
وعندما أصبحت المسيحية الدين الرسمي للبلاد في القرن الخامس الميلادي، تحولت معظم معابد الفراعنة إلى كنائس، فكانت جزيرة فيلة مركزا لأحد الأسقفيات، مما أدى إلى انتشار المسيحية جنوبا تجاه بلاد النوبة في مصر والسودان.. وعندما جاء العرب مع الفتح الإسلامي لمصر اتخذوا من أسوان سكنا لهم، ومنذ انتشار الإسلام عثر على العديد من الكتابات بالخط الكوفي ترجع إلى القرن الأول الهجرى.
وكما ازدهرت أسوان في العصر الإسلامي في القرن الـ10 الميلادي، كانت طريقا إلى “عيذاب” على ساحل البحر الأحمر، حيث تبحر السفن منها إلى الحجاز واليمن والهند، وكانت أيضا مركزا ثقافيا مهما في القرن السادس والسابع الهجرى.
وتنقسم أسوان إلى “العرب”، ويبلغ عددهم نسبة 50% من تعداد السكان ينقسمون إلى أكثر من 10 قبائل، أشهرهم (الجعافرة، البشارية، العبابدة، الأنصار، العليقات “العقيلات”، بنى هلال)، وبسبب تحدثهم اللغة العربية الفصحي جاء اسمهم العرب.. و”النوبيون” والذين ينقسمون إلى قبيلتي (الكنوز) و(الفجيكات) ويبلغ عددهم نسبة حوالى 30%، واللغة النوبية هي سبب تسميتهم بذلك الاسم، أما باقي السكان فهم ممن قدموا إلى أسوان لكسب الرزق بصفة مؤقتة ودائمة.
وأسوان أرض الحضارات لم تعجز عن أن تكون أرض ميلاد النظريات العلمية، التي مازالت تحكم علوم الرياضيات والعلوم الأخرى المرتبطة بها وغيرها، ففيها قام إراتوستينس بدحض نظرية الأرض المسطحة، وقام بأول حساب لمحيط الكرة الأرضية متخذا “سيين” مركزا “والإسكندرية” نقطة طرفية لحساب طول القوس بين النقطتين وزاوية سقوط ضوء الشمس على كل من المدينتين، ومنهما قام بحساب محيط الأرض معتمدا على تعامد الشمس على مدار السرطان (المار تقريبا بأسوان) يوم 21 يونيو.
وتعد مدينة أسوان ومحيطها من أكثر المناطق ثراء في العالم سياحيا وأثريا، حيث يزداد بها عدد السياح الأجانب، وخاصة من أوروبا و شرق آسيا.. ومن أهم معالمها السياحية، جزيرة الفنتين، وهي جزيرة تقع في قبالة مدينة أسوان وعرفت في النصوص المصرية باسم “أبو” ومعناها “سن الفيل”، وأصبحت في اليونانية ألفنتين، حيث يعتقد أنها كانت في وقت من الأوقات مركزا لتجارة العاج، وتضم الجزيرة معبد خنوم إلى جانب وجود مقياس النيل ومقبرة الكبش المقدس وبوابة الملك أمنحتب الثانى وثالوث ساتت وعنت.
وتضم مدينة أسوان أيضا جزيرة فيله وجزيرة أنجيليكا وجزيرة النباتات ومحمية سالوجا وغزال وضريح أغاخان، والذي يقع على هضبة على البر الغربي لنهر النيل قبالة الجزء الجنوبي للحديقة النباتية، وقد بني بها آغاخان الثالث مقبرة فخمة من الحجر الجيرى والرخام ودفن بها عام 1959 بناء على وصيته، واستوحي تصميم المقبرة من المقابر الفاطمية.
كما تضم متحف النوبة، الذي تم افتتاحه عام 1997، وشارك في حفل الافتتاح رؤساء عدد من الدول الصديقة التي شاركت في إنقاذ آثار النوبة ويعرض به ما يزيد على 5000 قطعة أثرية من آثار النوبة القديمة، وكذلك متحف أسوان (متحف جزيرة الفنتين)، وخزان أسوان والسد العالى وبحيرة ناصر ومعبد أبو سمبل وإدفو والمقابر الفاطمية.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)