ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية فى مقالها الافتتاحى لها السبت، أن من ضمن الأسباب التى جعلت الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يراجع قراره بشأن عودة القوات الأمريكية بالكامل إلى وطنها، وإعلانه مؤخرا عن إبقاء عدد محدود من القوات فى سوريا، أنه سيكون من الصعب على الولايات المتحدة تدمير علاقتها مع حلفائها الأوروبيين، إلى جانب ميل الرئيس ترامب لاستيعاب الرئيس التركى رجب طيب إرودغان والرئيس الروسى فلاديمير بوتين، مُشيرة إلى أن قرار ترامب يحسب له، نظرا لاستجابته فى النهاية إلى أولئك الذين حذروه من عواقب هذا القرار.
وأوضحت الصحيفة أنه منذ أعلن ترامب انسحاب القوات الأمريكية من سوريا فى ديسمبر الماضي، سارع العديد من مساعديه وقادة الجيش الأمريكى والكونجرس، إلى جانب حلفاء واشنطن لإقناعه بتعديل هذا القرار، الذى يبشر بعواقب وخيمة، أوالرجوع عنه، ويبدو أن مساعيهم قد كللت بالنجاح، حيث أعلن مسؤولو الإدارة الأمريكية أمس عن إبقاء 400 جندى فى سوريا مقارنة مع 2000 فى الوقت الحالي، مُقسمين بين المنطقة الشمالية على امتداد الحدود التركية والقاعدة الجنوبية قرب الأردن.
وأضافت الصحيفة أنه ليس واضحا بعد ما إذا كان هذا التقسيم الذى سُتوزع من خلاله القوات الأمريكية سيكون كافيا لحماية مصالح الولايات المتحدة التى تشمل: منع حدوث نزاع بين حلفاء واشنطن فى سوريا من الأكراد السوريين وتركيا، والتأكد من عدم إحياء عناصر داعش من جديد فى المنطقة، بالإضافة إلى تجنب تحقيق كلا من روسيا وتركيا مكاسب استراتيجية لهما فى الدولة التى مزقتها الحرب، مُشيرة إلى أنه على أى حال، يبقى قرار السلطات الأمريكية بإبقاء عدد من قواتها هناك خطوة إيجابية ستخفف من عواقب الأخطاء الاستراتيجية التى ارتكبتها الإدارة فى الفترة الأخيرة.
وتابعت (واشنطن بوست) “لقد أعلن الرئيس عن عودة القوات من سوريا بشكل مفاجئ، وبدون الرجوع إلى أحد من مستشاريه أو حلفائه”… مُضيفة أنه لم يقدم مُطلقًا تفسيراً مقنعاً بشأن اتخاذه هذا القرار، غير أنه يحاول إعادة القوات الأمريكية إلى الوطن من “حروب لا نهاية لها”، ورفضه أن تصبح الولايات المتحدة “شرطى الشرق الأوسط”، فحتى وقت لاحق من الأسبوع الماضي، كان ترامب لا ينصت إلى قول كبار المسئولين العسكريين وأعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين والقادة الأوروبيين، الذين حذروه من أنه كان يسئ قراءة الوضع فى سوريا.
وأفادت الصحيفة بأن مهمة الولايات المتحدة هناك، تختلف عن تلك الموجودة فى العراق أو أفغانستان، حيث كان لدى واشنطن للمرة الأولى نفوذًا حقيقيًا فى المساومة على المستقبل فى سوريا، فقد تعلمت الدروس المستفادة من الحروب السابقة، وترك القادة الأمريكيون بصمة طفيفة لهم فى شمال شرق سوريا وشكلوا تحالفا مع القوات المحلية التى يقودها الأكراد، وتكبدت القوات الأمريكية خسائر بشرية على مدار أربع سنوات، حيث سقط سبع قتلى من صفوف القوات الأمريكية أثناء حربهم ضد داعش، ما يدل على أنه، للمرة الأولى، كان لدى واشنطن نفوذا حقيقيا فى المساومة على مستقبل سوريا.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بعد تمكن العسكريين وأعضاء مجلس الشيوخ والقادة الأوروبيين من إقناع ترامب بإبقاء عدد من القوات فى سوريا، يمكن للقادة والدبلوماسيين الأمريكيين الآن العودة إلى متابعة الأهداف التى حددوها من قبل، والتى تشمل التأكد من أن آلاف المُسلحين المتطرفين المتبقين فى سوريا لا يعيدون تنظيم صفوفهم من جديد ويبحثون عن تسوية مقبولة فى الحرب الأهلية السورية.
وأضافت الصحيفة أن تلك الأهداف تشمل بالضرورة الحد من الوجود الإيرانى فى البلاد، وكبح محاولاتها الرامية إلى تدعيم المقاتلين والصواريخ المتقدمة التى تهدد إسرائيل.