تحتفل دول المغرب العربي هذه الأيام بمرور 30 عاما على تأسيس اتحاد المغرب العربي الذي يبدو أنه لا يزال يواجه تحديات صعبة تحول دون تحقيق الأهداف المرجوة التي وضعتها الدول المؤسسة له ، والتي من أجلها أنشئ الاتحاد.
في هذا السياق أكدت وزارة الخارجية التونسية، في بيان لها بمناسبة الذكرى الثلاثين لنشأة الاتحاد ، تمسّكها بهذا المشروع الحضاري الذي يمثّل خيارا استراتيجيّا ومكسبا تاريخيّا لدول المنطقة وشعوبها، كما أكدت عزمها مواصلة العمل مع بقيّة الدّول الأعضاء في الاتحاد من أجل تعزيز أركان هذا الصّرح وتفعيل هياكله ومؤسّساته لتمكينه من تحقيق أهدافه التي أُنشئ من أجلها.
كما بعث الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، ببرقيات تهنئة إلى قادة الدول المغاربية بمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس الاتحاد، جدد فيها تمسك بلاده ببناء هذا الاتحاد باعتباره “خيارا استراتيجيا ومطلبا شعبيا”، مؤكدا على أهمية النهوض بمؤسسات الاتحاد وتنشيط هياكله لمواجهة التحديات المتزايدة وتلبية طموحات الشعوب المغاربية في تحقيق مزيد من التكامل والاندماج.
ونشأت فكرة تأسيس الاتحاد المغاربي في المؤتمر الأول للأحزاب المغاربية الذي عقد بمدينة طنجة المغربية في ابريل 1958، والذي ضمّ ممثلين عن حزب الاستقلال المغربي، والحزب الدستوري التونسي، وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، ثم توالت محاولات التكامل بين دول المغرب العربي على مدى سنوات طويلة حتى أُعلن عن قيام اتحاد المغرب العربي في 17 فبراير 1989 بمدينة مراكش، من قبل خمس دول هي المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا.
وكان هدف الدول الأعضاء من إنشاء هذا الاتحاد تحقيق الوفاق فيما بينها وإقامة تعاون دبلوماسي وثيق يقوم على أساس الحوار، وصيانة استقلال هذه الدول وتحقيق التقدم والرفاهية لمجتمعاتهما والدفاع عن حقوقها، إلى جانب المساهمة في حفظ السلام القائم على العدل والإنصاف، وانتهاج سياسة مشتركة في مختلف المجالات، بالإضافة إلى العمل تدريجياً على تحقيق حرية تنقّل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال فيما بينها.
ومع الاحتفال بمرور ثلاثة عقود على تأسيس هذا الكيان ، يبدو أنه لم يتمكن خلالها من تحقيق الأهداف المرجوة، حسب رأي العديد من المراقبين الذين يرون أن هناك العديد من التحديات التي حالت دون تحقيق أهداف هذا الاتحاد، أبرزها الخلافات السياسية بين الدول الأعضاء وعلى رأسها النزاع بين المغرب والجزائر بسبب ملف الصحراء الغربية.
ويشير المراقبون إلي أن الجزائر دعمت علنا جبهة البوليساريو في مطلب تقرير مصير إقليم الصحراء الذي تعتبره الرباط من جهتها أرضاً مغربية، وتقترح مبدأ “الحكم الذاتي الموسّع للصحراء” كحل لنزاعها مع البوليساريو.
وأدى هذا الخلاف إلى إغلاق الحدود البرية بين البلدين منذ عام 1994، وهو العام الذي عقدت فيه آخر قمة جمعت قادة الدول الأعضاء في تونس، كما طلب المغرب تجميد مشاركته في الاتحاد في العام نفسه احتجاجا على دعم الجزائر للبوليساريو.
ومن بين الخلافات أيضا التي وقفت عائقا أمام الاتحاد استياء ليبيا، في ظل نظام العقيد الراحل معمر القذافي، من عدم دعم الاتحاد المغاربي لها إبان أزمة لوكيربي التي اندلعت في أعقاب تفجير طائرة أمريكية باسكتلندا عام 1988، واتهمت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا نظام القذافي وقتها بتدبيرها، وهو ما أدى إلى تأزم الأوضاع في المنطقة.
وعلى الرغم من تسوية الأزمة فيما بعد إلا أن ذلك خلّف توتّراً بين نظام القذافي ودول الاتحاد المغاربي، بعد رفضها دعمه ضد الولايات المتحدة.
ساهم أيضا توتر العلاقات التونسية الليبية في تعطيل عمل الاتحاد حيث تأزمت العلاقات بينهما منذ عام 1974 بعد توقيع اتفاق وحدة اندماجية بين البلدين أو ما يعرف بـ “اتفاق جربة”، والذي تم إلغاؤه بعدها بشكل مفاجئ بسبب ظهور خلافات واسعة بين تونس وليبيا ساهمت في تفاقم الأوضاع بينهما.
وبالإضافة لما سبق، يرى المراقبون أن هناك بعض العناصر الاقتصادية التي ساهمت في جمود عمل الاتحاد، من أهمها وجود تفاوت اقتصادي واضح بين الدول المغاربية الأعضاء، إذ يصل نصيب الفرد في ليبيا إلى 8900 دولار سنويا، في حين لا يتعدى نصيب الفرد في موريتانيا 2000 دولار سنويا، وهو ما أوجد نوعا من الرفض لدى بعض الفئات لفكرة الاتحاد وأعاق تفعيله.
في هذا السياق أوضح الأمين العام لاتحاد المغرب العربي، الطيب البكوش، أثناء مشاركته بمدينة مراكش في مؤتمر بعنوان ” 30 سنة على قيام الاتحاد المغاربي.. الرهان والتحديات ” أوضح أن حجم المبادلات التجارية بين الدول المغاربية في الوقت الراهن، يبقى دون المأمول حيث لا يتعدى نسبة الـ 5%، في حين أن حجم المبادلات التجارية بين دول المغرب العربي وباقي دول العالم يتعدى نسبة الـ 90%، وهوما يتطلب تجاوز الخلافات السياسية وتكثيف الجهود بهدف إيجاد حلول جذرية لدعم العمل المشترك، وتنويع علاقات التعاون لتشمل مختلف القطاعات.
من ناحية أخرى، أفادت تقارير اقتصادية أن إجمالي الناتج المحلي لدول اتحاد المغرب العربي يصل إلى نحو 389.6 مليار دولار أمريكي، وهو ما يعادل 32% من إجمالي الناتج المحلي للوطن العربي تقريبًا. وأشارت تلك التقارير إلى أن تعطل عمل الاتحاد المغاربي أدى إلى خسارة أكثر من 6 مليارات دولار على صعيد المبادلات التجارية، كما أنه يفقد دول الاتحاد المغاربي سنويًا ما يقارب 2 إلى 3 نقاط نمو.
وفي الذكرى الثلاثين لإنشاء الاتحاد، أصدر صندوق النقد الدولي تقريرا أكد فيه أن زيادة الاندماج بين دول المغرب العربي يمكن أن تخلق سوقاً إقليمية لقرابة 100 مليون نسمة يبلغ دخلهم المتوسط نحو 12 ألف دولار على أساس تساوي القوى الشرائية، كما أن من شأن هذا الاندماج أن يزيد من جاذبية المنطقة كوجهة للاستثمار الأجنبي المباشر، ويخفض تكلفة التجارة الإقليمية البينية وحركة رأس المال والعمالة، ويرفع كفاءة الإنفاق الحكومى.
في ضوء ما سبق، يبدو جليا أن تعطل عمل الاتحاد المغاربي حتى يومنا هذا مثًل فرصة ضائعة على المنطقة لإنشاء قوة اقتصادية عملاقة رغم توافر كافة المقومات الكفيلة لتحقيق ذلك، فاقتصادات هذه الدول تتسم بالتنوع ويمكن أن تشكّل تكاملاً فيما بينها، كما أن الموقع الجيواستراتيجي لدول الاتحاد يجعلها واجهة أفريقية تطل على أوروبا وتربطها بباقي الدول الأفريقية، وكونها امتدادا لدول الشرق الأوسط سيجعلها من أقوى التكتّلات العالمية.
وهنا تبرز أهمية العمل على تفعيل هذا الكيان والبحث عن دينامية جديدة لتحريك مساره الذي ظل متجمدا منذ إنشائه قبل أكثر من ربع قرن لكي تتمكن الدول الأعضاء من مواجهة التحديات الداخلية والخارجية المشتركة، في وقت يتنامى فيه الرهان دولياً على التكتلات كخيار مربح.
المصدر : أ ش أ